خبر

انتخابات تاريخية وسط جائحة قاتلة وكساد خانق… والاستطلاعات تفجّر 'مفاجأة'!

بعد أقل من شهرين سيشارك الأميركيون في أهم انتخابات رئاسية منذ انتخابات عام 1860 المفصلية التي فاز فيها أبراهام لينكولن، والتي كانت في جوهرها صراعاً حول هوية الولايات المتحدة وقيمها ومؤسساتها ومستقبلها كاتحاد فدرالي.
وفي هذا الإطار، كتب الصحافي المتخصّص هشام ملحم في موقع قناة "الحرّة"، حيث أشار إلى أنّ "انتخابات 1860 جاءت بعد عقد حفل بالخلافات والاستقطابات السياسية والثقافية العميقة بين الولايات الشمالية التي حرمّت الرق، والولايات الجنوبية التي تمسكت بالرق كمؤسسة اقتصادية ضرورية لمستقبل تلك الولايات. خلال ذلك العقد شيطن كل طرف الطرف الآخر".
ولفت إلى أنّ "انتخابات 2020 تأتي بعد عقد حفل بالاستقطابات السياسية والثقافية والتوتر العنصري، وكأن مرور 155 سنة على الحرب الأهلية لم يكن كافيا لحل النزاعات والتوترات السياسية والثقافية التي فجرها ذلك الصراع الملحمي الذي أدى إلى مقتل 750 ألف جندي وعدد غير معروف من المدنيين، وخلّف وراءه مساحات هائلة من الأرض اليباب والمدن المحروقة".

نزاع وجودي وشمولي
وأضاف: "في الحملة الانتخابية الراهنة، كما في الخلافات في السنوات التي سبقت الحرب الأهلية، لجأ الطرفان إلى اللغة السياسية المطلقة في وصف النزاع وطرحه وكأنه نزاع وجودي وشمولي بين الخير والشر سوف يقرر هوية ومستقبل البلاد. وكما حدث خلال خمسينيات القرن التاسع عشر، لجأ كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري خلال الحملة الراهنة إلى شيطنة الطرف الآخر.
حتى التاريخ متنازع عليه، كما يتبين من النبرة الحادة والمتشددة التي هيمنت على السجال بين مؤيدي الرئيس دونالد ترامب ومعارضيه حول تاريخ الولايات الكونفدرالية الجنوبية التي أدى انفصالها إلى اندلاع الحرب الأهلية، ومعنى النصب التذكارية للقادة العسكريين والسياسيين للكونفدرالية والتي أثارت في السنوات، وخاصة الأشهر الأخيرة، جدلا كبيرا بين من يعتبرها رموزا للعنصرية وتفوق العنصر الأبيض وبين من يعتبرها جزءا لا يتجزأ من التراث والتاريخ الأميركيين".

توتر وتطرف
وبحسب ملحم، فإنّ "هذا السجال الحاد مرشح لأن يزداد توترا وتطرفا خلال الشهرين المقبلين. وأعمال العنف التي شهدتها شوارع بعض المدن الأميركية، من واشنطن العاصمة، إلى مينيابولس بولاية مينيسوتا، إلى بورتلاند بولاية أوريغون، وسياتل بولاية واشنطن، والتي لا تزال محدودة نسبيا، ومن المرجح أن تتفاقم أكثر، وخاصة إذا حاول الرئيس ترامب إرسال قوات أو عناصر فدرالية للتصدي لما يسميه الفوضويين والرعاع والمخربين. وهذا يعني أن مسألة صيانة "القانون والأمن"، التي يلوح بها الرئيس ترامب يوميا والتي استخدمها بفعالية خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في الأسبوع الماضي، سوف تهيمن على الانتخابات، حيث يرى ترامب ومسؤولين في حكومته، وبعض المحللين أن هذا الشعار سيعبئ قاعدته الانتخابية، ويخلق الخوف في أوساط بعض المستقلين ويدفعهم لانتخابه، وبالتالي سوف يخدمه في الانتخابات".
وكان مرشح الحزب الديمقراطي جوزف بايدن قد اتهم ترامب قبل مؤتمر الحزب الجمهوري بأنه يشجع على المزيد من العنف في الشوارع لأنه يرى فيه فائدة سياسية، بدلا من احتوائه، في حين قالت مستشارة الرئيس ترامب كيليان كونواي لشبكة التلفزيون فوكس إن "المزيد من الفوضى والنهب والعنف، سوف يوضح الخيار (بين المرشحين) حول من هو أفضل لصيانة الأمن العام".
وبعد مؤتمرين وطنيين للحزبين الديمقراطي والجمهوري طرحا فيهما رؤى متناقضة جذريا حول تاريخ وحاضر ومستقبل الولايات المتحدة، لم يعد هناك محرمات سياسية للمتطرفين اليمينيين واليساريين المسؤولين عن بعض أعمال الشغب والنهب وحرق الممتلكات العامة (اليسار المتشدد) وأعمال العنف بما فيها قتل متظاهرين مسالمين (اليمين المتطرف، كما رأينا في حالة المراهق كايل ريتنهاوس الذي ينتمي إلى احدى الميليشيات البالغ من العمر 17 سنة الذي قدم إلى مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن مسلحا ببندقية قتالية وأطلق النار على ثلاثة متظاهرين وقتل اثنين منهم)".

