على هامش الثورة في 'عروس الثورة'

على هامش الثورة في 'عروس الثورة'
على هامش الثورة في 'عروس الثورة'

كتب مصطفى العويك: تدين الثورة الشعبية اللبنانية لمدينة طرابلس بكثير من الفضل الوطني والثوري. فالمدينة التي تصالحت مع نفسها بعد سنوات عجاف طوال، أعادت الكثير من المناطق الاخرى الى "رشدهم الثوري" بعد استقالة الحكومة وانسحاب المعتصمين الى منازلهم.

بائع الكعك الطرابلسي، تاجر البناء، طالب الجامعة، المياوم وابناء المهن الحرة والام والاخت وحتى الاطفال استمروا في ثروتهم وبمستوى اعلى من ذي قبل بعد استقالة الحكومة، لم يعتبروا ان استقالتها تشبع جوعهم المدقع لحلم متخيل في تشييد بناء وطني جديد على قدر تصوراتهم وطموحاتهم، هتفوا بالصوت العالي ونادوا الساحات الاخرى والمدن والشوارع، الذين سارع اهلها لتلبية النداء مباشرة بعد ان سحرتهم "ساحة الله" كما سماها محمد ابي سمراء، والتي شكلت ساحة لقاء للمؤمن والملحد، المسلم والمسيحي، الأمي والمثقف، مرددين بصوت واحد: ثورة، وكلن يعني كلن، بما تعنيه الاخيرة من رسائل سياسية عالية المستوى، لاحزاب وشخصيات بعينها، نظرا للصدح فيها من حناجر طرابلسية وشمالية.

