خبر

“الجيوش الإلكترونية” الوهمية تهدد ناشطين عراقيين


يشكو أحد الناشطين البارزين في المدينة خطورة التهديدات التي يتعرض لها بعض الناشطين العراقيين عبر الجيوش الإلكترونية، بعد ‏حملة تشهير ممنهجة تسبق التهديدات قائلا، “تم تهديدي بحرق منزل والدتي في الموصل وقتل شقيقي وتصفيتي”.

والجيوش الإلكترونية هي مصطلح يطلق على مجموعات مدربة تعمل وفق أجندات خاصة وتهدف إلى التأثير على الخصوم، والترويج لوجهة نظر معينة، وإسكات وتشويه سمعة المناوئين، إلى جانب ترويج الإشاعات والأكاذيب وخلق البلبلة، عبر حسابات بأسماء وهمية تدار عن طريق روبوتات “Bots”.

وأضاف الناشط، الذي رفض الكشف عن هويته لدواع أمنية أنّه “تم اتهامنا بالعمالة والتشهير بأسمائنا وذلك لإيجاد حجة قوية لتصفيتنا”.

ومؤخرا، يواجه ناشطون وصحافيون في العراق حملة من الاتهامات والتهديدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات وهمية ومجهولة الهوية، تحمل صور شخصيات معروفة وفصائل منطوية تحت “الحشد الشعبي”.

وقال “الناشط الموصلي” إن “غالبية الرسائل تصل من حسابات تحمل صورة القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أو لعلم كتائب حزب الله، فضلاً عن اتصالات نتلقاها لتبشيرنا بالقتل على حد قول المتصل”.

وتستفيد الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية في العراق من “الجيوش الإلكترونية” أو كما يسميه البعض “الذباب الإلكتروني”، من أجل الدعاية والتسويق، وأيضاً توجيه الانتقادات وشنّ حملات ترهيب وتهديد لكم أفواه المعارضين. فما هي طبيعة هذه الجيوش؟ متى تم تأسيسها في العراق؟ وكيف تدير عملياتها؟

ذكر الصحفي الاستقصائي رياض الحمداني، أنّ “أول ظهور لفكرة الجيش الإلكتروني كان عام 2010 عبر فايسبوك كونه الأكثر انتشاراً واستخداماً في العراق، وكانت نشأتها على يد الحزب الإسلامي وحزب الدعوة الذي كان يدير البلاد منذ عام 2003، وذلك بهدف تهديد الصحفيين بالتصفية أو القتل”.

واعتبر الباحث بالشأن السياسي العراقي غانم العابد، أنّه “يتصور البعض بأن موضوع الجيوش الإلكترونية في العراق تزامن مع تفجر الاحتجاجات الشعبية في البلاد، مطلع تشرين الاول عام 2019، أو أنها مرتبطة بمليشيا واحدة، ولكنها للحقيقة تعمل وفق إدارة وإشراف مباشر من قبل الحرس الثوري الايراني ويعود زمن تأسيسها إلى عام 2014 وتحديداً بعد سيطرة داعش على المحافظات الغربية والشمالية من العراق”.

وأضاف أنّه “في إطار الحرب مع داعش، قامت طهران بتأسيس منظومة جيوش إلكترونية تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر على كل مواقع التواصل الاجتماعي والهدف هو دعشنة كل معارض لسياسة إيران واظهاره بصورة المتعاطف مع التطرف والإرهاب”.

ولفت إلى أنّ “هذه الطريقة التي اعتمدتها إيران وقواتها في العراق على المنصات وأصبحت تعمل وفقاً لهذه الخطة، كما اعتمدت في تلك الفترة الجيوش الإلكترونية التي تديرها لتكذيب وطمس الجرائم والمجازر التي قامت بها ضد المدنيين والأبرياء”.

وبحسب خبير تقني عراقي، فإن كبرى الحسابات المؤثرة والموالية لإيران وقواتها في البلاد تدار عبر الجيوش الإلكترونية، وأوضح أن ما يحصل هو “توجيه الهاشتاغ الأساسي من القناة المؤثرة نفسها، بعد ذلك يأتي عمل مجموعات تحتوي على الآلاف من الأعضاء الافتراضيين، حسابات وهمية، ويتم التداول بهذا الهاشتاغ عبر هذه الحسابات بكثرة، اذ لكل شخص فعلي 10 حسابات وهمية على الأقل ويقوم بنشر 10 تغريدات على الاقل بالساعة، وهكذا تكون هناك 100 تغريدة من قبل شخص واحد فقط خلال ساعة”.

وهنا يؤكد العابد أن “هذه الجيوش تدار بشكل مؤسسي ومنظم، ويتجاوز عد حساباتها الـ20 ألفا تنشر أفكار وتوجيهات المليشيات”.

وشدد الناشط والمدون العراقي، سيف الدين علي، على أنّ “جميع المسؤولين في القنوات والحسابات يتقاضون رواتب عالية جداً، علماً أنّ اجتماعات الجيوش الإلكترونية المهمة تتم في مقرات قنوات فضائية تابعة ومدارة من قبلهم”.

ولفت علي إلى أنّ “غالبية الحسابات التي تحرض على القتل والطائفية تحمل صورة محمد محمد صادق الصدر أو صورة أبو مهدي المهندس وتحمل شعارات 313 أو تحمل اسم الحشد الشعبي، والعديد منها بأسماء تزعم أن سيدة وراء الحساب على سبيل المثال: بنات الحشد، بنات المقاومة، بنات الشايب”.

وأضاف أنّ “بعض الحسابات التي تحرض على قتل ناشطين وتفجير منازلهم تتخذ أسماء مرتبطة بمقتدى الصدر، وأبرزها صفحات درع آل الصدر الإلكتروني، كروب ولد محمد الصدر، منظومة الدفاع عن آل الصدر”.

