'بلاد النار' للبنانيين هذا الصيف

لم يغادر الوفد الإعلامي الذي دعته شركة نخال السياحية إلى قضاء أربعة أيام في ربوع مدينة باكو، عاصمة أذربيجان، إلا سعيداً...ومصدوماً في الوقت عينه. 
فهناك، في منطقة القوقاز، رأى الإعلاميون بلداً نظيفاً، ذا بنية تحتية جيّدة، مصمماً على حجز مكان له في صفوف الوجهات السياحية التي تستقطب السيّاح من الشرق والغرب. كلّ هذا يحصل، واستقلال أذربيجان ما عمره إلا 28 سنة، نهضت "بلاد النار" كما يعني إسمها، من نار الحرب ودخلت إثر "يناير الأسود" باب الحرية والجمهورية المستقلّة. 

في باكو، وتحديداً في "هايلاند بارك"، تقع ساحة الشهداء التي تضمّ مقابر من لقوا حتفهم في مجزرة "يناير الأسود" على يد الجيش السوفياتي، ونصباً تذكارياً للشهداء، "الشعلة الأزلية"، حيث النيران لا تنطفئ. من هناك، إطلالة بانورامية على مدينة تغفو في بحر قزوين (هو فعلياً أضخم بحيرة مغلقة على وجه الأرض) حيث استخرجت أذربيجان النفط منذ 50 سنة. كان هذا أول حدث من نوعه في العالم. 

وإذا كان النفط جزءاً هاماً من اقتصاد البلاد التي لها حدود مع كلّ من روسيا وإيران وجورجيا وأرمينيا، فإن السياحة تبدو بالنسبة إلى الآذريين "نفطاً" آخر يعوّل عليه وتسعى إلى تطويره. قد تكون هذه المهمة ما زالت في بداياتها، غير أنّ العزم على تحقيق الهدف يبدو جليّاً، فحتى عام 2023، تستضيف حلبة مدينة باكو بطولة العالم للفورمولا 1 (بدأ الاتفاق مع فورمولا 1 في عام 2016)، وفي 29 أيار سيكون الموعد في الملعب الأولمبي لمتابعة نهائي الدوري الأوروبي 2019.

في شارع "نظامي" دليلٌ آخر على نهوض البلاد، مطاعم ومقاهي ونوادي ليلية ومحلات لبيع الهدايا التذكارية ونوافير وصخب، حياة تعكسه الأنوار الذهبية التي حوّلت الساحات لألئ مبهرة. ولعلّ أجمل ما في هذا الشارع الرئيسي الذي يحمل اسمه تيّمناً بالشاعر الأذري نظامي الكنجوي، هي العمارة الساحرة التي تمزج بين الماضي والحاضر، وتجمع بين أكثر من أسلوب معماريّ.

بعض المباني يحمل روح أسلوب "النهضة الجديدة"، والبعض الآخر من "القوطية الجديدة"، أو "الباروكية"، أو "الكلاسيكية الجديدة"، كما تحضر "العمارة المغاربية الجديدة". إنها معالم تُحرّك الحنين وتدغدغ الحسّ الفنيّ حكماً.

وفي باكو، أبراج اللهب التي تُطلّ عليك كيفما تنقلت تقريباً، ناطحات السحاب هذه باتت رمزاً للبلاد وأحد أهمّ معالمها السياحية. في الموازاة، لا يمكن التواجد في أذربيجان من دون أن يُسأل عن رائعة المعمارية العراقية البريطانية الراحلة زها حديد، أي مركز حيدر علييف، فقد نالت حديد جائزة متحف لندن لعام 2014 عن هذا المركز الثقافي الذي اختزل خبرة 30 سنة قضتها في هذا العالم، فأرادته "بناية تتفاعل مع المدينة وتمنح الناس مكانا يتواصلون فيه"!