الخوف أصبح حقيقة!
ويقول ملحم: "ما كان يتخوف منه بعض المحللين والمؤرخين في الأشهر والأسابيع الماضية أصبح حقيقة، أي انتقال التوتر السياسي إلى أعمال عنف في الشوارع. الرئيس ترامب وبعض أقطاب الحزب الجمهوري إما رفضوا التنديد بهذا العنف اليميني، أو ألمحوا إلى قبولهم به، من خلال التنديد فقط بالتظاهرات التي ينظمها خصوم الرئيس.
النقطة الوحيدة التي التقى حولها الحزبان هي أن هذه الانتخابات الرئاسية هي أهم انتخابات منذ الحرب الأهلية، وأنها ستغير الحياة في الولايات المتحدة لسنوات عديدة. وهذه أول انتخابات تأتي وسط جائحة قاتلة منذ قرن من الزمن، كما تجري وسط أزمة اقتصادية حادة أدت إلى خلق جيش من العاطلين عن العمل يزيد عديده عن ثلاثين مليونا. وأخيرا سوف تجري الانتخابات خلال توتر سياسي وعنصري لم تشهد مثله البلاد منذ التوتر العنصري الذي شهدته كبريات المدن الأميركية خلال حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن العشرين، والذي صاحبه عنف أدى إلى حرق أحياء بكاملها في عدد من المدن الأميركية ومقتل المئات وخاصة في سنتي 1967 و1968.
كل العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من العنف في المدن موجودة بوفرة: ميليشيات يمينية مسلحة، عناصر يسارية متطرفة و"معادية للفاشية" ورئيس يشيطن خصومه ومستعد لاستخدام إجراءات متشددة خارج الأعراف والتقاليد ـ وبعض خصومه يتهمونه بالخروج على القانون ـ وهذا كله يجري على خلفية الجائحة والأزمة الاقتصادية.
البعض يبالغ ويتحدث عن حرب أهلية أخرى. ولكنني لا أعرف أي مؤرخ أميركي أو أكاديمي جدّي يتحدث عن حرب أهلية جديدة. ولكن هناك العديد من المحللين والمؤرخين الذي يتخوفون من أعمال عنف وشغب يمكن أن تحدث في الشهرين المقبلين. وهناك مخاوف جديدة من عنف وشغب يمكن أن تحدث بعد الانتخابات في الثالث من نوفمبر المقبل، وخاصة إذا لم تحسم الانتخابات بشكل قاطع ولم يفز أي من المرشحين بأغلبية كبيرة في الاقتراع الشعبي وأصوات المجمع الانتخابي".

سيناريوهات ومخاوف مشروعة
ويتابع ملحم قائلاً: "هذه المخاوف اكتسبت بعض الشرعية حين بدأ الرئيس ترامب في الأسابيع الماضية يقول في مقابلاته الصحفية إنه غير مستعد لإلزام نفسه مسبقا بقبول نتائج الانتخابات بعض النظر عن الفائز فيها، وخاصة على خلفية تشكيكه المستمر بنزاهة الانتخابات والادعاء بأنها ستكون مزورة، وهو الموقف الذي تمسك به قبيل انتخابات 2016 حين لم يتوقع الفوز بالسباق وأراد أن يبرر مسبقا خسارته. ويركز ترامب اتهاماته لنزاهة الانتخابات بالتذرع بأن الانتخابات التي سيشارك فيها الملايين من الأميركيين عبر البريد ـ بسبب تخوف المسؤولين المحليين عن الانتخابات من خطر جائحة كورونا ـ ستكون معرضة للتلاعب والتزوير، على الرغم من عدم وجود أدلة على ذلك، وعلى الرغم من أن الأميركيين يقترعون وبأعداد كبيرة عبر البريد.
ويرى عدد من الخبراء أن اقتراع الملايين من الناخبين عبر البريد، سوف يخدم المرشح الديمقراطي بايدن، لأن عدد الناخبين الذين يصوتون في مراكز الاقتراع سيكون أقل بكثير من الذين سيصوتون عبر البريد وخاصة المسنين من الرجال والنساء والاقليات أو العمال الذين لا يستطيعون عادة الانتظار لوقت طويل في مراكز الاقتراع، سوف يقترعون عبر البريد لجوزف بايدن.
مواقف ترامب دفعت بالقيادات الديمقراطية لمناقشة ما يمكن فعله سياسيا وقانونيا وقضائيا في حال رفض الرئيس ترامب مغادرة البيت الأبيض إذا فاز بايدن في الاقتراع الشعبي وفي المجمع الانتخابي ولكن ليس بأعداد ضخمة. وكشف مؤخرا، أن حوالي 80 شخصية ديمقراطية وجمهورية (ليسوا من مؤيدي ترامب) شاركوا في حلقات إلكترونية نوقشت فيها سيناريوهات عديدة يرفض فيها ترامب قبول نتائج الانتخابات. وقالت روزا بروكس الحقوقية التي تدرّس في جامعة جورجتاون والمسؤولة السابقة في وزارة الدفاع وإحدى منظمي الحلقات، "جميع السيناريوهات انتهت بأعمال العنف في الشوارع وأدت إلى طرق سياسية مسدودة". هذه سيناريوهات محتملة ومخاوف مشروعة حول قدرة الديمقراطية الأميركية على مواجهة مثل هذه التحديات السياسية الداخلية وسط جائحة قاتلة وأزمة اقتصادية خانقة".

