أيّ فصل تفضلون؟ فبعض الأشخاص يحبون أيام الصيف الدافئة والطويلة، بينما يفضل الآخرون غيوم وأمطار الشتاء. ترى لماذا تعني لنا بعض الفصول أكثر من غيرها؟ وهل لذلك علاقة بشخصيتنا ووضعنا النفسي؟ ما هي أكثر العوامل المؤثرة؟
لا يخفى على أحد التأثير الواضح للفصول على مزاجنا. فتتسبّب أيام الشتاء القصيرة باضطراب الإكتئاب الموسمي، المعروف باكتئاب الشتاء. كما أنّ حلول الربيع يؤدّي إلى ارتفاع في مستوى الإيجابية، كلما زاد الوقت الذي نمضيه في الخارج؛ إنما ليس بالنسبة لجميع الأشخاص.
كانت غريس تحب الربيع إلى أن أصيبت عن عمر العشرين بحساسية الربيع، ذات أعراض الرشح، فهي تعطس كل خمس ثوان أحياناً، وتشعر بعدم القدرة على فتح عيونها بشكل طبيعي، وتضطر مع ذلك إلى تناول الأدوية المعالجة للحساسية، ما أكسبها وزناً زائداً، فأصبحت تكره فصل الربيع والزهور والأشجار...
أما بيار، فقد كان ينتظر حلول فصل الصيف لأنّه يفضّل هذا الموسم من العام، يغريه صفاء السماء، ولا تزعجه الحرارة المرتفعة، بل على العكس، فذلك يساعده على اكتساب اللون الأسمر والإستمتاع بأشعة الشمس؛ إلّا أنّه فقد والده منذ خمس سنوات في بداية الصيف، ومنذ ذلك الحين لم يعد يرغب بقدوم الأشهر التي كانت المفضلة لديه، بل باتت تشعره بالقلق والخوف من فقدان حبيب آخر.
يؤثّر الضوء في الخارج وحرارة الجوّ على مزاجنا وتصرّفاتنا، حتى إنّ لذلك علاقة بالفصل الذي ولدنا خلاله، فنشبه إلى حدٍّ ما طقس الشهر الذي شهد على ولادتنا، فإذا سألنا الأشخاص من حولنا للاحظنا بأنهم يفضلون ذاك الذي يضم تاريخ ميلادهم. ويؤثر ذلك على ميلنا لفصل أكثر من الآخر، وبالتالي قد يكشف تفضيلنا لفصل معيّن نواحي مخفية من شخصيتنا. فنحن نتأثر بالحرارة والضوء في داخل المنزل، أي دون أن تكون للطقس علاقة مباشرة بذلك. كما يؤثر ذلك على طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا وشعورنا. فالأمور التي نفضلها على أمور أخرى هي نتيجة لتأثير عوامل عدة علينا؛ فمن نشأ في منزل تحيط به حديقة خضراء، لا بد أن يميل إلى الجلوس في الطبيعة وبالتالي فصل الربيع والصيف. أما إذا ارتبطت ذكريات طفولتنا بأمور مزعجة في الشتاء، كالبرد والثلوج والمعاناة، فلن نحب فصل الشتاء مطلقاً.
قد نفضّل فصلاً على آخر بسبب جغرافيا المنطقة التي نعيش فيها، فالفرق شاسع بين طقس الجبل عنه على ارتفاع مئتي متر عن سطح البحر، في الصيف والشتاء.
كما أنّ الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحارة يميلون إلى العنف وسرعة الإنفعال، في حين يتميّز من يعيشون في المناطق الباردة بالهدوء والبطء. حتى إنّ أحكامنا على الغير تتأثّر بدرجة الحرارة.
أما الضوء فينعكس على حالة مزاجنا، فنشعر بالسعادة والطاقة خلال الأيام المشمسة والمضيئة، بينما نخسر قدرتنا على الإشراق والإبداع في الأيام الضبابية والقصيرة. ألا ينام غالبية البشر في الليل وينهضون ويعملون في النهار؟ هذا ما ينتج عن انخفاض نور الشمس، والذي يثير الهورمون الذي يسبّب الخمول.
إنّ انخفاض نور الشمس في مواسم الشتاء والخريف يرتبط بشكل مباشر مع إضطراب الإكتئاب الموسمي، وتتظهّر أعراض الإكتئاب لدى من يعاني من هذا الإضطراب خلال الأيام الأقصر والأكثر ظلاماً، فيفقد الرغبة بالقيام بنشاطاته المفضلة، وقد يعاني من الشعور بالتعب واضطراب في النوم والشهية. ينصح هؤلاء الأشخاص بالتعرض اليومي لأشعة الشمس.
فهؤلاء الذين يفضّلون فصل الربيع الذي يلي الأيام القصيرة والمظلمة، ويلاقي الدفء والخضار في الخارج، يميلون إلى البحث الدائم عن الفرص الجديدة والتجارب، فالربيع يرمز إلى التجدّد. من ولد في الربيع مثلا يتميّز بطبع مرح وحساس، ويتأثّر مزاجه بأبسط الأمور، بعكس مَن ولد في الشتاء، يتحلّى بالثبات وقلة التأثر.
أما مَن يفرحون بقدوم فصل الصيف، الفصل الذي يحمل الأيام الأطول والأكثر نوراً ودفئاً في مختلف أقاصي الأرض، فهذا يدلنا على أنهم يحبون الحياة، ديناميكيون، يرغبون بالتمتع في الطبيعة. ففصل الصيف يوحي بالسفر، وبالتالي هم أشخاص منفتحون على الآخرين، يتخطّون المصاعب والمشكلات، يتمتعون بمرونة واحتواء للآخرين.
لدى العديد من الناس شغف وولع بفصل الخريف، الذي يرمز إلى البدايات، من خلال الألوان النابضة بالحياة، والطقس البارد يشجّع على التغيير، كما أنّ اقتراب العطل يوحي ببرامج وأحلام تتعلّق بالسفر والراحة، ووضع برامج ومخططات للسنة المقبلة.
إذا كنت من محبي أشهر الشتاء الباردة، فهذا يدلّ على أنك شخص تميل إلى الإنغلاق وتفضل البقاء في المنزل، ارتداء لباس شتوي والغرق في أريكة مريحة، وتتلذّذ في تناول الشاي، ما يشعرك بأنك تقوم بأفضل الأمور على الإطلاق.
علاقتنا مع المواسم والفصول عميقة لا بل حميمة، تتأثّر بميولنا وحاجاتنا ومخاوفنا، وتعكس في الوقت عينه شخصياتنا وتجاربنا وسلوكياتنا اليومية.