خلال القرون السابقة، شكّل إجراء العمليات الجراحية خطراً على حياة المرضى. فإضافة لغياب التخدير الطبي والذي سجّل انتشاره خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كانت أبرز قواعد النظافة غائبة أثناء إجراء العمليات الجراحية وهو ما شكّل تهديدا حقيقيا لحياة المرضى. ففي حالة نجاح العملية الجراحية ونجاة المريض قد تكون حياته مهددة خلال الفترة التالية بسبب التعفّن، وعلى حسب إحصائيات تلك الفترة فارق نحو 50 بالمئة من المرضى الحياة بسبب التعفنات التي تلت إجراء العمليات الجراحية.
وتغيّر كل هذا بداية من سنة 1865 بفضل جرّاح بريطاني عرف بجوزف ليستر (Joseph Lister)، حيث نجح الأخير في وضع حجر الأساس لعملية التعقيم قبل إجراء الجراحة لحماية المريض من العدوى والتعفّنات التي هددت حياته بشكل مستمر خاصة على إثر عمليات بتر الأطراف.
ولد جوزف ليستر يوم 5 من شهر نيسان/أبريل سنة 1827 بأبتون التابعة لمقاطعة إسكس (Essex) البريطانية ومنذ الصغر أبدى الأخير إعجابه الشديد بدراسة التركيب البنيوي لجسم الإنسان. درس ليستر خلال طفولته بكل من هيتشن وتوتنهام ليتعلم هنالك اللغات والرياضيات والعلوم الطبيعية وفي العام 1844 انظم ليستر لكلية لندن الجامعية ليدرس الطب. وبالتزامن مع تخرّجه سنة 1852، بدأ جوزف ليستر بممارسة الجراحة بمدينة أدنبرة (Edinburgh) قبل أن ينتقل بحلول سنة 1860 نحو المستشفى الملكي بغلاسغو (Glasgow) أين كسب مكانة هامة وتحوّل لجرّاح رئيسي.
أثناء تلك الفترة، أثارت أعداد الوفيات المرتفعة بسبب العدوى والتعفّنات التي تلت العمليات الجراحية قلق الجرّاح ليستر والذي سعى بكل السبل للبحث عن طريقة فعالة للحد منها. وأثناء فترة الأبحاث، ركّز جوزف ليستر على التغييرات المجهرية التي كانت تطرأ على الأنسجة مع بداية الالتهابات. ومع قراءته لأبحاث الكيميائي وعالم الأحياء الفرنسي لويس باستور (Louis Pasteur) حول الجراثيم والأجسام الدقيقة، اقتنع ليستر بدور الميكروبات في التسبب في التعفّنات عقب احتكاكها بالجروح. وأما عدم إمكانية تطبيق فكرة باستور بالتخلص من الميكروبات عن طريق درجات الحرارة المرتفعة في هذه الحالة، اتجه ليستر لاعتماد طريقة ثانية اقتضت استخدام مواد كيميائية.
وخلال نفس الفترة، قرأ جوزف ليستر بإحدى الصحف المحلية عن تراجع الأمراض بمنطقة كارلايل (Carlisle) البريطانية بفضل اعتماد الأهالي على حامض الكاربوليك (carbolic acid) لمعالجة مياه المجاري، فما كان منه إلا أن طوّر طريقة لاستخدام هذا المركّب الكيمياوي من أجل القضاء على الجراثيم بغرفة العمليات قبل إجراء الجراحة.
قبل العملية، عمد ليستر لتطهير ثيابه ويديه وأدوات الجراحة، كما اتجه لنثر حامض الكاربوليك، المعروف بالفينول، في هواء الغرفة فضلا عن ذلك استخدم الأخير ضمادات مبللة بحامض الكاربوليك لتغطية الجروح وحمايتها من الجراثيم.
استخدم ليستر هذه الطريقة لأول مرة يوم 12 من شهر آب/أغسطس سنة 1865 قبيل إجراء عملية جراحية لطفل من غلاسغو يبلغ من العمر 11 سنة ويدعى جيمس غرينليز (James Greenlees) وقد حققت هذه العملية نجاحا مذهلا، حيث شفي الطفل دون أن يصاب بأي تعفن بعد نحو 6 أسابيع. وبفضل، اعتماده على التعقيم حقق الجرّاح ليستر إنجازا غير مسبوق حيث تراجعت لديه نسبة الوفيات التي تلت الجراحة من 50 بالمئة إلى أقل من 15 بالمئة.
وخلال شهر آذار/مارس سنة 1867، نشر جوزف ليستر أبحاثه عن التعقيم وإسهامه في تراجع نسبة الوفيات كما ألقى العديد من المحاضرات حول هذا الأمر وفي المقابل رفض أغلب الأطباء فكرته واتجه البعض للسخرية منه. لكن خلال العقود التالية، سجّلت عملية التعقيم قبل إجراء الجراحة انتشارها شيئا فشيئا ليشهد عدد الوفيات التي تلت الجراحة تراجعا ملحوظا.
بفضل هذا الإنجاز، ساهم جوزف ليستر، الذي عمل لاحقا لصالح الملكة فيكتوريا وتوفي عام 1912، في إنقاذ حياة عشرات ملايين البشر وكتكريم له حصل الأخير على العديد من الأوسمة التي منحتها إياه دول مختلفة وأطلق اسمه على العديد من الشوارع والأنهج. فضلا عن ذلك، أطلق البريطانيون مطلع القرن العشرين اسم ليستر على أحد الجبال بالقارة القطبية الجنوبية.