"مفاجأة"!
في غضون ذلك، تستمرّ استطلاعات الرأي بخطف الأضواء قبيل الاستحقاق، حيث أظهر استطلاع للرأي نشر يوم الاثنين، أن الرئيس دونالد ترامب تلقى زيادة في التأييد بعد المؤتمر الجمهوري بين الناخبين من أصول إفريقية وشمل الاستطلاع الذي أجرته كلية إيمرسون 1576 ناخبا بين 30 آب و31 آب للتأكد من تأثير المؤتمرين الوطنيين الجمهور والديموقراطي على الرأي العام.
وتشير نتائج إيمرسون إلى أن ترامب يتخلف الآن عن نائب الرئيس السابق بفارق نقطتين مئويتين (49 في المائة إلى 47 في المائة). وأظهر استطلاع مماثل أجري في تموز أن المرشح الديمقراطي كان يتقدم على ترمب بنسبة 50 في المئة إلى 46 في المئة.
وكانت إحدى النتائج الأكثر إثارة للدهشة من الاستطلاع زيادة شعبية الرئيس ترمب بين الناخبين السود. وأظهر الاستطلاع أن بايدن حصل على 77 في المئة من التأييد بين السكان، مقارنة بـ 19 في المئة لترمب. وعلى الرغم من أن استطلاع إيمرسون لا يبدو أن لديه بيانات تقيس الدعم بين الناخبين السود في تموز/يوليو، إلا أن استطلاعاً مماثلاً أجرته مؤسسة زغبي أناليتيكس أظهر أن بايدن يتقدم على ترمب بنسبة 77 في المئة مقابل 14 في المئة لدى الناخبين السود.
وإذا كان الاستطلاع دقيقًا ، فإنه يطرح مشكلة كبيرة لبايدن وحزبه للانتقال إلى الانتخابات العامة. ويشير معظم الاستراتيجيين الديمقراطيين إلى تراجع نسبة مشاركة السود بين عامي 2012 و2016 باعتباره السبب الرئيسي لخسارة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قبل أربع سنوات.
وخلال ذلك السباق، حصلت كلينتون على 88٪ من أصوات السود، وفقًا لاستطلاعات الرأي. على الرغم من كونها مثيرة للإعجاب، إلا أن الأرقام كانت أقل بكثير من 93 في المائة التي حصل عليها الرئيس السابق باراك أوباما والذي كان في طريقه لإعادة انتخابه في عام 2012.

ولايات ديموقراطية
وكان التراجع الأكثر أهمية في ولايات ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن - الولايات التي ذهبت بفارق ضئيل بالنسبة لترمب في تلك الدورة بعد أن كانت ولايات ديموقراطية على المستوى الرئاسي لما يقرب من ثلاثة عقود.
على سبيل المثال، تشير البيانات الواردة من مكتب ميشيغان إلى أن كلينتون حصلت على 75000 صوت وهو أقل مما حصل عليه أوباما في عام 2012. وعلى الرغم من أن كلينتون فازت بالمقاطعة بهامش كبير، إلا أن الانخفاض في الدعم تسبب بخسارة كلينتون الولاية لصالح ترمب - الذي حقق نجاحات قوية مع ناخبي الطبقة العاملة البيض - بأكثر من 10000 صوت.
ويعتقد الكثيرون أنه إذا كان إقبال السود هو نفسه في عام 2016 كما كان في عام 2012، لكانت كلينتون قد فازت بالرئاسة، على الرغم من جاذبية ترمب الشعبوية للبيض ذوي الياقات الزرقاء.
وبالنظر إلى البيانات، بذلت حملة ترمب جهودًا متضافرة لتوسيع الدعم بين المجتمعات الملونة قبل الانتخابات العامة. على هذا النحو ، استثمرت حملة إعادة انتخاب الرئيس موارد كبيرة في التواصل مع الناخبين السود. وخصص الحزب الجمهوري أيضًا جزءًا كبيرًا من الوقت في مؤتمر الترشيح لتسليط الضوء على عمل الإدارة لصالح الأشخاص الملونين.