وقال آدم أبو صلاح (19) عاماً: "لوقت طويل شعر المسلمون بالتعصب والعنصرية وأن مساهمتنا في المجتمع لم ينظر إليها بنفس الطريقة التي نظر فيها لمساهمة بقية المجتمعات". وقال أبو صلاح إنّ ذلك الوقت قد انتهى لأن الشباب المسلم باتوا يضعون مسيرتهم العملية التقليدية مقابل الانخراط في النشاط السياسي. وقال مخاطبا الحضور وهم خليط من لبنانيين وفلسطينيين وإيرانيين ويمنيين: "كان انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجرد سكّر على الكعكعة"، مضيفاً: "قال المسلمون لن نكون فقط مهندسين وأطباء بل وصحافيين وصناع سياسة".
وناقش الحضور فعالية التصويت للرئيس ومقارنة التصويت لحزب أو المشاركة في التواصل مع المجتمع ومسيرات الشوارع.
وقالت مشهدي عاصي (35) عاماً، المهاجرة اللبنانية التي دعمت المرشح الديمقراطي، بيرني ساندرز، إنّ تجربتها مع المجتمع المسلم أعطتها صورة عن نظرتهم إلى قوة صوتهم وأنه لا يمثل شيئاً. وكيف ساعدت 10 من أصدقائها على التصويت في الانتخابات الأولية.
وقالت: "أصبح المسلمون مشاركين منذ 2016، حيث أصبحوا أكثر وعياً بهويتهم"، في إشارة للقرار المثير للجدل في 2107 الذي علق دخول المهاجرين من عدة دول مسلمة.
وتشير الصحيفة إلى مشاركة متزايدة للمسلمين خاصة بين الشباب وفي مناطق تقع جنوب - شرق ميتشغان الذي يعتبر أقدم المجتمعات المسلمة في البلاد.
وقبل 4 أعوام فاز ترامب بالولاية بنسبة لا تزيد عن 11.000 صوتاً. وشهدت الولاية زيادة بنسبة 19 نقطة في مشاركة المسلمين بالفترة ما بين 2014-2018 وذلك حسب بيانات "إيمغيغ" وهي مجموعة تركز على أشكال تصويت المسلمين. ويقول المحللون إنّ المسلمين في ميتشغان قد يلعبون دوراً حاسماً في انتخابات هذا العام إذا شاركوا بأعداد كبيرة.
وتعكس مشاركة المسلمين في التصويت زيادة في عدد المسلمين الذين يتولون مناصب عامة، كسياسيين في مؤسسات الولاية، بدءا من مجالس إدارة المدارس إلى مجلس النواب.
وبدأ المسلمون والعرب بالوصول إلى منطقة مترو ديترويت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للعمل في مصانع معروفة مثل "ريفر روج كومبليكس" التابعة لشركة "هنري فورد".
ومن 43.000 مواطن في ديربورن يقول كثيرون إنهم من أصول عربية، معظمهم من لبنان والعراق واليمن والمناطق الفلسطينية، وذلك حسب مكتب الإحصاء الأمريكي 2018. وهناك من يرى أن العدد أعلى، بنسبة 60% من سكان ديربورن جاؤوا من أصول عربية. وليس كل العرب مسلمين لكن غالبيتهم في ديربورن حيث أقيم فيها أكبر مسجد في شمال أمريكا وتقام الصلاة فيه منذ قرن تقريبا.
وكانت ديترويت هي المكان الذي ظهرت فيه حركة "أمة الإسلام" على يد والاس فارد محمد عام 1930. وبشكل عام، يمثل المسلمون السود نسبة خُمس المسلمين في كل أميركا حسب "مركز أبحاث بيو". وفي ديربورن ليس من غير المألوف سماع المارة في الطريق وهم يمزجون في حديثهم بين العربية والإنكليزية. فمجرد قيادة السيارة في طريق شيفر فإنك ستمر بحلويات المصري وبقالة السعادة والغدير قبل أن تصل إلى مقهى هاوس حيث عقد فيها الاجتماع.
وتقول ندا الحانوتي، المديرة التنفيدية لـ"إيمغيغ": "يعيش في ميتشغان عدد متنوع من المسلمين.. بدأت حركة أمة الإسلام في ديترويت، ولدينا مجتمع باكستاني ومجتمع هندي ومجتمع عربي أميركي".
وفي العقود التي شهدت الحرب الأهلية اللبنانية والثورة الإيرانية واضطرابات أخرى كان الافتراض أن اللاجئين إلى الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذين يعيشون في ديربورن وويست وود لوس أنجلوس، يركزون بشكل رئيس على القضايا التي تهم أوطانهم الأصلية. لكن ما يسيطر على تفكير الكثير من الناخبين في هذا الخريف ليس القضايا المستعصية في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأمريكية، لكن مزيج من القضايا المحلية، بما في ذلك تلوث الهواء ومعدلات الربو، خاصة في المناطق الصناعية في جنوب ديربورن حيث يعيش عدد كبير من اليمنيين، وزيادة مظاهر القلق الصحية بسبب "كوفيد- 19".
وينسب قادة المجتمع الاهتمام المتزايد للمشاركة في الحياة العامة لانتخاب ترامب وحملته المعادية للمسلمين وسياساته من الهجرة. ولكنهم يضيفون سببا آخر هو زيادة العمل الشعبي داخل المجتمعات المسلمة والتواصل المتزايد بين قطاعات ونضج أبنائه. ومع أن نسبة المسلمين لا تتجاوز 1% من العدد الإجمالي للسكان إلا أن مشاركتهم وأصواتهم يمكن أن تحدث فرقا في انتخابات تنافسية قريبة.
