هيام القصيفي – الاخبار
تشكل الاستفاقة السعودية بعد فترة انكفاء عن أداء دور مؤثّر في منطقة الشرق الأوسط، أحد العوامل الأساسية التي يرصدها سياسيون في لبنان، تزامناً مع خلط الأوراق في الدبلوماسية الاميركية
لم تكن إقالة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون تحتاج إلى كثير من التحليلات السياسية والإعلامية، كون الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه كان واضحاً في تحديد أسباب الخلاف بينهما. فعدّد جملة ملفات كان من الصعب عليهما الاتفاق عليها، ما يعنينا منها نقل السفارة الأميركية الى القدس والملف النووي الإيراني. وكلا الملفين يضغطان على لبنان، الغارق حتى العظم في التحضير للانتخابات النيابية.
تتتالى الأحداث في الشرق الأوسط، الذي يغلي منذ بداية العام الحالي، وتتهيّأ المنطقة لمزيد من التطورات في الأسابيع المقبلة، ويعود الدور الأميركي الى الواجهة، بعد مرحلة انحسار شبه كاملة، ومعه الدور السعودي وخلفه الإماراتي. لا شك أن الأشهر الماضية، وخصوصاً بعد انحسار الرقعة الجغرافية لتنظيم الدولة الإسلامية، أبقت تركيا وإيران وروسيا في مقدم الحدث الإقليمي. وما تشهده سوريا أخيراً من تطورات عسكرية في الغوطة، أضاف الى الدول الثلاث حضوراً متنامياً أكثر فأكثر.
على تماس مع هذه الدول الثلاث، سجلت السعودية تراجعاً في حضورها الإقليمي، بعدما كانت قد ساهمت في تأدية دور أساسي في الحرب السورية منذ بدايتها، توازياً مع حضورها الفاعل في لبنان وتحديداً في الأعوام الأخيرة، علماً بأنها بقيت تواجه تراجعاً في دورها الدولي، وخصوصاً في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما. وهنا تكمن أهمية النقلة التي شهدتها دولياً وأميركياً تحديداً مع انتخاب الرئيس دونالد ترامب وزيارته اللافتة للانتباه إليها.
ومع صعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان، حاولت الرياض إقامة توازن بين تفعيل دورها أميركياً وبدء مرحلة التغيير الداخلي، مع حملة التوقيفات لأمراء ومسؤولين على أساس عنوان وحيد هو مكافحة الفساد، واستدعاء الرئيس سعد الحريري الى السعودية وإعلانه استقالته من الحكومة، وتنشيط دور المملكة في دول الخليج والمنطقة.
لكن الخطوات السعودية الإقليمية بقيادة ولي العهد لم ترُق كثيراً الخارجية الأميركية بقيادة تيلرسون، الذي وجّه لها علانية نصائح عدة بالتروي والتفكير ملياً بخطواتها. وظهر أكثر من مرة حجم الخلاف في النظرة الى الدور الإيراني في المنطقة، انطلاقاً من مقاربتين مختلفتين للملف النووي والعقوبات على إيران. لذا لا يمكن تجاهل التوقيت الذي أقيل فيه وزير الخارجية، لأسباب تتعلق بملفات دولية كملف كوريا الشمالية العالق بين الرئيس الأميركي وتيلرسون، لكن أيضاً بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقبل اللقاء المرتقب في واشنطن بين ترامب وولي العهد السعودي. والأخير لم يفوت الفرصة للظهور عبر الإعلام الأميركي التلفزيوني بعد سنوات من الانقطاع عنه للتصويب مباشرة على الملف النووي وتلميحه إلى نية السعودية امتلاك قنبلة نووية إذا فعلت إيران ذلك، وانتقاده دورها التوسعي في المنطقة. وهو هنا يرسم عنواناً عريضاً لمستقبل العلاقة مع إيران ودور المملكة في الشرق الأوسط، كما رسم في مقابلته في تشرين الثاني الماضي مع صحيفة «نيويورك تايمز» مستقبل السعودية داخلياً واقتصادياً واجتماعياً.
وإذا كان الموقف الإسرائيلي من تعيين رئيس الاستخبارات الأميركية مارك بومبيو مكان تيلرسون موضع ترحيب، فإن مجرد رحيل وزير الخارجية يشكل انتصاراً للسعودية، علماً بأن الوزير الجديد التقى بصفته رئيساً للاستخبارات، في نهاية العام الماضي، الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، بعدما كان قد نُقل عنه كلام غير رسمي في اجتماع أمني أن التنسيق بين الرياض وتل أبيب في مجال مكافحة الإرهاب أصبح أمراً واقعاً.
تستفيد السعودية في الوقت الراهن من جملة معطيات دولية لإعادة ترتيب أولوياتها وتحدد مجدداً خطواتها في المنطقة، بالهدف ذاته ولكن بأسلوب أكثر دبلوماسية، بعد تلقيها سلسلة نصائح أميركية، وخصوصاً لجهة ضبط الوضع الداخلي وعدم الاستهانة بردود فعل، في دوائر الهيئات الدينية والمحافظة، إضافة الى الأوساط المالية والاقتصادية، على أسلوب العهد وطريقته في معالجة قضايا داخلية حساسة.
وإذا كان لبنان قد تلمس متغيرات في شكل مقاربة السعودية لملفات تعنيها، منذ زيارة الحريري الثانية لها، إلا أن القلق هو في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين الأحداث المتسارعة، أميركياً ودولياً تجاه إيران، متوازياً مع تفاقم التوتر الروسي مع دول الغرب، والكلام عن الدعم الدولي لاستقرار لبنان، أمنياً وسياسياً. فمن رافق لبنانياً مرحلة صعود الجمهوريين بقيادة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورؤيته لمنطقة الشرق الأوسط، استعاد بقلق تلك المرحلة، مع إطاحة تيلرسون، وتوقع جملة خطوات أميركية يفترض أن تظهر تباعاً. ما دام ترامب الذي سّرب أكثر من مرة نيته إقالة وزير خارجيته، وكان الأخير يحرص دوماً على نفي رحيله المبكر، وصل أخيراً الى هدفه. ما يفترض أنه سائر في خطته المتشددة تجاه إيران ودور حزب الله، واستطراداً مقاربة الوضع السوري بخلاف السياسة المعمول بها حتى الآن، وانفتاحه غير المشروط على السعودية، وتبنيه الخطاب الإسرائيلي في أكثر من نقطة تتعلق بالشرق الأوسط. والتناغم الاميركي ــ السعودي – الإسرائيلي تجاه ملف إيران ودورها في المنطقة، يجعل من الصعب القفز فوق كل ذلك من دون أسباب موجبة للقلق.