أموال المودعين لم تتبخر... وهذا ما يفعله مصرف لبنان عند إفلاس مصرف ما

أموال المودعين لم تتبخر... وهذا ما يفعله مصرف لبنان عند إفلاس مصرف ما
أموال المودعين لم تتبخر... وهذا ما يفعله مصرف لبنان عند إفلاس مصرف ما

حالة الهلع التي يعيشها اللبنانيون من جرّاء الإخفاقات السياسية المتتالية دفعت بهم إلى التهافت على المصارف لسحب ودائعهم، مليارات الدولارات سُحبت في أشهر قليلة، لم ينفقها أصحابها بشراء عقارات وما شابه، وبالتالي لم تعد هذه الأموال إلى السوق بل احتُجزت في المنازل أو حوُّلت إلى الخارج، بالمقابل عمدت المصارف إلى أكبر عملية تقييد على السحوبات بشكل غير مقونن، ووصل بها الأمر إلى حدّ تقسيط رواتب اللبنانيين، فحصلت سجالات عنيفة بينها وبين زبائنها لم تنفع معها الحماية الأمنية.

وعلى وقع الإشاعات حول إفلاس مصارف ارتفع منسوب الخوف لدى المودعين وتزعزعت ثقتهم بالقطاع المصرفي أكثر فأكثر، وبات السؤال عن مصير أموالهم وجنى أعمارهم شغلهم الشاغل. فما هو مصير ودائع اللبنانيين؟ هل تبخرت؟ وفي حال أعلن مصرف ما إفلاسه، هل يستطيع مصرف لبنان أن يضمن للمودعين أموالهم؟

الخبير المالي والمصرفي ومستشار اتحاد المصارف العربية بهيج الخطيب أكّد في حديث لـ "لبنان 24" أن لا خوف على الودائع، موضحًا أنّ المشكلة الحالية في القطاع المصرفي ليست مشكلة ملاءمة بل أزمة سيولة، "فالمصارف لديها أصول وممتلكات تستطيع من خلالها تغطية كل إلتزاماتها، ولكن في الحالة الراهنة التي نعيشها يسيطر الهلع وينعكس تهافتًا من قبل المودعين على المصارف بهدف سحب أموالهم وإيداعها في المنازل أو تحويلها إلى الخارج. من هنا نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا تقنين السحوبات وتحديدها، وهو ما يعرف بكابيتال كونترول، أو الذهاب نحو الإفلاس، وأيّ خيار هو الأفضل للمودع، إفلاس المصارف أو تقنين السحب بما يلبي الحاجات الضرورية في الوقت الحاضر لتمرير الأزمة؟"

الخطيب يضيف "لا ألوم الناس، ولكن في الوقت نفسه يجب أن تدرك الناس أنّ السحب المعقول لتغطية حاجاتها فقط وليس للتخزين، يخدم مصالحها وأموالها المودعة، ولا يجب أن تساهم بدمار القطاع المصرفي من خلال الهلع، إذ لا يمكن لأيّ مصرف في العالم مهما بلغت قوّته أن يتحمل ضغوطات مماثلة ".

في الآونة الأخيرة أقرّت لجنة المال الموازنة من ضمن مشروع الموازنة اقتراحًا لضمان أموال المودعين، ولكنّ الإقتراح لم يصبح قانونًا، وينتظر إقرار الموازنة في الهيئة العامة، وهو أمر غير معروف في ظلّ الأوضاع السياسية المتأزمة. في القانون الحالي 110/1991 المؤسسة الوطنية لضمان الودائع تضمن الودائع بمبلغ 5 ملايين ليرة، واستنادًا إلى مقاربة الخطيب "كان يجب على السلطة التشريعية أو على مؤسسة ضمان الودائع أن تبادر بنفسها  إلى طرح مشروع قانون لرفع قيمة ضمان الودائع إلى حدود 100 مليون ليرة، وهذا ما كان يجب فعله منذ زمن".

الخطيب استذكر مرحلة سابقة عندما ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى 2800 ليرة في تشرين الأول من عام 1992 "كنت شاهدّا على تلك المرحلة من خلال عملي في مصرف لبنان في حينه، وبعدها انخفض سعر الصرف تدريجيًّا مع استلام الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة وتبوء رياض سلامة منصب حاكم مصرف لبنان، بحيث تراجع سعر الصرف ليستقر على 1500 في إطار سياسة الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية".

بالأمس أحدهم عمد إلى تسويق شائعة إفلاس أحد المصارف، فانتشرت بسرعة كبيرة، سرعان ما تمّ نفيها. ولكن ماذا لو أعلن مصرف لبناني إفلاسه فعلًا ؟ هل يتمكن مصرف لبنان في هذه الحالة من حماية أموال المودعين من خلال احتياطه الإلزامي؟

برأي الخطيب، لغاية اليوم لدى مصرف لبنان القدرة على ذلك من خلال احتياطاته بشكل عام وليس من خلال الإحتياطي الإلزامي فقط. ولكن الواقعية تفترض مقاربة أشمل لاسيّما وأنّ حجم الودائع يختلف من مصرف إلى آخر، وذلك بحسب حجم المصرف، على سبيل المثال "جمال ترست" بنك كان لديه 900 مليون دولار، هناك مصارف كبنك عودة لديها 33 مليارا، بالتالي الفرق كبير، وفي هذه الحالة يتوقف الأمر على حجم الودائع في المصرف. أضاف الخطيب: في مثل هذه الحالة يضع مصرف لبنان يده على المصرف كما حصل منذ أيام الرئيس إلياس سركيس عندما كان يشغل منصب حاكم المصرف المركزي، حيث تمّ وضع اليد على أكثر من 25 بنكا في حينه، وهذا الأمر يعني وضع اليد على مطلوبات وموجودات المصرف، والموجودات عادة ما تكون جيدة، أصوله وممتلكاته قابلة للتسييل، وبالتالي لا يلجأ المصرف المركزي إلى عرض الممتلكات في المزاد العلني بحيث تنخفض قيمتها من 100% لتصل إلى 40 أو 20 %، بل يحتفظ بها ويبدأ ببيعها تدريجيًا ويحقق نوعًا من التوازن".

الخطيب يختم "لا أرى سيناريو إفلاس، ومصرف لبنان رغم كل الظروف ما زال قادرًا على المحافظة على سعر صرف الليرة وفق السعر الرسمي. ولكن الوضع مرتبط بالقادم من الأيام في المشهدية السياسية، فإذا ما تشكّلت حكومة توحي بالثقة وبدأت العمل على استعادة الثقة ووضعت برنامجًا اقتصاديا متكاملًا منطقيًا وفرضت اجراءاتً غير شعبية، وبدأ المسؤولون بأنفسهم قبل طلب المساعدة من الغير عندها تُستعاد الثقة والإستقرار ونتجاوز الأزمة".

بالمحصّلة الأزمة السياسية تنعكس أزمات مالية واقتصادية، وفي مكان ما يبدو أنّ القيّمين على إدارة شؤون البلد يعمدون إلى تحويل الأنظار عنهم وعن فشلهم وفسادهم وعن تداعيات زجّ لبنان في الصراعات الدولية، والتي أنتجت عزلة وعقوبات، لإلقاء المسؤولية كاملة على السياسة المالية والنقدية وتحميلها وحدها تبعات الأزمة. 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى