وكأنه مكتوب لملفّ الدواء في لبنان أن يبقى مضطرباً بعد الأزمة التي كانت قد ألمّت به ولم يخرج منها بعد. أما المواطنون بشكل عام والمرضى بشكل خاص، فـ"إيدهن على قلبهن" من عودة شبح انقطاع الدواء في ظلّ وضع غير مستتبّ أصلاً، يحكمه الكارتيلات والسوق السوداء والتهريب غير الشرعي. المستجدّ اليوم هو هجرة مكاتب تمثيلية لشركات الأدوية العالمية من لبنان، فأي تأثير على الواقعين الطبي والدوائي؟
Advertisement
هل الدواء بخطر؟
أوضحت رئيسة تجمّع الشركات العالمية كارول حسّون، أن المكاتب العلمية التي أقفل منها نحو 60% في لبنان، تعنى بالعمل العلمي ولا تتعاطى ببيع وشراء الأدوية، إلا أن المشكلة تكمن في الدور الأساسي الذي تلعبه على صعيد الدراسات السريرية العالمية التي تسمح للمريض اللبناني أن يأخذ أحدث العلاجات الفعالة من دون أي مقابل.
وأضافت لـ"لبنان 24"، أن هذه المكاتب تعمل مع المرضى منذ بداية تسجيل الدواء في اميركا وأوروبا وفي طور تسجيله في لبنان، على إتاحته لهم بشكل مجاني، فضلاً عن الإستثمارات العلمية وتطوير القدرات البشرية للأطباء، الممرضين والصيادلة للتأكد من أنهم على بيّنة من أحدث التطورات العلمية العالمية.
وأضافت أن الخوف بعد إقفال المكاتب أبوابها، هو من قدرة الأطباء على مواكبة هذه التطورات في الحقل الطبي ومدى قدرتهم على اختبار طرق العلاج الجديدة في ظل غياب تسجيله ودخوله إلى لبنان.
وعن أسباب اتخاذ المكاتب قرار الإقفال، شددت حسّون على أن مستحقات الشركات العالمية لم تستوفَ بالكامل، إذ يتبقى حوالي الـ175 مليون، وما من خطة واضحة لتسديدها، كما أن الأدوية المدعومة اليوم غير كافية لناحية تغطية جميع المرضى.
وتحدث عن أدوية السرطان والأمراض المستعصية، التي قبل الأزمة كان يصل حجمها إلى 35 مليون شهرياً، بينما اليوم يتم العمل على تمويلها بالتعاون مع رئيس الحكومة ووزير الصحة على الرغم من أن التمويل لن يتعدى الـ10 مليون شهرياً، مشيرة إلى أنه الأمر الإيجابي الوحيد في الموضوع ويشكّل بصيص أمل.
وأَضافت: "قسم كبير من المرضى لا يستطيع شراء الأدوية في حال لم يكن لديه أي تأمين صحي خاص، ما يعني أن حجم الرقعة الدوائية قد تقلّص في لبنان، الأمر الذي شكّل ضغطاً إضافياً على الأدوية الجديدة".
وسبب جديد أدّى إلى اتخاذ قرار الإقفال بحسب حسّون، وهو الأدوية التي رُفع الدعم عنها فتدخل البلاد عن طريق التهريب من دون رقابة، بالإضافة إلى الأدوية المزوّرة التي تهدد حياة المريض.
لبنان لم يعد "جذاباً"
من جهته، شدد نقيب مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات جو غرّيب، على ضرورة التمييز بين وجود المكاتب العلمية في لبنان وتوفرّ الأدوية في السوق.
وقال في حديث لـ"لبنان 24": "صحيح أن العديد من هذه المكاتب أقفل في لبنان وصرف موظّفيه، إلا أن معظم أدوية المكاتب ما زال لبنان يستوردها"، مشيراً بالتالي إلى أن الإقفال لا يعني بالضرورة عدم توفّر أدوية هذه الشركات.
وأشار غرّيب إلى أن لبنان كان "سوقاً جذاباً" بالنسبة إلى هذه الشركات كونه كان سبّاقاً في إدخال أحدث الأدوية إلى بروتوكوله الطبي، وبطبيعة الحال حين لم يعد السوق اللبناني قادراً على الحصول على هذه الأدوية، تتوجه الشركات الى الاسواق القوية التي لها جهات ضامنة والقادرة على اعتماد هذه الأدوية.
