لا يتمنى أحد للحظة أن يدركه أي نوع من الأمراض أو الأوبئة. شعوره هذا نابع من خوف أصيل في الإنسان على حياته أولاً ثم على جماعته الواسعة، من عائلة وعشيرة وطائفة ووطن. لكن بما أننا جغرافياً لسنا جزيرة معزولة، وجزء صغير من القرية الكونية، فإننا معرضون لكل ما يصيب باقي بلاد العالم.
هكذا وصل فايروس كورونا إلى بلادنا. لكن يظهر أن دخول هذا الفايروس العالمي إلى لبنان، لم يتعاط معه بعضنا بمنطق الوباء وكيفية مواجهته. إذ أصبح فاتحة لحرب كلامية بين أبناء البلد الواحد، كاشفة لنا قبل سوانا من الأمم، عن ضحالة في الثقافة السياسية وروح التضامن الإجتماعي.
وللمفارقة، يظهر أن اللبنانيين نجحوا في لبننة كورونا، فمهدوا الطريق إلى تراشق وسباب واتهامات تنهل من معين الزجل السياسي اللبناني المعتاد. فصرنا نرى، بقدرة قادر، كلمة كورونا مقرونة بأسماء علم وبلاد، كحزب الله والشيعة وإيران والسعودية وأميركا وغيرها.
لو قدّر لصيني أو أميركي أن يقع على هذا النمط من التعاطي مع كورونا في بلادنا، سيفهم جيداً أننا شعوب لا تقيم وزناً لغير ما يدغدغ عواطفهم الطائفية.
ولعل اللوم على القناة اللبنانية التي أثارت مقدمتها الاستنكار وحفلة الشجب والشجب المضاد، إنما تستقي سلوكها من ثقافة سياسية شعبية قبل ان تكون إعلامية. فهي تعلم جيداً ان ما افصحت عنه يحاكي آراء شريحة لا بأس بها من اللبنانيين، وليس اجتهاداً من كاتب المقدمة الاخبارية فحسب. والدليل على ذلك ما يمكن رؤيته بوضوح على مواقع التواصل.
فهل بهذه العقلية نواجه وباء؟
الجواب القاطع هو بالنفي. في بلاد كالصين حيث الكثير من الاثنيات والثقافات، وكذلك في دول أخرى، يتم التعاطي مع الأمر كتهديد للروح البشرية وتالياً السعي لإيجاد لقاحات تضع حداً للفايروس الذي ينهش يومياً ارواحاً جديدة.
لكننا بدلاً من القيام بحملة توعية شعبية بالتعاون مع السلطات في بلد مأزوم مالياً، نتلهى عن حماية أرواحنا وأرواح أطفالنا، بالغرق في الإتهامات المتبادلة. كأن كورونا وغداً غيره من الأوبئة، ينتظر معنا تحسن أحوالنا وتحولنا إلى أناس يتمتعون بحس المواطنة السليمة بعد سنوات.
ما جرى خطير جداً، ولا يبشر بالخير في بلد تدل كل المؤشرات إلى أننا ذاهبون إلى أزمات مالية كبيرة سيصاحبها عنف لا يقل شدّة. إذ ورغم عدم تسجيل حالة وفاة واحدة من بين ركاب الطائرة اللبنانية الوافدة من إيران، أقحمنا كورونا في زواريب الخلاف اللبناني ورواياته الضحلة. ترى ماذا سنفعل عندما نجوع فعلاً؟ هل سنقتص ممن جوعنا؟ أم ننهش أجساد بعضنا البعض لأن الجوع المسيحي غير المسلم، والجوع السني غير الشيعي؟.