في مقابل الحداثة التي تتجسد في عدد هائل من المباني والفنادق المحاطة بمتاجر ضخمة تعرض أشهر الماركات العالمية والمرافق الثقافية والرياضية الأخرى، لا تزال باكو تتمسك بعراقة الماضي وسحره. 
في المدينة القديمة التي يعود بناؤها إلى القرن السابع الميلادي، ثمة ما يُعيدك إلى الزمن الغابر. على جانبي الشوارع المرصوفة بالحصى، محلات صغيرة تنتظر السيّاح لتعدهم بأجمل أنواع السجاد المشغولة يدوياً، وبأروع الشالات المطرزة باليد، حرفٌ ما زالت حاضرة بقوة، فالآذريون يمتلكون ثقافة غنية متميزة ينتمي جزء كبير منها للفنون الزخرفية والتطبيقية التي تتجسد من خلال مجموعة واسعة من الصناعات اليدوية مثل المجوهرات والنقش على المعادن ونحت الحجر والخشب والعظام وصنع السجاد ونمط النسيج والطباعة والحياكة والتطريز. 

ولا يمكن الخروج من المدينة القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي التابعة لليونسكو، من دون استكشاف برج مايدن الأثري، وعنه تقول الأسطورة أنّ ابنة الملك انتحرت منه رامية نفسها في البحر عندما رفض والدها أن تتزوج من تحبه، يسمّى البرج أيضاً "برج العذراء"، وطبعت صورته على العملة المحلية، المانات.

أما قصر الشروانشاهيين (Palace of the Shirvanshahs) الموجود أيضاً في المدينة القديمة فيعود للقرن الخامس عشر، بناه حكام شروان المعروفين بالشروانشاهيين، ووصفته اليونسكو بأنه «إحدى لآلىء العمارة الأذربيجانية».
ومن المعالم السياحية الشهيرة في باكو ممشى البوليفارد الذي يدعوك إلى تنشق هواء عليل في "مدينة الرياح" (الوصف الذي يطلق على باكو) والتنزه في بيئة نظيفة، حيث لا نفايات متراكمة ولا أوساخ على الطرقات. تجد هنا متحف السجاد المميّز، وفينيسيا المصغرة حيث يمكن ركوب قارب للتجوّل في المكان.

ومن أشهر معابد المنطقة، معبد النار (آتشكاه) الواقع على بعد 35 كيلومترا من باكو وقد تم بناؤه من قبل تجار الهنود الزرادشتية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، في مكان يشتعل فيه الغاز الطبيعي المتسرب إلى سطح الأرض. وفي الأساطير الزرادشتية أن مكان النار مقدس وكانت تخرج منه النار من 7 مواضع. جولةٌ في غرفه التي تضمّ تماثيل وآثار تحاكي الحياة آنذاك، تستحق العناء فعلاً.
لا يمكن طبعاً مغادرة البلاد من دون رؤية جبل النار Yanar Dağ الواقع في إحدى قرى أبشوزان ، حيث النيران متأججة منذ أكثر من 4000 سنة ولا تنطفئ رغم الثلوج والأمطار والرياح. يقول المرشد السياحي الآذري إن "العلم لا يجد تفسيراً واضحاً لهذه الظاهرة"، لكنه يعقب مفسراً أن تركيبة الجبل غير المتناسقة ووجود الغاز في المكان سبب اشتعال النار بشكل دائم.
أمنياً، تعيش باكو بهدوء. طبعاً، هي ليست مثل "نظيرتها" في سويسرا مثلاً، لكنها آمنة إجمالاً. لكن في البلد، حربٌ ما زالت دائرة في إقليم ناغورني كاراباخ بين الآذريين والأرمن، وهو صراعٌ شهير ما زال يتصدّر الشاشات العالمية والمحلية .

بالنسبة إلى المطبخ الأذربيجاني فيلاحظ فوراً أنه يمتلك خصائص مميزة وفريدة من نوعها رغم تشابهه مع المطبخ التركي، الأعشاب الطازجة، بما في ذلك النعناع والكزبرة ذات شعبية كبيرة، وغالباً ما تصاحب الأطباق الرئيسية على المائدة، وينعكس تنوع الظروف المناخية وخصوبة الأرض في الأطباق الوطنية، التي تقوم على الأسماك من بحر قزوين واللحوم المحلية (الكباب حاضرٌ بقوة أيضاً).

قد تكون آذربيجان بالنسبة إلى اللبنانيين وجهة سياحية غير مألوفة، لكنها ستصبح متاحة مع شركة نخال التي سوف تسيّر رحلات مباشرة إليها بدءاً من تموز وحتى أيلول من هذا العام، يمكن طبعاً اختيار الحزمة السياحية التي تشمل زيارة جورجيا أو أرمينيا، ما يتيح التعرّف على بلدان وثقافات جديدة في العطلة نفسها. 
ربيكا سليمان

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى