كانت الفنون القتالية باباً للبنانية ساندرا سكّر كي تخرج من حالة الحزن التي خيّمت على حياتها بعد وفاة والدها، وتكسر بالعزيمة الصورة النمطية للفتيات في ميدان الرياضات القتالية، لتحصد لقبا عالميا بالـ”أم أم إيه” في سنّ الثانية والعشرين.
في أمستردام فاجأت سكّر الجميع بتغلّبها على ابنة البلد كالي هامينغ في المباراة النهائية ونيلها ذهبية وزن – 61.2 كلغ في بطولة “غامّا” نهاية آذار الماضي، وهو اللقب الأرفع لها خلال السنوات الأربع في مسيرتها.
وتُعتبر الفنون القتالية المختلطة أصعب الرياضات، إذ أنها تجمع العديد من فنون الدفاع، ولها تقنيات ومهارات مختلفة تجيز استخدام تقنيات الضربات المباشرة في مختلف الوضعيات.
بعد فوزها بإجبار منافستها على الاستسلام قالت سكّر “هذا أسلوبي، أترك خصمي يتعب، ثم أضرب بقوة”.
وتلك هي القوّة التي بدأت الشابة اللبنانية بمراكمتها في سن صغيرة جدا، تقول سكر “وجدت في الفنون القتالية حريتي، إذ توفي والدي وأنا في الثالثة من عمري، ودأبت على مزاولتها لأخرج من حالة الحزن ومشاكل أخرى، فضلاً عن التمييز بين الذكور والإناث، وبالتالي أردت أن أصبح أقوى من الذكور، لأن كل شيء متشابه”.
وتضيف “لم أهتم بأي شيء آخر سوى شغفي بالرياضة، كنت أضع تركيزي الكامل في التدريبات التي كانت أحياناً مع رجال أقوى مني جسدياً، لكن ذلك كان يمنحني المزيد من القوة والإصرار”.
وتلفت سكّر التي تخرجت في الجامعة اللبنانية بشهادة “مصمّمة رسم”إلى أنها نقلت تجربتها إلى العديد من صديقاتها وزميلاتها في الدراسة أو العمل وحتى فتيات في بلدتها، وترى أن المسؤولية باتت أكبر اليوم.
وتقول سكّر، “تغيّرت حياتي بعدما بدأت هذه الرياضة، ولاسيما بعد انتقالي إلى التدرّب في ناد متخصص، وأصبحت ظروفي النفسية والحياتية أفضل، في جامعتي ثم في عملي اكتسبت أصدقاء جدداً”.
وجاء دخول سكّر الجدّي إلى هذا العالم صدفةً على يد مدربها مايكل عامر الذي يقول “أنا مدرب محترف وأمتلك نادياً خاصاً في إحدى القرى القريبة من مدينة جونية شمال بيروت تدعى كفرحباب”.
ويردف المدرب عامر “كنت أدرب فتاة وأقدم لها الرعاية الرياضية كي تصبح بطلة، إلا أنها تعرضت لمشكلة وتركت المضمار، وبالصدفة عبر منصات التواصل الاجتماعي شاهدت شريطاً مصوراً لفتاة صغيرة تتمرن بالضرب على كيس رمل علّقت عليه بأنها تحب الرياضات القتالية”.
قاده ذلك الفيديو إلى مراسلة سكّر ليعرض عليها ممارسة الفنون القتالية المختلطة، فوافقت بعدما شاورت عائلتها، ومن هناك بدأ المشوار.
ويؤكّد أن سكّر واظبت على التمارين رغم طول المسافة بين قريتها في بشرّي ومقر النادي الذي يبعد عنها نحو 50 كيلومتراً، وكانت تحضر التدريب يومياً مستقلة حافلات النقل العمومي.
وتوّجت سكّر بطلة للبنان في “مواي تاي” و”جوجيتسو البرازيلي” و”كيك بوكسينغ”، وانضمت إلى منتخب لبنان في الفنون القتالية المختلطة ما أهّلها لخوض بطولة العالم.
وانضمت الشابة إلى معسكر تدريبي قاس دام شهرين قبل البطولة، وعاشت ضغطاً نفسياً وجسدياً ومعنوياً هائلاً “إلا أنها كانت مؤمنة بالوصول إلى اللقب العالمي”.
وكان يفترض أن تخوض سكر أربع نزالات في أمستردام، غير أن منافسات أوكرانيات وروسيات انسحبن، فواجهت أولاً التشيكية ناتالي تريكالوفا، ثم الهولندية هامينغ وتغلب عليهما.
وتقول سكّر إن “اللقب العالمي سيحفزني على الارتقاء أكثر نحو الاحتراف العالمي وأطمح من خلال هذا الأمر إلى عكس صورة مغايرة في الخارج عن بلدي لبنان الذي يعاني كثيراً في السنوات الأخيرة”.
وتطمح الشابة اللبنانية إلى أن تصبح رياضة فنون القتال مهنتها الأساسية وخوض نزالات في بطولة القتال النهائي “يو أف سي” العالمية رغم أن “الرياضة ليست هوايتي الوحيدة، فأنا أحب الغناء والعزف الموسيقي، كما أنني أحب الكتب وبدأت مؤخرا بكتابة سيرتي الذاتية”.