يذكر أنّ زعيم التيار الصدري، كان أول من دعا بشكل علني إلى تشكيل مجموعة من المدونين للعمل ضمن “المشروع الإصلاحي” عبر التدوين على “فيسبوك”، وذلك في ايلول 2019.

وانتشرت حينها، صورة لكتاب رسمي صادر عن المكتب الخاص بالصدر، ليكن أول “جيش إلكتروني إصلاحي” يتم تبنيه رسمياً من قبل شخصية دينية او سياسية في البلاد.

وعن تدريب عناصر الجيوش الإلكترونية، كشف الحمداني  أنّ “الفصائل الموالية لإيران تعتمد على جيش منظم يضم مجموعة من الخبراء المدربين في لبنان، على يد حزب الله، لإنشاء محتوى وحملات منظمة هدفها فرض المزيد من السيطرة والحدّ من الأصوات المعارضة من خلال ترهيب وتهديد الناشطين”.

وأوضحت مصادر أنّ “المدعو ك.ه” (خبير تقني من حزب الله)، قام بتدريب حوالى ألف شخص لمدة 8 شهور بين عامي 2017 و2018، في أحد القواعد العسكرية في بغداد، على إدارة الجيوش الإلكترونية وأطلق حينها على هذه المجموعة اسم جيش المقاومة الإلكتروني”.

وأضافت المصادر أنّه “تم تنظيم امتحان للمتدربين لاختيار أكثرهم مهارة، والذين أرسلوا فيما بعد إلى إيران لتدريبهم على خبرات تقنية أخرى أبرزها قرصنة الحسابات، وإيقاف حسابات وصفحات المدونين والناشطين”، مشيرةً إلى أنّ “خبير حزب الله سبق ونظّم تدريبات في جمعية مقرّها المغرب، تزعم أنها تكافح الجريمة الإلكترونية وترشد حول عدم الوقوع كضحايا للمجرمين الإلكترونيين”.

وكان تحقيق أجرته صحيفة تلغراف البريطانية، في آب 2020، كشف عن قيام حزب الله اللبناني بتدريب الآلاف من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي المدعومين من إيران، لإنشاء ما يسمى “الجيوش الإلكترونية” في جميع أنحاء المنطقة.

وأفادت الصحيفة أنه منذ عام 2012، يقوم حزب الله بتنظيم دورات لتعليم المشاركين كيفية التعامل مع الصور رقميًا، وادارة أعداد كبيرة من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المزيفة، وإنشاء مقاطع فيديو.

ونقلت الصحيفة عن “محمد”، وهو شاب عراقي شارك في التدريبات، أن “مبنى التدريب من الخارج يبدو متهالكاً لكنه من الداخل مليء بأدوات التكنولوجيا المتقدمة”، مشيراً إلى أن “مدة الدورة استمرت 10 أيام وطلب منه عدم التحدث مع أحد، كما تمت مراقبة الطلاب بواسطة الكاميرات طوال فترة بقائهم في بيروت”.

وعن الطريقة المتبعة في كل مرة تهدد المليشيات الناشطين، أشار الناشط سيف الدين علي، إلى أنّ “التحريض على القتل يتم بداية باستهداف الشخصيات عبر حملات منظمة ضدهم، للتأثير على الأنصار  وتشويه سمعة المُستهدف، ويأتي بعد ذلك الاستهداف الجسدي ، عبر التصفية أو إحراق المنزل، يلي ذلك إعادة نشر المنشورات القديمة التي تهدف إلى عدم التعاطف مع المُستهدف”.

وتابع أنّ “الجيوش الإلكترونية تركز بعد ثورة تشرين على الطائفية من خلال دعم هاشتاغات فتنوية تهدف لتشتيت الصفوف العراقية التي وحدتها ثورة تشرين”.

ولفت إلى أنّه “في الفترة الأخيرة يتم التحريض على الناشطين من خلال نشر قوائم تحمل أسمائهم مع رسالة تقول إنه يجب تنظيف العراق من العملاء والخونة الذين يريدون تخريب العراق، كما ورد إسمي في جميع تلك القوائم”.

مع دخول العراق عام 2021، تلوح في الأفق أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد وانخفاض أسعار النفط.

وعن تنامي ظاهرة الجيوش الإلكترونية وازدياد دورها وأثرها على أرض الواقع، اعتبر المدون علي، أنّه “بعد ثورة تشرين جميع الجيوش الإلكترونية التابعة للجهات السياسية اتحدت على أمر واحد، وهو اسقاط ثورة تشرين وترهيب الناشطين، بل والتحريض على قتلهم وتبرير قتلهم حتى”.

وأضاف أنّ “أول التهم التي أطلقتها الجيوش الإلكترونية التابعة للقوات المسلحة وللأحزاب السياسية هي العمالة لأميركا، إذ روّجوا لفكرة تمويل الثورة من قبل أميركا”.

ولفت العابد إلى أنّ “طريقة دعشنة سنة العراق طبقت على شيعة العراق الذين يمثلون الغالبية العظمى من متظاهري تشرين، بنفس طريقة التسقيط، لكن بما أنّهم من أتباع المذهب الجعفري ولا يمكن دعشنتهم جرى اتهامهم بالعمالة للسفارة الأميركية، فكان كل ناشط في هذه المظاهرات يتم اتهامه بأنّه مدعوم من واشنطن أو مرتبط بها، وذلك لإيجاد المبرر لاغتيالهم”.

وذكر أنّ “النقطة التي دائماً ما يركز عليها الجيش الالكتروني هي افتعال مشاكل طائفية عبر التهجم على المقدسات السنية، بانتظار أن يرد شخص سني على هذا التهجم لإحداث شرارة فتنة”.