منذ أن أيده الطبيب الفرنسي الشهير، ديدييه راوول، لا يزال عقار هيدروكسي كلوروكين يثير الجدل، مروراً بتصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أنه يأخذه بشكل يومي، ومروراً بدراسة حذرت من أنه يرفع خطر الوفاة وصولاً إلى أخرى صدرت في الأول من مايو الماضي، وشكك معدوها نفسهم في نتائجها الثلاثاء.
الدراسة الأولى نشرتها مجلة "لانسيت" الشهيرة، فيما الأخرى صدرت عن "نيو إنغلاند الطبية" المرموقة أيضاً.
قلق ومخاوف
فالثلاثاء، أصدرت مجلة "نيو إنغلاند الطبية"، "تعبيراً عن القلق" وفق الصيغة الحرفية لما قالته عن دراسة نشرتها في 1 أيار/مايو، تشير إلى أن أدوية ضغط الدم المستخدمة على نطاق واسع في العالم، وفي أميركا تحديداً، لا ترفع من خطر الوفاة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من كوفيد-19.
الدراسة كانت اعتمدت على قاعدة بيانات تستقي من السجلات الصحية من مئات المستشفيات حول العالم. لكن المحررين قالوا إن "مخاوف جوهرية" أثيرت حول المعلومات، وطلبت المجلة من المؤلفين تقديم أدلة على أن نتائجهم موثوقة.
الرابط بين دراسة "ضغط الدم" التي أعدتها Chicago Surgisphere Corp وشملت مراقبة لحوالي 100 ألف مريض والدراسة التي نُشرت في "لانسيت" هو أن الاثنتين استخدمتا نفس قاعدة البيانات. الأخيرة منهما ربطت عقاقير الملاريا هيدروكسي كلوروكين والكلوروكين بارتفاع خطر الوفاة لدى المرضى المصابين بالفيروس في المستشفى.
على خطى الأولى، أصدرت مجلة "لانسيت" "تعبيراً عن القلق" مماثلاً بشأن دراستها، قائلة إنها تدرك أن "تساؤلات علمية مهمة" قد أثيرت.
وبالرغم من أنها لم تكن تجربة صارمة يمكن أن تعطي إجابات نهائية، إلا أن دراسة "لانسيت" كان لها تأثير واسع بسبب حجمها.
من آثار الدراسة، كان أن أوقفت منظمة الصحة العالمية مؤقتاً تجارب هيدروكسي كلوروكين وتوقفت فرنسا عن السماح باستخدامه في المستشفيات، ودول أخرى، إلا أن بعض الدول أصرت على مواصلة استخدامه قائلة إنه يعطي نتيجة حسنة ولا حاجة لإيقافه.
ولم تغيّر "لانسيت" نتائجها رغم الإشارة إلى "تناقض" من جانب معدي دراسة "نيو إنغلاند".
موقع Surgisphere شدد على فكرة أن "ما قدمته السجلات الصحية الإلكترونية ليس بديلاً عن التجارب الصارمة لاختبار دواء".
مجلة "ساينس" العلمية المرموقة، تقول إن "لانسيت" استخدمت في دراستها التي نُشرت في 22 أيار/مايو سجلات المستشفيات التي اشترتها شركة تحليلات بيانات غير معروفة تُدعى Surgisphere لاستنتاج أن مرضى الفيروسات التاجية الذين يتناولون الكلوروكين أو هيدروكسي كلوروكين كانوا أكثر عرضة لضربات القلب غير المنتظم - وهي أحد الآثار الجانبية المعروفة التي يُعتقد أنها نادرة - وكانوا أكثر عرضة للوفاة في المستشفى.
ووفق "ساينس"، فإن الأسئلة المهمة التي تحدق بدراسة "لانسيت" هو عدد المرضى المشاركين وتفاصيل التركيبة السكانية الخاصة بهم والجرعات الموصوفة التي تبدو غير قابلة للتصديق.
بيانات Surgisphere فتحت النار أيضاً على دراسة ثالثة أوصت بناء على تلك البيانات باستخدام مضاد الطفيليات الإيفرمكتين علاجاً لكوفيد-19.
