كتب الطعام والطبيخ، في التراث العربي والإسلامي، كثيرة، وكتبت في أزمان مختلفة، وتضمنت أسماء أنواع من الأكل، وطرق التحضير، مشتملة على أنواع العصائر والحلويات وأنواع الطعام المخصص للمرضى المصابين بأمراض معينة، وكذلك أكد بعض هذه الكتب على ضرورة الالتزام بمعايير النظافة وتجهيز قدور الطهي، قبل البدء به.
إلا أن آداب تناول الطعام، فهي إلى جانب كتب تناوله، تقف معه حداً بحد، وجميعها تشير إلى سلوك غير مستحب أو مكروه أو ما يعتبر عيباً، في طرق تناول الطعام أو المؤاكلة.
وعلى الرغم من تعدد الكتب العربية التي وضعت منذ قرون، في هذا السياق، ككتاب (نظم آداب الأكل) لأبي قشير عبد الله بن سعيد، من علماء القرن العاشر الهجري، وغيره ككتاب (آداب الأكل) للأنباني، إلا أن كتاب (آداب المواكلة) للغزّي، محمد بن محمد الغزي العامري الدمشقي، 904-984 للهجرة، أحصى واحداً وثمانين "عيباً" كما سمّاها، في طرق تناول الطعام أو المؤاكلة عموماً، شرح كل واحدة منها، على حدة، راجعاً في بعض الأحيان، إلى الأصل المعجمي للكلمة، ونقل ما تفرّق في الكتب التي سبقته، من عيوب، أو ما أشير إليه كمكروه في سلوك تناول الطعام، خاصة مع وجود ضيف.
حكّ الرأس أو البدن قبل الطعام
يبدأ الغزي، بعيب، هو حكّ الجسم أو الرأس، قبل تناول الطعام، ويسمي صاحب هذا العيب "الحكَّاك" ويورد حادثة عن الخليفة العباسي المأمون، أمر فيها، ضيفه، بغسل يديه مرتين، بعدما حكّ رأسه، مرة، ثم لمس لحيته، مرة ثانية.
أمّا "الزاحف" وهو أحد فاعلي عيب من عيوب تناول الطعام، فهو الذي يسارع إلى الجلوس على المائدة، قبل غيره، فيزحف ليسبق البقية، مع أن الطعام لم يكن قد قدِّم كله، بإشارة الغزي الذي أضاف أن ربّ المنزل، قد يكون مترقباً وصول ضيف آخر، وقد يصل والمائدة قد أُحيطت بغيره.
ولرب المنزل، المضيف، عيوبه في الطعام، هو الآخر، فمنهم من يجوِّع ضيوفه قبل تقديم الطعام لهم، وبهذا يكون اسمه "المُجوِّع".
هو يأكل اللحم فيما العظام في طبقك أنت!
وهناك فئة من الأكلة، يطرحون بقايا ما يأكلونه، بجانب ضيف آخر، حتى ليبدو كما لو أنه هو الذي أتى على ذلك الطعام، ويسميه الغزي بـ"المُشنِّع" الذي اكتسب تلك الصفة، من كونه يفعل ذلك، كي يشنّع على زميله بكثرة الأكل.
ولعشاق الطعام شديد السخونة، أن يتمهّلوا قليلا قبل تناوله، كيلا تدمع عيونهم إثر دخول اللقم الساخنة إلى أفواههم، فيدمعون لشدة حرارتها.
وفاعل هذا النوع، يسمّيه الغزّي بـ"المدمِّع" وهو من العيوب.
وينصح الغزي بمضغ اللقمة قبل ابتلاعها جيداً، لأن من لا يفعل ذلك، فقد تكون لديه إحدى علامات الشره والنَّهَم، كما يقول، والفاعل لذلك العيب، اسمه "المُبلِّغ".
أمّا الذي يعيد تغميس اللقمة التي سبق وقطعها في فمه، فهو "المقطِّع". ويوضح أن البعض يستكبر لقمة كانت بيده، فيعضّ على نصفها، ثم يعاود غمس النصف الآخر في الطعام ويأكله.
صوت مضغه يُسمَع من باب بيته!
