إذا كنا قد تعلمنا شيئًا من التجمعات العائلية الكبيرة، فهي قدرتها البارعة على الدمج بين مجموعات الأشخاص ذات الأفكار والأعمار والآراء المتباينة، برغم أن الأمر يمثل تحديًا كبيرًا، ولنتخيل الآن محاولة تصميم مكان عمل عالي الكفاءة والإنتاجية مع هذه المجموعات المتنوعة من الأجيال والأشخاص. ومن هذا المنطلق، مرحبًا بكم في بيئة العمل العصرية.
إننا نشهد اليوم، ولأول مرة في التاريخ، خمسة أجيال من مراحل متباينة، بدءًا من جيل التقليديين، وجيل طفرة الإنجاب، إلى جيل الألفية، وما بعدها، والجيل العصري، يعملون جنبًا إلى جنب في مكان عمل واحد، ولم نر من قبل هذا التنوع الغني من الحكمة، والخبرة، والحماس المتجدد.
ويساهم هؤلاء الموظفون سويًا في إعادة ابتكار أماكن العمل، وصياغة شكل مستقبل العمل، ويمثل هذا التحول تغيرًا اجتماعيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا هائلاً، فهو يقدم فرصة ثمينة للشركات، والمؤسسات من إجل إحداث نقلة كبيرة في مساحات العمل، والكوادر العاملة، وثقافة العمل، لضمان استعدادها للمستقبل الرقمي.
ويوفر مستقبل العمل، في نهاية المطاف، ميزة تنافسية قوية للمؤسسات التي تستخدم إمكاناتها لتعزيز تجارب العملاء، والشركاء، والموظفين، وهنا يأتي دور التكنولوجيا لسد الفجوات بين الأجيال.
لمسات متنوعة تلبي مختلف الأذواق
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
يبدأ الأمر برمته بسؤال حول كيفية قيام الموظفين بمهامهم على الوجه الأمثل، وتفرض الإجابة نفسها بشكل متزايد، وهي أينما يحبون، وفي أي وقت يناسبهم، إذ إننا نعيش في عالم تتصدر المشهد فيه الهواتف المحمولة.
ويتعين أن تعكس مساحات العمل هذا الواقع، وتشكل مسألة إدراك توجهات الموظفين الذين ينتمون إلى مختلف الأجيال، وتصميم مساحة عمل تلبي احتياجاتهم، نقطة مفاضلة حاسمة، وطريقة مهمة لاستقطاب المواهب والاحتفاظ بها.
يذكر أن معالم مساحات العمل في المستقبل لن تتحدد بالضرورة عن طريق المكاتب المادية، بل عن طريق أساليب العمل التي تقدمها، ودور هذه المساحات في تحقيق التعاون، والإنتاجية بين الأشخاص الذين ينتمون لأجيال متعددة.
ويتزايد في الوقت الحالي المزج بين العالمين المادي، والافتراضي داخل مساحة العمل، وذلك يشمل الإعدادات المرنة، والتصميمات الحديثة، والتقنيات التفاعلية بشكل طبيعي لتلبية احتياجات جميع الأجيال، مع ضمان السلامة، والامتثال.
ويكمن التحدي في أن الأجيال المختلفة تعمل، وتتعاون، وتتواصل بطرق مختلفة، وعلى سبيل المثال، فقد أظهرت نتائج إحدى الدراسات التي أجريت على أشخاص ينتمون إلى جيل الألفية، وجيل التسعينات، أن التواصل بشكل شخصي كان محدودًا للغاية، بينما كان التواصل عبر الفيديو، والرسائل النصية، أسهل، وفي المقابل، فإن الأجيال الأكبر سنًا تفضل التواصل وجهًا لوجه.
ويتطور أسلوب العمل اليوم بفضل كثرة منصات التكنولوجيا، والتعاون المتاحة، بدءًا من المراسلات الجماعية، وعقد المؤتمرات عبر الفيديو، ومشاركة المحتوى في الوقت الفعلي، والتعاون في تحرير المستندات بشكل مباشر، وحتى الاجتماعات الشخصية، والمكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكتروني.
وبغض النظر عن أسلوب أو قناة الاتصال المفضلة لجيل ما، فإن التكنولوجيا تشجع على المزيد من التواصل، وتتيح للأشخاص من جميع الأعمار فرصة الاتصال والعمل معا.ً
وكلما كان التعاون أكثر قوة، وتوفرت الفرص لدى الأجيال للتعلم من بعضهم البعض، فإن ذلك يساهم في تعزيز استفادة المؤسسات من جهود كوادرها العاملة.
ويتسم طابع المستقبل الرقمي بتلاشي الحدود يومًا بعد يوم، وزيادة مستويات التعاون، والتركيز على الابتكار بشكل أكبر، مع تميزه بثقافة تمكن الشركات من المنافسة، والتفوق في العصر الرقمي.