وفي هذا الإطار، أكد غرّيب أن معظم الجهات الضامنة في لبنان لم يعد بمقدورها تغطية الأدوية، لا البدائي منها ولا المبتكر، ما أدّى على المنظور إلى قلّة توفر الأدوية الجديدة والتي نسبة الشفاء من خلالها أعلى بالنسبة للمرضى.
ما هي انعكاسات الإقفال؟
وعن انعكاس إقفال هذه الشركات مكاتبها في لبنان، لفت غرّيب إلى أن الأدوية المبتكرة لن تصل كلها إلى البلاد، مع التوقف التدريجي لدورات الإرشاد الموجودة في السوق لناحية فعاليته، كيفية إستخدامه، تمرين الأطباء والممرضين عليه بالإضافة إلى إطلاع لبنان على التجارب السريرية.
كما تحدّث غريّب عن انعكاس الإقفال على العجلة الإقتصادية، مشدداً على أن لبنان كان مركزاً يتوجّه إليه الأطباء لحضور المؤتمرات الطبية وآخر الإبتكارات العلمية والطبية، كما أن وجود لبنان على خارطة العلاجات الطبية بات مهدداً، إذ أنه لم يعد المركز الأساسي المعتمد.
وأوضح أن العديد من الشركات التي أقفلت يتعاون مع وكلائه في لبنان للاستمرار بالعمل الذي كانت المكاتب تقوم به سابقاً، مع الإشارة إلى عدداً كبيراً من الموظفين المصروفين منها، يتمّ توظيفه في شركات محلية أي تلك المستوردة للدواء.
وفي ما يتعلّق بمرضى الأمراض المزمنة والمستعصية، اعتبر غريّب أن المشكلة ليست في وجود هذه الشركات من عدمه، بل بالتمويل وعدم التخطيط على المدى الطويل.
وأشار إلى أن طلبيات الدواء تفعّل قبل 6 أشهر للتأكد من تأمينها، وبالتالي لا يمكن العمل على انتظار الإعتمادات كلّ شهر بشهره، منوّهاً بعمل كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الصحة د. فراس الأبيض ووزير المالية د. يوسف الخليل بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، الذين يعملون على آلية لتأمين الدواء بطريقة دائمة لدعم أدوية مرضى السرطان، الأمر الذي طُرح في لجنة المال والموازنة، متمنياً العمل على خطة بعيدة الأمد توضح مصير معالجة الأدوية التي لا تزال مدعومة لغاية الساعة.
ضربة لسمعة لبنان
أما نقيب الصيادلة في لبنان جو سلّوم، فاعتبر أن قرار الإقفال الذي اتخذته المكاتب العلمية هو نتيجة طبيعية للتفلّت الحاصل على صعيد القطاع الدوائي.
وقال لـ"لبنان 24": "إنها ضربة لسمعة لبنان من جهة، ونوعية وجودة العلاج في البلد الذي كان سباقاً في الوصول إلى أحدث الإبتكارات الدوائية والطبية، بينما بات اليوم دولة مارقة على لائحة الصحة العالمية وآخر اهتمامات الشركات المصنّعة بعدما كان على رأس أولوياتها".
وشدد سلّوم على أنه كان أوّل من أطلق الصرخة في ما يخصّ الأزمة مع المكاتب العلمية منذ حوالي السنتين "إلى أن وصلنا اليوم إلى أن 60% منها أقفل أبوابه، بينما خفض الـ40% الباقي منها تمثيله إلى أدنى مستوى".
وقال سلّوم إنه على الرغم من وجود وكلاء للشركات العالمية، إلا أن ذلك لا يوازي وجودها بشكل فعلي لتثقيف الطبيب والصيدلي على الدواء وجودته وكيفية استخدامه، نافياً انقطاع الدواء بشكل عامّ إلا أن أسعاره باتت أغلى بكثير، داعياً لتوحيد الصناديق الضامنة لتقديم الدعم المباشر للمريض.