ويقول الناشطون إن دعم المسلمين في ميتشغان ساعد على تقدم ساندرز في الترشيحات للحزب الديمقراطي عام 2016 وجعلوه متقدما على هيلاري كلينتون. ويقول كرم دانا، الأستاذ المشارك في شؤون الشرق الأوسط بجامعة واشنطن: "يقف المسلمون الأميركيون بالتأكيد أمام منعطف، وتقاطع كبير حول موقعهم في أميركا". ويقول يوسف شحود، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة كريستوفر نيوبورت إن مشاركة الناخبين المسلمين تعود للنشاط الذي تقوم به المنظمات العربية والإسلامية التي تحاول التواصل والتعليم. وقال: "أعتقد أن ما شاهدناه هو بذر البذور المؤسسة للوعي السياسي المسلم ولسنوات قادمة". ويضيف أن الهوية السياسية للمجتمع المسلم ناشئة، ففي ميتشغان، يشارك المسلمون في انتخابات ومنذ عقود، لكن في ولايات أخرى من الصعب صعود السلم. وقال المدير التنفيذي لمكتب كير في ميتشغان، داوود وليد: "كان عدد المسلمين الذين ترشحوا للمناصب العالية كبيرا في أثناء ولاية جورج دبليو بوش، وهو في زيادة مضطردة منذ ذلك الوقت"، مضيفاً: "هذا نضج طبيعي للمجتمع المسلم مثل بقية المجتمعات في العقود السابقة".
وتعتبر منطقة المترو في ديترويت غنية بالتاريخ السياسي للمسلمين، ولكنهم لم يشعروا بالحماس لدعم مرشح بعينه إلا في 2016 كما تقول الحانوتي . و"أول مرشح تحمسنا له كان عبد الله حمود، في إشارة لأول مسلم انتخب ليمثل المنطقة الخامسة عشرة في ديربورن في مجلس نواب الولاية عام 2017. وفي الانتخابات النصفية في 2018 التي انتخبت فيها رشيدة طليب لمجلس النواب، ودفع المسلمين للتصويت بأعداد كبيرة. وطليب، 44 عاما ابنة مهاجر فلسطيني هي واحدة من أربع نائبات ديمقراطيات إلى جانب ألكسندرا أوكاسيو كورتيز وأيان بيرسلي وإلهان عمر وشكلن مجموعة تقدمية في الانتخابات النصفية وتعرف بـ"الفرقة".
وعندما رشح جورج بوش نفسه في عام 2000 بدا الحزب الجمهوري المكان الطبيعي للمسلمين. ودعت مجموعة من المنظمات الإسلامية للقاء مع بوش والمرشح الديمقراطي آل غور لمناقشة إمكانية شمل مرشحين مسلمين. وبحسب حسين عيلوش، المدير التنفيذي لمكتب كير في لوس أنجلوس الكبرى فقد قبل بوش الدعوة ولم يستجب آل غور. وبحسب دراسة في ذلك الوقت فقد صوتت نسبة 80% من المسلمين لبوش مضيفا: "لقد تغيرت الأمور، فبعد 9/11 صدر قانون الوطنية وحدث تحول كبير في السياسة الخارجية الأمريكية وأسوأ من الماضي". ثم جاء أوباما الذي أظهر للمجتمع أنه "يمكنك أن تكون مختلفا عن التيار الرئيس وتفوز"، وقال عيلوش إن أوباما جلب معه إلى البيت الأبيض نبرة تشمل الجميع.
وقالت الحانوتي: "لقد شعرنا بهذا في الانتخابات الأولية.. كنا مجموعة كبيرة من النساء المسلمات والأجداد الذين تجمعوا في قاعة البلدية في يوم الانتخابات وصوتنا لبيرني ساندرز". وقام عدد من المرشحين الديمقراطيين بزيارة المساجد والحديث مع المسلمين لكن بيرني ساندرز ذهب أبعد من زيارة المسلمين وعين مسلما رئيسا لحملته، مسلم أمريكي فلسطيني. وقالت الحانوتي: "لم يزر أوباما مسجدا في ولايته الأولى نظرا لاتهامه بأنه مسلم، وانتظر حتى ولايته الثانية"، أما ساندرز "فما هو مدهش أنه عقد تجمعا في ساوث إند مع المجتمع اليمني". وقالت وهي تغالبها الدموع: "كان جميلا وهو ما كنا نتوق إليه، وهذا ما نريده، وما نريده هو المساواة".
وأضافت: "أمر واحد أدى لمشاركة العرب والمسلمين الأميركيين هي فلسطين. وحقيقة اعترافه بحقهم بالوجود لعب دوراً في دعم بيرني". ومع خروج ساندرز من السباق يخطط المجتمع لدعم المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن مع أنه لم يكن الخيار الأول.
وحاول بايدن وفريقه التقرب من المسلمين من خلال القمم الافتراضية وجمع التبرعات والاتصال بقادة المجتمع. وعين بايدن مستشارا لشؤون التواصل مع المسلمين. وخصص صفحة على موقعه أسماها "أجندة للمجتمعات العربية والمسلمة الأميركية".
وحذر كريم علي، مدير "المركز الإسلامي في ديربورن" الديمقراطيين من التعامل مع أصوات المسلمين كأمر مفروغ منه. وقال إن الصوت المسلم ليس متجانسا، فهو لا يميل فقط للديمقراطيين بل هناك من قد يصوت للجمهوريين في الانتخابات المحلية أو الولاية. وقال علي (60) عاماً وهاجر من لبنان إلى الولايات المتحدة قبل 40 عاماً: "نحن مجتمع لا يمكن تجاهله كما في الماضي لأننا حصلنا على موقع في كل مجالات الحياة السياسية.. هذه المرة سيكون لنا أثر فعال".