ويتطلب الأمر اتخاذ جميع احتياطات السلامة للاستفادة من هذه المفاهيم، والتقنيات الحديثة، وذلك بسبب تطور، وزيادة حجم، ومدى اختراق الهجمات الإلكترونية في ظل انتشار الأجهزة المتصلة بشكل كبير.
وتعد الأجهزة المتصلة بالشبكة أكثر العناصر المستهدفة، بما في ذلك أجهزة الحاسب الشخصية، والطابعات، والهواتف المحمولة، وأجهزة إنترنت الأشياء. وبالنسبة للعاملين والمؤسسات، تشكّل الحماية الشخصية ضرورة حتمية في العمل لا يمكن تجاهلها بغض النظر عن أي جيل ينتمي له الشخص.
القيمة اللامحدودة النابعة من فكر النمو
لا يمكن أن تحدث مسألة تحقيق بيئة عمل موحدة تجمع الكوادر العاملة من مختلف الأجيال بدون الالتزام بالتطوير المهني، وخلصت إحدى الدراسات التي أجريت من قبل مؤسستي Wainhouse Research، و D2L إلى أن الموظفين من جميع الأعمار يرغبون في مواكبة أحدث الأدوات والتكنولوجيا المتعلقة بمهنهم.
كما أن الموظفين الأكبر سنًا لديهم مخاوف بشأن الاستغناء عنهم بسبب التقنيات الآلية التي قد تحل محلهم، في حين أن الموظفين الشباب لديهم مخاوف بشأن الحصول على التدريب الذي يحتاجونه لمواكبة وتيرة التغيير.
ويجب على أرباب العمل الاستفادة من هذه الفرصة لتقديم برامج مصممة للتعلم، والتطوير الوظيفي، بحيث يتبناها جميع كوادر العمل على مستوى الأجيال المختلفة، أما بالنسبة إلى الموظفين الذين يشعرون بالقلق من هذه التكنولوجيا، فإن التعامل معها يوضح أن هدفها هو تعزيز مهاراتهم.
وأظهرت دراسة حديثة أجرتها كلية جولدسميث بجامعة لندن أن تكنولوجيا الأتمتة تجعل العمل أكثر إنسانية من خلال تحرير الناس من العمليات الإدارية والانتقال إلى أعمال ذات قيمة أعلى.
وسيتم توزيع القوى العاملة في المستقبل بشكل متزايد لتكوين منظومة تتألف من الأجهزة الذكية، والبشر، للعمل معًا، وستعمل التقنيات الواعدة على تعزيز القدرات البشرية من أجل توفير الأتمتة، والمنتجات، والخدمات الجديدة، التي لا يمكن أن تتجاوز مجرد كونها أحلام وأمنيات حاليًا.
ويستغرق تعلم كيفية النجاح في العالم الرقمي وقتًا مختلفًا من الأجيال المختلفة، وسيكون لدى الموظفين، من خلال التدريب، المزيد من الوقت للتركيز على العمل الأكثر قيمة.
التنوع يحسن أداء الأعمال
تكمن كلمة السر في التنوع، إذ أصبح من الواضح أن تنويع القوى العاملة يؤدي إلى حلول أكثر ابتكارًا، ومصادر أكبر للإيرادات.
ويعتمد الابتكار، في ظل عالم ينمو ويتطور كل يوم، على قدرات فريق من الأفراد، بحيث يتعاونون معًا، ويساهمون بوجهة نظرهم، ومعرفتهم، وتجربتهم، بما يحقق النجاح في العمل والحياة.
وستدرك الشركات الناجحة أن القوى العاملة متعددة الأجيال تمثل قوة هائلة، وذلك في حال تمكنت من إطلاق العنان للإمكانيات الكاملة لموظفيها في أي مرحلة من مراحل مسيرتهم المهنية، حيث إن التكنولوجيا المناسبة، والدورات التدريبية، والتركيز على التواصل متعدد الأجيال من شأنه أن يقطع شوطًا طويلاً نحو مساعدة الشركات على اللحاق بركب المستقبل الرقمي والاستفادة من قدرات القوى العاملة المتنوعة لديها.
ويمكننا عندما نتفاعل معًا، وتجمعنا التكنولوجيا، أن نصبح أكثر إنسانية في تفاعلاتنا، ونتواصل بشكل أوضح مع من هم مختلفين عنا، ونعيد صياغة الأفكار حول الإمكانات الواعدة لمستقبل العمل.
بقلم: ماثيو توماس، نائب الرئيس والمدير العام في شركة إتش بي الشرق الأوسط وغرب أفريقيا
أخبار متعلقة :