وهناك من لا يصبر على بلع اللقمة، فيتكلّم وهي في فمه، ويسمّيه "المُبَعبِع". أمّا مرتكب عيب مضغ الطعام، دون إطباق الشفتين، فهو "المُفرقِع" الذي "يسمَع لأشداقه صوتٌ من باب بيته! والأدب أن لا يسمعه الأقرب إليه" يفنّد الغزي.
الدَّفّاعُ، هو ذلك الذي يدفع باللقمة إلى فمه، مدخلاً معها، سبابته للدفع بها. ومثله النّفّاخ، وهو الذي ينفخ على اللقمة، لتشتيت حرارتها، فيما الأفضل "الكفّ عن الطعام، إلى أن يمكنه تناوله" يقول المصنف الذي يوضح أن "المُقزِّز" وهو الذي يأتي بأحاديث مقززة لضيوفه، وهم يتناولون الطعام.
المستبدّ والملعقة!
وسنرى للمستبدّ، صفة غير ما هي الآن، من إشارة في السياسة والقادة، فالمستبد، هو الذي "يستبدّ بالملعقة دون مؤاكليه أو بغيرها مما يجري هذا المجرى".
وهناك "الجَمَليّ" وهو ذاك الذي يتفادى تنقيط المرق على ثوبه، فيمد "رقبته ويتطاول إلى قدَّام كالجَمل". وهناك عيب مثير للضحك، تبعاً لتفاصيل الغزي، يسمي مرتكبه بـ"المشْغِل" وهو الذي يحتجز رغيفاً ليمنع غيره من مشاركته بالأكل، فإذا رأى الخبز قد نقص، يقول الغزي، أسرعَ في البلع، ولو كاد يغصّ!
ومن عيوب تناول الطعام، تقطيع الخبز لقماً في اليد، وهو ينتمي إلى النهم، ويسمى صاحبه "الناثر" لأنه ينثر الخبز، وهي تشبه ما يحصل مع "المُسابِق" الذي يمسك لقمة في يده، يعدّها للأكل، فيما لا يزال يمضغ أخرى في فمه، يشاركهما "الصامت" الذي لشدة نهمه، لا يتكلّم ولا ينبس ببنت شفة، بل يطرق على الطعام، وحده.
المحتال والمختلس والموهِم
البحّاثُ، هو مرتكب عيب التحرّي والبحث، عن نوعية الأكل الذي قدم إليه، فيمسك الطعام ويفرّقه إلى ما يمكن أن يتسبب بوقوع الضيف بغثيان، بسبب تقليب لقمة أو أكل. أما المحتمي، فهو رب البيت الذي يصغّر اللقم جداً، أو يباعد بالزمن بين اللقمة والأخرى، فهو من الممكن أن يؤثر على حمية ضيوفه، فضلا عن أنهم قد يرون في ذلك، بخلا منه.
المخرِّب، هو الذي يتناول كل ما في يده أو أمامه، كأنما هو وحده الذي يتناول الطعام، ولا أحد يشاركه فيه.
المُرنِّخ، هو الذي يرنخ اللقمة في المرق، حتى تلين، فيما هو يمضغ أخرى. والمملعق، هو الذي يستبدل الملاعق، بقطع خبز "وقلّما يسلم من تلويث ثيابه ولحيته". ومنه: المُنقِّط، والموسِّخ، والمرشش "فيرشش على جلسائه" والَمصّاص، واللفّاف، والمتعدّي، والغصّاص، والبقَّار.
والمُوهِم، هو الذي يمسك اللقمة ببعض أصابعه، بطريقة تخفي استعمال كفّه وجميع أصابع يده، في الحقيقة. فهو يوهِم بغير ما يكون.
والمُحتال، هو ذلك الذي يضع لحماً قدّام شخص إلى جانبه، ويقول له "كُل يا سيدي!" ثم يحتشم الآخر، ويمتنع عن الأكل، فيقوم هو بأكل اللحم: "فهو حيلة على حصول ذلك كلّه". أما المختلس، فهو مختلس اللقم، بطريقة لا توضح الكمية التي أكلها، أو نوع ما أكله.
أخبار متعلقة :