خبر

كيف أصبحت السويد نموذجا فريدا في محاربة 'كورونا' باستخدام 'مناعة القطيع'؟

تحت عنوان "في زمن كورونا، السويد تلجأ إلى نهج عزل مختلف في مواجهة كوفيد-19"، ذكرت صحيفة "تايمز" البريطانية ”في إحدى الحانات المطلة على نهر نيسان بغرب السويد، إن سوزان أندرسون وصديقتها كانيدا داغارد، جلستا لبدء سهرة يوم الجمعة باحتساء كأسين من الشمبانيا.

في تلك الساعة، وبالتحديد في مدينة هالمشتاد السويدية، فإن الازدحام ليس كالمعتاد، وسط إقبال المواطنين على المطاعم والحانات، لتناول الأطعمة البحرية والسوشي، ومع نهاية السهرة فإن أندرسون، سيدة الأعمال التي تبلغ من العمر 47 عاما، سوف تذهب إلى السينما برفقة زوجها.

وقالت أندرسون "لا أشعر بالقلق، لا توجد احتفالات ضخمة أو أشياء من هذا القبيل، ولكننا سنخرج غداً لتناول العشاء كأسرة".

وأضافت الصحيفة "أصبحت السويد غريبة عن الآخرين في المعركة ضد فيروس كورونا، حيث رفضت تطبيق العزل الصحي، ومع ذلك فإن الفيروس ينتشر ببطء شديد للغاية في صفوف المواطنين الذين يتمتعون بصحة جيدة، وتقوم الدولة بحماية من يعانون من أزمات صحية".


ولكن مع تزايد الزحام في هالمشتاد مساء يوم الجمعة، فإن عدد المصابين بفيروس كورونا ارتفع إلى 6 آلاف شخص، ووصل عدد الوفيات إلى 373.

تشكيك

ومع ذلك، فإن أبرز الخبراء في السويد يعتقدون أن النهاية، أو البداية على الأقل، تبدو في الأفق.

أحد متخصصي الرياضيات، والذي يعمل عن قرب مع الحكومة، يتوقع إصابة ما يقرب من 60% من السكان بالعدوى مع حلول منتصف أيار، ولكن، كما يعتقد الكثيرون في السويد فإن هذا ليس شيئا سيئا، لأنه يعني أن السكان وصلوا إلى مرحلة مناعة القطيع، وأن الأمور سوف تعود إلى طبيعتها مرة أخرى.

ونقلت الصحيفة عن أندرسون قولها "تحاول كل دولة الوصول إلى السيناريو الأفضل بالنسبة لها من خلال الإجراءات التي تتخذها، كنا من قبل في باريس، ونعلم أن الأمور تختلف عن مثيلاتها هنا، ربما بالنسبة لهم فإن الأفضل فرض المزيد من القيود. لدينا في السويد عقلية مختلفة. نحن نسمع لما تقوله الحكومة ونثق بها".

وتابعت "تايمز": "في بريطانيا، فإن فكرة وجود وفيات ثم ارتباك النظام الصحي، قبل الوصول إلى مناعة القطيع، أثارت رد فعل شعبيا أجبر رئيس الوزراء بوريس جونسون على تغيير إستراتيجيته، ومع ذلك فإن السويديين يبدو أنهم متفائلون إزاء هذا الاحتمال.. ويرجع ذلك إلى حد كبير للثقة التي يوليها السويديون لوكالة الرعاية الصحية غير السياسية، التي تقود مسيرة الدولة في مواجهة فيروس كورونا.

نجم الشباك في السويد

الوجه المألوف في تلك الوكالة هو أندريس تيغنيل، عالم الأوبئة، الذي يظهر يوميا بملابسه الثقيلة وتصرفاته الهادئة، في الإفادة الإعلامية الخاصة بتطور الأمور فيما يتعلق بفيروس كورونا؛ ما جعله أحد أبرز النجوم في السويد حاليا، وموضع سخرية آخرين في الوقت ذاته.

