كتب عماد الشدياق في الجزيرة:
كشفت آن نيوبيرغر نائبة مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي قبل أيام عن أن بلادها تجري مباحثات "صريحة ومهنية" مع روسيا بشأن الأمن السيبراني ومحاربة الجريمة الإلكترونية والنشاط الإجرامي وفيروسات الابتزاز الإلكتروني.
وجاء ذلك في إطار رفض واشنطن توجيه دعوة لموسكو من أجل حضور الاجتماع الخاص بمحاربة الجريمة في المجال السيبراني، الذي عقدته افتراضيًّا وشاركت فيه 30 دولة لم يُعلن صراحة عن أسمائها، كما لم يُعلن لاحقًا عن تفاصيل المباحثات التي دارت بين موسكو وواشنطن.
ويُعد الأمن السيبراني والإعلام من المواضيع الخلافية العميقة بين الولايات المتحدة وروسيا التي طوّرت مؤخرًا إستراتيجية جديدة (قبل نحو 3 أشهر) تمت إضافتها إلى قائمة الأولويات الخاصة بإستراتيجية الدولة الروسية.
ومن بين النقاط التي ركّزت عليها الإستراتيجية الروسية الجديدة التنويه إلى أن التطوّر السريع في تكنولوجيا المعلومات وفي الاتصالات يزيد معه احتمال ظهور مخاطر على أمن المواطنين والمجتمع والدولة، وأن هذا التطور قد يزيد احتمال توسيع نطاق استخدام التكنولوجيا في مجال المعلومات والاتصالات ليفتح المجال أمام تدخل الدول في شؤون دول أخرى، وكذلك أمام تقويض سيادتها ووحدة أراضيها، مما "يشكل خطرًا على الأمن والسلام الدوليين…".
وبناءً على ما كشفته موسكو، فإن الإستراتيجية الروسية الجديدة ترى أن الأجهزة الاستخباراتية الأجنبية "باتت قادرة على تكثيف أنشطتها" من أجل "تنفيذ عمليات في المجال المعلوماتي داخل روسيا"، التي تتبادل التهم مع واشنطن بمواجهة "حملات تضليلية وتخريبية" عبر شبكة الإنترنت.
وتقول موسكو إن هذه العمليات "تستهدف الشباب من خلال تداول أنباء كاذبة عن خطر تنفيذ هجمات إرهابية أو دعوات إلى الانتحار أو نشر المواد المتطرفة والتحريضية على ارتكاب أعمال غير قانونية أو الترويج للمخدرات"… وخلافه.
ولم يُعرف إن كانت المباحثات المُعلن عنها بين الطرفين -أخيرا- تطرّقت إلى ملف "راديو ليبرتي"، وما تُعرف بإذاعة "أوروبا الحرة" اللذين تنظر إليهما موسكو بعين الريبة؛ إذ ترى دوائر القرار الروسي أن أنشطتهما "استفزازية"، وتستند إلى "تشويه الحقائق التاريخية وتسيء إلى المجتمع الأهلي والسياسي".
الأوساط الروسية ترى أن عمليات قلب الحقائق وعمليات التشويه "مارسها الراديو والإذاعة في بداية الثورات الملونة التي مرت في البلدان الإسلامية، كما تحاول ممارستها في المناطق الروسية التي تعتنق الإسلام تقليديًّا، فنشرت معلومات تم استثمارها في أزمات دول القوقاز الروسي". كما تتهم موسكو راديو ليبرتي بـ"دعم المنظمات الإرهابية بشكل علني"، فيسمّيهم "مناضلون من أجل الحرية"، وذلك في محاولة لما تعده "إثارة التطرف بين السكان المحليين والتحريض بين الأعراق وإذكاء الصراعات الدينية"، وذلك من خلال ما تصفه بـ"تعبئة ناشطي حقوق الإنسان المحليين والعمل على حضّ الناس على التظاهر".
وحسب المصادر الروسية، فإن المواضيع التي تتبناها الإذاعة والراديو هي "الدعوة إلى زيادة تدفق الشباب المتطرف إلى داخل سوريا"، وذلك من أجل "المشاركة في أعمال العنف والتدخل العلني في العمليات الاجتماعية-السياسية الجارية في دول القوقاز". كما تتهم موسكو الإذاعة بـ"صرف انتباه الجمهور عن تاريخ الولايات المتحدة في تدمير العشرات من الشعوب، ومن بينها الشعب الأصلي في القارتين الأميركيتين".