الا ان هذا الفضل باعادة اطلاق الثورة الشعبية من جديد وبزخم أكبر، بدأ يرتد سلبا على المدينة واهلها!. لماذا تشكل لدينا هذا الانطباع؟ لجملة نقاط سنسردها كما استقيناها من متابعتنا اليومية ومن نقاشاتنا مع الشباب الثائرين في ساحة النور:
1- تسليط الاعلام الوطني والعالمي الضوء بهذه الكثافة على طرابلس، على اهميته وضرورته، وعلى الرغم من كونه تعويض للمدينة عن الظلم الذي مورس بحقها من قبل هذا الاعلام نفسه على مدى سنوات طويلة، الا ان البعض يحق له يسأل اين سينتهي تسليط هذا الضوء؟ هل من مخطط يرسم للمدينة؟ هل هناك مؤامرة جديدة تحاك لها؟  خاصة وان البعض من سياسيي العهد وصف المتظاهرين في ساحة النور بـ"جماعة ادلب"!!!. هذه هواجس لا يمكن ان تغادر مخيلة ابناء المدينة رغم كل ما حدث.
2- لماذا قطع الطرقات الرئيسة والفرعية يحدث فقط في طرابلس؟ على من نقطع الطرقات؟ والى اي حد بعد شهر على الثورة ينفع قطع الطرقات بالشكل الذي يحدث؟ أليس الاجدر ان تفتح أمام الناس ليعتاشوا في نهارهم ويثوروا في ليلهم مثلا؟ والاهم من الذي يأمر بعض "الثائرين" بقطع الطرقات دون رضى وموافقة من اللجان التنسيقية المتواجدة في ساحة النور؟ وماذا تستفيد الثورة اذا تم قطع الطرقات الفرعية الداخلية في المدينة؟ 
3- لماذا مدارس وجامعات ومهنيات محافظة الشمال مقفلة؟ وتحديدا  طرابلس، بينما يذهب طلاب اغلبية المحافظات اللبنانية الى دورهم التعليمية بشكل يومي وطبيعي؟ هل من الجائز ان يكون المشهد هلى هذه الصورة؟ لماذا لا تفتح المدارس ويخصص اوقات معينة للطلاب لعبروا عن آرائهم بكل حرية وموضوعية؟ كأن يخصص لهم مثلا يوم الاحد من كل أسبوع؟ هل  من ادبيات الثورة ان نحرم طلابنا من موسهم الدراسي تحت ذرائع سمجة كالقول بانهم اذا تخرجوا لن يجدوا عملا؟ 
4- لماذا فقط في طرابلس هناك "حرق دواليب"، السنا نحن "عروس الثورة"؟ اي صورة نعطيها عن هذه العروس والبعض منا يحرق الاطارات المشتعلة بناء على امر الاجهزة الامنية ودون اي غطاء او تنسيق مع لجان الساحة الذين شددوا على ان هذا الفعل لا يخدم قضيتهم ولا يمثلهم. من هي الجهة التي يمثلها هذا الخرق الاخلاقي الفادح؟ لصالح من تعمل؟ ولماذا تسعى لضرب صورة المدينة؟ وهل المقصود من ذلك جر الشارع الى صدام مع شارع آخر؟
5- ماذا عن الغلاء الفاحش في سعر السلع والبضائع في اسواق المدينة الفقيرة؟ لماذا بادر التجار بشكل رهيب وهم الاعلم بقدرة الناس الشرائية على رفع الاسعار؟ ندرك ان البضائع لا تصل بسهولة وتتأخر، وان اصحابها يفرضون على التجار الدفع بالعملة الاجنبية، لكن هل هذا مبرر مقنع لأن يزيد السعر اضعاف ما كان عليه؟ الا يجب ان تخرج الاصوات المنادية بضرورة ضبط هذا الامر لصالح الثورة، حتى تبقى الطبقة الفقيرة التي تعتبر وقود الثورة الشعبية لديها مقدرة اجتماعية واقتصادية على تلبية نداء الكرامة؟ ام ان ما يجري يهدف الى الضغط على هؤلاء كي لا يكونوا في الساحات؟ أين دور البلدية في الرقابة والمتابعة؟ والجمعيات واللجان المحلية في تسليط الضوء على هذه التدبير التعسفي بحق الناس ام ان البحث عن دور في الثورة ارهق كاهلهم وانساهم دورهم الطبيعي، هذا ان كانوا يأدونه في الاساس؟!
5- أين الحكمة من عدم السماح للمصارف بفتح ابوابها امام المواطنين؟ كيف للمواطن الثائر ان يستمر في ثورته اذا كان عاجزا عن اجراء اي عمل مصرفي يعزز دوره وقدرته وحضوره في الساحة؟
6- لماذا نسارع الى اقفال المؤسسات العامة الحيوية المرتبطة بهموم ومشاكل الناس اليومية؟ هل هذا يخدم الثورة ورسالتها ومطالبها؟ ألا يرتب هذا مسؤوليات وواجبات قادمة على المواطنين؟ أم أن البعض يظن ان الثورة ستنتهي باستبدال هذه المؤسسات العامة بمؤسسات عامة خيرية وظيفتها فقط اغداق الاموال على الناس؟؟
7- لماذا اغلقت محلات الصيرفة في اكثر من مدينة واجبرت في اخرى على بيع وشراء الدولار بالسعر المقبول نسبيا وان لم يكن السعر ذاته الذي اقره مصرف لبنان؟ ولم يتكلم عنها احد في طرابلس؟ هل ممارسات اصحابها منطقية ومقبولة الى هذا الحد حتى لا يصار الى التطرق اليها الا لماما.
8- هل سمع من يجب ان يسمع صرخة المستشفيات والمستوصفات ببدء نقص بعض الادوية الاساسية لديها وصعوبة حصولها عليها لاسباب عدة ذكرناها في السياق العام؟ فهل نقطع الطرقات على شاحنات الادوية تحت حجة العصيان المدني والثورة؟ وهل الثورة هي لخدمة الناس ومنحهم حياة افضل؟ ام لاذلالهم والتسريع في موتهم؟

لا بد من ان يصار الى بحث هذه الامور بجدية مطلقة وحكمة، وطرح آليات ومقاربات جديدة لمسار الثورة في طرابلس بالشكل الذي تمنح فيه الثورة قوة دفع اساسية لضمان استمراريتها حتى تحقيق المبتغى، وتسمح بالوقت عينه للناس الثائرين وغير الثائرين من القيام باعمالهم الاساسية والطلاب من عدم حرمانهم العام الدراسي.
لا نريد ان تثور الناس على الثورة..
فهل من يتصدى لهذه الامور من المعنيين؟ وماذا عن دور القوى والاحزاب السياسية في المدينة؟ 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى منخفض جويّ متمركز فوق اليونان... هذا موعد وصوله إلى لبنان