ففي أميركا اللاتينية، حيث يتوفر الإيفرمكتين على نطاق واسع، أدت هذه الدراسة إلى قيام المسؤولين الحكوميين بترخيص الدواء مما أسفر عن زيادة الطلب في العديد من البلدان.
"عدم إفشاء الأسرار"
إلى ذلك لم تنشر شركة Surgisphere ومقرها شيكاغو علناً البيانات التي تستند إليها الدراسات بسبب موضوع "عدم إفشاء الأسرار" المعروف في مجالات كهذه، لكن متحدثاً باسم الشركة قال إنه يرتب لتفاهم مع مجلة "نيو إنغلاند" بشأن الموضوع.
أما "لانسيت" فوصفت دراستها تحليلاً لبيانات السجلات الصحية الإلكترونية المقدمة من Surgisphere من المرضى الذين عولجوا بالفعل لكوفيد-19 في 671 مستشفى بست قارات.
ووفقاً للانسيت، فقد تضمّن التحليل ما يقرب من 15000 مريض وُصف لهم كلوروكين أو هيدروكسي كلوروكين منفرداً أو مترافقاً مع مضادات حيوية أخرى تم اقتراحها لدعم العلاج.
تفصيلاً للأسئلة المهمة المثارة حول "لانسيت"، أربكت البيانات نفسها الباحثين، فعلى الرغم من أن 66% من المرضى تم علاجهم في أميركا الشمالية، إلا أن الجرعات المبلغ عنها تميل إلى أن تكون أعلى من المبادئ التوجيهية التي وضعتها إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
وبينما يقول المؤلفون إنهم شملوا 4402 مريضاً في إفريقيا، توفي 561 منهم، يبدو من غير المحتمل أن يكون لدى المستشفيات الإفريقية سجلات صحية إلكترونية مفصلة.
وذكرت الدراسة أيضاً أن عدد الوفيات في المستشفيات الأسترالية يفوق عدد إحصاءات وفيات كوفيد-19 الرسمية في البلاد.
عير أن "لانسيت" لم تنشر تحديثاً لنتائجها رغم أنها في 29 أيار/مايو أقرت بالخطأ.
مؤخراً، وجّه باحثون رسالة مفتوحة إلى مجلة "نيو إنغلاند" تشير الرسالة إلى وجود تباين بين العدد القليل من المستشفيات في كل دولة والتي تم الإبلاغ عن مشاركتها لبيانات المرضى مع Surgisphere والنسبة العالية من حالات كوفيد-19 المؤكدة في تلك البلدان التي تم الإبلاغ عنها في الدراسة، باختصار ثمة أرقام متناقضة.
كما تنبّه الرسالة إلى عدم تناسق الزيادات المبلغ عنها في خطر وفاة كوفيد-19 مع زيادة عمر المشاركين.
مجلة "ساينس" أثارت قضية أخرى مهمة، وهي أن الصفحة الرسمية لـSurgisphere لا يحدد أي من المستشفيات الشريكة بالاسم أو يحدد مجلسه الاستشاري العلمي.
شكوك حول "مؤامرة"
يتساءل كارلوس شكور من معهد الصحة العالمية في برشلونة: "كيف تمكنت هذه الشركة الصغيرة من التوصل إلى اتفاقيات لتبادل البيانات مع مئات المستشفيات حول العالم التي تستخدم العديد من اللغات المختلفة وأنظمة تسجيل البيانات؟".
قبل هذا الإقرار بشأن مراجعة البيانات التي اعتمدت عليها 3 دراسات، سخر عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي، ديدييه راوول، من الدراسة، واصفاً المؤلفين بأنهم "غير أكفاء".
باستمرار، تثار على وسائل التواصل الاجتماعي، شكوك حول "مؤامرة" ضد هيدروكسي كلوروكين، حيث يقول البعض إن شركات عملاقة معنية باختراع دواء جديد لتسويقه بدلاً من هذا الدواء الرخيص المتوفر.
كما يقول ميغيل هيرنان، عالم الأوبئة والأستاذ المشارك بجامعة هارفارد والمحقق المشارك في تجربة جارية لهيدروكسي كلوروكين، إن العقار معروف منذ عقود، "الأمر ليس كما لو أننا لا نعرف شيئاً عن سلامته".
أخبار متعلقة :