ولا تتوانى دوائر القرار الروسي عن اتهام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بـ"ازدواجية المعايير" التي تروج لها من خلال المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام الكبرى الخاضعة لسيطرتها في دول الشرق الأوسط والدول العربية مثل مصر ولبنان وسوريا وفلسطين (مثل راديو سوا وقناة الحرة) وتعتبرها هي الأخرى "مدمرة وتضر بسيادة دول المنطقة واستقلاليتها".
وسبق أن غرّمت "روسكومنادزور" أو الهيئة الروسية للرقابة على الاتصالات، راديو ليبرتي/إذاعة أوروبا الحرة" بنحو 925 ألف دولار، وذلك لعدم التزامه بالقانون. وحددت الهيئة ما مجموعه 390 مخالفة ضد الإذاعة، وذلك لعدم وضعها علامات على تسعة من مواقعها الإلكترونية العاملة في روسيا.
وخلال أبريل/نيسان الماضي أمهلت روسيا الإذاعة شهرين من أجل دفع الغرامة، وذلك بعد أن أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن دعمه للإذاعة والراديو ووسائل إعلام أميركية أخرى، كما اتهم بلينكن موسكو بـ"حمل الإذاعة على مغادرة روسيا من خلال هذه الغرامات".
أما مكتب الإذاعة والراديو في موسكو، فقدّم دعوى ضد دولة روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وذلك من أجل "إجبار موسكو على التخلي عن تلك الغرامات".
وتم إقرار تشريع روسي عام 2012 يسمح للسلطات في البلاد بأن يشمل تصنيف "عميل أجنبي" المنظمات غير الحكومية والجماعات والأشخاص الذين يتم تعريفهم بأنهم "عملاء أجانب" في روسيا، ويُفرض عليهم الكشف عن مصادر تمويلهم ووضع علامات وسمات خاصة على منشوراتهم وإلّا يواجهون دفع الغرامات.
وغرّمت محكمة روسية الإذاعة 71.5 مليون روبل أي نحو 925 ألف دولار، بعد النظر في 260 من هذه المخالفات. ووصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" العقوبة في حينه على أنها "الغرامة الأكبر التي فرضت على وسيلة إعلامية داخل روسيا".
وأقر البرلمان الروسي تشريعا عام 2012 يسمح للسلطات الروسية بتصنيف المنظمات غير الحكومية في البلاد بـ"عميل أجنبي"، ثم وُسّع عام 2017 ليشمل المؤسسات الإعلامية، بعدما تم تصنيف قناة "آر تي" الروسية المدعومة من الكرملين في الولايات المتحدة عميلًا أجنبيًا أيضًا.
و"راديو ليبرتي/إذاعة أوروبا الحرة" مؤسسة من شبكتين للراديو والإرسال الإذاعي مخصصة لشرق أوروبا ووسطها، وكذلك منطقة البلقان والقوقاز، تذيع برامجها بـ30 لغة يتحدث بها سكان هذه المناطق، كما تذيع برامجها لروسيا وأوكرانيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق بـ12 لغة، وإلى أفغانستان بلغتين.
وأسستها الولايات المتحدة وتشرف على عملها لجنة الإرسال الإذاعي العالمي، ويقوم مواطنو هذه المناطق بكتابة وإنتاج معظم البرامج فيها، ونصف هذه البرامج من الأخبار السياسية، والنصف الآخر يُغطي الأحداث الثقافية والدينية، ويسلط الضوء على خلفية المسائل الاقتصادية والتاريخية بأساليب تخدم السياسات الغربية والأميركية.
وقامت الولايات المتحدة الأميركية بتأسيس "إذاعة أوروبا الحرة" عام 1950، و"راديو ليبرتي" عام 1951، ووجهت بثهما إلى شرق أوروبا والاتحاد السوفياتي سابقًا، وذلك لما تعده "مواجهة الفكر الشيوعي"، وتأخذ من مدينة براغ في جمهورية التشيك مقرًّا لمكاتبها الرئيسية.