جوزف الهاشم – الجمهورية
قرأتُ كتاب «التحدّي الكبير» الذي تلقَّيتهُ هديةً من النائب وليد جنبلاط مع مجموعة من الكتب القيّمة التي تستخلص تراث والده الفكري والسياسي والأدبي، وقد جاء في الصفحة (185): «إنّ المعارك العنيفة في الجبل عندما وصلت الى درجة قيل معها إن قصر المختارة سوف يُقصف بالطائرات قال كمال جنبلاط: «المهمّ أنّ عندنا بعض الأوراق الشخصية نريد أن نؤمِّن لها مكاناً آمناً عند واحد من إخواننا المسيحيين في المنطقة…».
ولم يكن يتصور كمال جنبلاط أن البيت المسيحي لن يكون آمناً في المنطقة بعد استشهاده، مع أن هذا البيت المسيحي هو الذي كان يؤمّن في الإنتخابات فوز اللوائح الجنبلاطية بأكثرية المقاعد على لوائح كميل شمعون في الشوف.
وبالرغم مما تمخّض به الجبل من مصائب ونوائب فقد كانت لائحة وليد جنبلاط في الشوف تحتكر المقاعد بكل انتماءاتها ومرجعياتها السياسية.
مثلما فرض وليد جنبلاط دائرته الإنتخابية كأكبر دائرة في لبنان، يحـق لها من الإمتيازات ما لا يحـق لغيرها وتتحكَّمُ بها قـوةٌ واحدة طاغية، هكذا فرض لائحته الإنتخابية في الشوف فاقـتطع حصة الأسد – مع أنه لا يحب الأسود – وترك البقية الباقية للآخرين جميعاً على أساس أن القليل أفضل من الحرمان.
من خصائص وليد جنبلاط، أنه يعرف كيف يحمل السلاح في الحرب وكيف يحارب في السلم بسلاح خصومه، فيما خصومه يتحاربون بسلاحه وسلاحهم، حتى وإنْ حدَثَتْ أعجوبة تفاهم «معراب» فقد بدا هذا التفاهم أنـه يخطىء دائماً في القواعـد والإعراب، كمثل تيار المستقبل الذي لا يزال يعيش في الماضي.
وفي الحرب كما في السلم، يعرف وليد جنبلاط كيف يختار المتاريس، حين رفع بـيرق المصالحة في الجبل أمام موكب البطريرك نصرالله صفير لقطع الطريق على مزايدة الأحزاب والذين ينتسبون الى المهجّر الأكبر الذي إسمه مار مارون، مثلما كان اختيار الأستاذ ناجي البستاني متراساً ملغوماً بالرغم مما يجمع من علائق تاريخية بين قصر المختارة وآل البستاني في دير القمر.
ولكنّ الموضوع يتخطّى الإقتراع على ثياب الجبل المسيحي، الى معالجة الرواسب التي خلّفها التهجير بكل انفعالاتها الماضية وتفاعلاتها المستقبلية الغامضة، ويدرك وليد بك، أن الجبل لا يمكن أن يستعيد حيويته الحياتية، إلا بالمشاركة المسيحية الفاعلة والمتوازنة، التي لا تقوم على قاعدة القوة هي الحق وليس الحق هو القوة، أو على قاعدة الملك هنري الثامن الذي يدّعي أن الملوك الإنكليز لهم الحق في تاج فرنسا.
ولأن ذلك الإقتلاع الجارف للمسيحيين من الجبل لا يزال محفوراً في الذاكرة، فهر يحتاج الى علاج عملي ونفسي وميداني وإنساني وسياسي واجتماعي وأكاد أقول تنازلي، لا الى التلويح بقميص البطريرك صفير، ولا الى تكرار المتاريس الملغومة في دير القمر.