”إنه رجل ممتاز، وأفضل من رئيس الوزراء، إنه بطلنا الآن، أحب أيضا صراحته، وهو لا يسعى إلى الشهرة“، هكذا قالت كانيدا داغارد، البالغة من العمر 49 عاما، خلال تواجدها في إحدى الحانات، ونالت تصريحاتها تأييد المتواجدين في المكان.

في جوتنبيرغ، انتشرت اللافتات المؤيدة لتيغنيل، كتبت مجلة متخصصة في موضة الرجال مقالا حول أناقته وكيفية ارتداء الملابس كما يفعل.

ونشرت صحيفة "إكسبريسين" مقالا أشادت فيه بجهود تيغنيل، وأنه يلعب "شطرنج ضد الموت".

بالنسبة لتيغنيل نفسه الذي قضى حياته في محاربة الأمراض وعلى رأسها الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن الأمر يمثل تحولا مذهلا للأحداث.

وقال تيغنيل "أعتقد أن هذه أول مرة في تاريخ السويد التي يصبح فيها عالم أوبئة مشهورا، لا أستطيع أن أصف شعوري حيال ذلك، أعتقد أنه أمر رائع للغاية أن يؤمن الناس بما نقول".

وبحسب أحد الاستطلاعات، فإن ثلاثة أرباع السويديين يثقون في أن وكالة الرعاية الصحية تقوم بالإجراءات الاحتياطية الضرورية للتعامل مع الفيروس، الأمر غير الواضح حتى الآن هو ما إذا كان رفض تطبيق العزل الصحي سيؤدي إلى إنقاذ الأرواح على المدى البعيد، هناك بحث نشرته جامعة هارفارد خلال الشهر الجاري أشار إلى أن إجراءات العزل الاجتماعي القاسية يمكن أن تؤدي إلى عودة واسعة النطاق للعدوى في الخريف المقبل، وتتسبب في ضرر أكبر.

وفي هذا الصدد، قال تيغنيل "التوقف المفاجئ لانتشار الفيروس الآن يعني تأجيل المشكلة إلى مرحلة مقبلة".

انتقادات 

النموذج السويدي لا يحظى بتأييد جماعي، وتعرض تيغنيل ووكالة الصحة العامة لانتقادات عنيفة، من جانب بعض العلماء، الذين شككوا في نهج عدم التدخل الذي استعانوا به.

قال هولغر روتزن، أستاذ علم الإحصاءات والرياضيات في جامعة شالمرز "تقوم سياستهم على عدم التحرك إلا قليلا، ثم التحرك متأخرا للغاية، أعتقد أنه من الأفضل التحرك بقوة الآن ثم التراجع مرة أخرى إذا لزم الأمر".

ويقول علماء من غير الواضح كم عدد المواطنين الذين أصيبوا بفيروس "كورونا" في السويد حتى الآن.

وأشارت نتائج العينات العشوائية إلى إصابة ألف شخص في ستوكهولم، وهو ما يمكن أن يمثل مؤشرا على كيفية انتشار الفيروس وسط السكان.

وقال توم بريتون، أستاذ الرياضيات في جامعة ستوكهولم "أعتقد أن 10% من السكان مصابون بفيروس كورونا حاليا، سيشهد الشهر الجاري معظم حالات العدوى، سيعتمد عدد الإصابات على الإجراءات التي نقوم بها، ولكن بنهاية أبريل أعتقد أن نصف السكان سيكونون قد أصيبوا بالعدوى، ومع حلول منتصف مايو فإن ما يقرب من 60% من السكان سيصابون بالعدوى، وفقا للمصطلح الشائع: مناعة القطيع".

وتابع بريتون "ميزة مناعة القطيع أنك حينما تصل إليها فإن الدولة حينها تكون في مأمن، ولكن الأمر السلبي هو أن الانتشار السريع للعدوى يعني أن مستشفيات الدولة لن تستطيع تحمل تلك الحالات، رأيي يقوم على ضرورة العمل كي نقلل سرعة الانتشار وليس وقفه".