بالقرن الماضي، عاش العالم بداية من عام 1918 ولحدود صيف 1919 على وقع انتشار جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي جاءت لتصيب 500 مليون شخص عبر العالم، وتتسبب في وفاة حوالي 50 مليونا. وبالولايات المتحدة الأميركية لوحدها، قتلت هذه الجائحة ما يزيد عن 600 ألف شخص فارق جلهم الحياة خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 1918 الذي سجّل 200 ألف حالة وفاة مرتبطة بالإنفلونزا الإسبانية.
وتماما كبقية الأمراض والأوبئة على مر التاريخ، رافق العديد من نظريات المؤامرة والمعتقدات الخاطئة هذه الجائحة. فإضافة للتسمية التي نسبت بشكل خاطئ الجائحة لإسبانيا، ظهرت بين البشر نظريات أخرى غريبة اندثرت بمرور السنين.
لقاحات وفيروس خارق ونهاية العالم
خلال فترة انتشار الجائحة بالولايات المتحدة الأميركية، تحدّث عدد من الأميركيين عن عدم وجود فيروس مسبب للمرض، وربطوا الأمر بدلا من ذلك بحالات تسمم جراء جرعات من اللقاحات. أيضا، أشار المؤمنون بهذه النظرية، بشكل خاطئ، لانتشار المرض وارتفاع أعداد الوفيات في صفوف الجنود مقارنة بالمدنيين، وفسّروا ذلك بإجبارية حصول الجنود على هذه اللقاحات مقارنة بإمكانية امتناع المدنيين عن ذلك ورفضهم لها.
من جهة ثانية، روّج آخرون لفكرة الفيروس الخارق وقرب نهاية العالم وزوال البشرية، معللين ذلك بارتفاع أعداد الإصابات والوفيات.
في حقيقة الأمر، كان معدل الإصابات بالولايات المتحدة الأميركية مرتفعا، بسبب اكتظاظ الثكنات العسكرية بالجنود وتجاهل العديد من الولايات لإجراءات التباعد وتنظيمها لمهرجانات تزاحم، ولعل أبرز مثال على ذلك مدينة فيلادلفيا التي نظمت مهرجانا يوم 28 أيلول/سبتمبر 1918 حضره نحو 200 ألف شخص. وفيما يخص ارتفاع أعداد الوفيات فقد ربط العديد من المؤرخين بينها وبين تراجع الحصص الغذائية للمواطنين وتدهور القطاع الصحي بسبب الحرب المستعرة على الساحة الأوروبية حيث خصصت النسبة الأهم والأفضل من الغذاء والدواء لدعم مجهودات الحرب وتوفير أفضل الظروف للجنود الأميركيين.
من جانب آخر، قدّم بعض الأميركيين معلومات أخرى خاطئة نشرت الذعر في صفوف الجميع فتحدّثوا عن وفاة كل من يصاب بالإنفلونزا الإسبانية وهو الأمر الذي كان عاريا من الصحة. فعلى الصعيد العالمي بلغ عدد الإصابات بالإنفلونزا الإسبانية 500 مليون إصابة فارق منهم نحو 50 مليونا، أي 10 بالمئة، الحياة.
ألمان وموجات أخرى قاتلة
وبينما وجّه البعض أصابع الاتهام، بشكل خاطئ، للألمان واتهموهم بنشر المرض بالولايات المتحدة الأميركية والعالم، تحدّث عدد من الأميركيين عن زوال الخطر ورحيل المرض مع نهاية الموجة الأولى مؤكدين أن الموجات التالية ستكون أخف وأضعف بكثير. لكن بحلول خريف عام 1918، جاءت الموجة الثانية لتضع حدا لكل هذه التصورات، حيث كانت أشد من الأولى وتسببت في وفاة 200 ألف أميركي بشهر واحد. فضلا عن ذلك، عاش العالم لاحقا على وقع موجة ثالثة كانت أشد من الأولى فصنّفت بذلك الموجة الأولى كأخف وأضعف موجة.
الفيروس ينهي الحرب العالمية وإمكانية ظهوره اليوم
يؤمن كثيرون بشكل خاطئ بتأثير الإنفلونزا الإسبانية على مجرى الحرب العالمية الأولى وهدنة 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918. إلا أن هذه المعلومة عارية من الصحة حيث أضرت الإنفلونزا الإسبانية بجميع الأطراف المشاركة بهذا النزاع العالمي وتسببت في وفاة العديد من الجنود.
فضلا عن ذلك، ساهمت حركة تنقل القوات وتزاحمهم في ظهور أنواع جديدة من الفيروسات كانت أكثر فتكا من تلك المسجلة مع بداية ظهور الجائحة. من جهة أخرى، يروج البعض بشكل خاطئ لعدم قدرة الإنسانية على مواجهة إمكانية ظهور الإنفلونزا الإسبانية مرة أخرى بالفترة الحالية. سوى أن القدرات الطبية للإنسان قد تطورت ما بين القرنين العشرين والحادي والعشرين حيث عرف البشر ظهور أدوية لم تكن موجودة عام 1918 مثل المضادات الحيوية واللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات وهو ما يجعل خطر الإنفلونزا الإسبانية اليوم ضئيلا.
أخبار متعلقة :