الفقر يختلط برائحة الموت.. ويُنتج غضبا شعبيا في الميناء

الفقر يختلط برائحة الموت.. ويُنتج غضبا شعبيا في الميناء
الفقر يختلط برائحة الموت.. ويُنتج غضبا شعبيا في الميناء

كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": لم يكن ينقص عائلة كاخية في ميناء طرابلس سوى سقوط السقف الذي تأوي تحته في منزل متصدع تحت جنح الظلام، لتقدم شهيدين في عمر الورود أحرقا القلوب التي إنفطرت على فقدانهما بلحظات تحت أنقاض وضعت حدا لحياتهما.

 

بالأمس إختلط الفقر والمعاناة برائحة الموت، فأنتج غضبا شعبيا قل نظيره تفجر في الشارع وأدى الى توتر تمثل بالمواجهات التي شهدتها الميناء صباحا ومساء بين الغاضبين والجيش اللبناني في أكثر من مكان، وشكل إمتدادا لتوترات أمس الأول أمام منزل النائب فيصل كرامي، ليوحي أن هناك من يسعى الى ضرب إستقرار المدينة وشيطنة صورة أهلها، من خلال بعض المندسين أو المستفيدين الذين يحاولون توريط أبناء طرابلس والميناء على حد سواء مع الجيش اللبناني وإظهارهم على غير حقيقتهم.

 

لا يمكن أن تمر حادثة وفاة عبدالرحمن وراما كاخية مرور الكرام، فما حصل يشكل أكثر من جريمة، أولا لجهة الحديث عن بيع حجارة المبنى الأثرية الى أحد تجار الآثار، وثانيا في غياب البلدية عن الكشف على المنزل المتداعي وعدم إتخاذ الاجراءات اللازمة على صعيد توجيه إنذار لقاطنيه أو العمل على تدعيمه، وثالثا في عدم تلبية البلدية طلب عائلة كاخية في ترميم وتأهيل المنزل الذي تقطنه بحجة أن المنزل أثري ويحتاج الى قرار من مديرية الآثار(كما قال مقربون من العائلة ونفته البلدية) ما يستدعي من وزارة الداخلية وضع يدها على هذه الحادثة وإجراء تحقيق شفاف من رئيس البلدية الى كل المسؤولين المعنيين، لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين، فضلا عن تدخل الهيئة العليا للاغاثة للتعويض على العائلة المفجوعة.

 

لا شك في أن الغضب الشعبي الذي عاشته الميناء كان محقا، فقد طفح الكيل لدى المواطنين بعد 56 يوما من لامبالاة السلطة التي لم تجر حتى الآن إستشارات نيابية لتكليف رئيس جديد للحكومة وما تزال تماطل وتسعى الى تقاسم الحصص، كما لم تلب أي من المطالب التي خرجت الثورة من أجلها، فضلا عن معاناة أهل الميناء من الصيد البحري الى أكشاك البرّ والبطالة التي نتجت عن منعها، حتى جاءت هذه الفاجعة فكانت بمثابة “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، لكن في المقابل لم يكن من الحكمة إستهداف القصر البلدي بهذا الشكل، وإعتماد منطق التكسير والحرق، خصوصا أن القصر البلدي وتجهيزاته ومكتبته العامة وقاعاته والمولد الكهربائي ليسوا ملكا لرئيس البلدية، بل هم ملك كل أبناء الميناء الذين قادهم غضبهم أو من حرضهم الى تحطيم ممتلكاتهم بأيديهم، خصوصا أن رئيس البلدية قد يستقيل تحت الضغط، لكن القصر البلدي سيبقى لأبناء الميناء وسيعاد إصلاح الأضرار اللاحقة به من أموالهم الخاصة.

 

ما تزال طرابلس والميناء منذ 48 ساعة تعيش حالة غير مسبوقة من التوتر الذي من شأنه أن يسيء الى الثورة وأهدافها التي قامت تحت شعار السلمية، واللافت أن كثيرا من الممارسات التي ترخي بثقلها على الشارع لا تمت الى أخلاق وعادات وتقاليد أبناء المدينتين، خصوصا ما يتعلق بقطّاع الطرق الذين سعوا يوم أمس الى تقطيع الأوصال عبر الانتقال بالاطارات من منطقة الى أخرى وإشعالها وتلويث الأجواء وتعطيل مصالح المواطنين وعزل طرابلس والميناء عن محيطهما القريب والبعيد، فضلا عن المواجهات المشبوهة مع الجيش اللبناني وقيام البعض باطلاق الشتائم بحق عناصره ورميهم بالحجارة والزجاجات الفارغة، الأمر الذي يجعل الأمور مفتوحة على سلسلة من التوترات قد تؤدي الى ما يحمد عقباها.

 

لليوم الثاني على التوالي، تتدخل العناية الإلهية وتنقذ طرابلس والميناء من فلتان أمني كان يلوح في الأفق ومن سقوط ضحايا، ما يتطلب من أبناء المدينتين التنبه الى المندسين في صفوفهم الساعين الى شيطنة الثورة وتوتير الأجواء التي إنعكست بوضوح ليل أمس على ساحة عبدالحميد كرامي التي خلت من روادها ومن الناشطين فيها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى