خبر

كواليس فيينا ونووي إيران

لم تمض أشهر كثيرة على تجربة فيينا المريرة مع الدبلوماسي الإيراني المسجون أسد الله أسدي، الذي كان السكرتير الثالث في السفارة الإيرانية في العاصمة النمساوية، عندما حمل معه قنبلة في حقيبته الدبلوماسية من طهران.

ولكنها أشهر تبدو عقودا بالنسبة لفيينا التي تخطت على ما يبدو هذه الأزمة الدبلوماسية مع إيران، وهي الآن تحتضن بحرارة تُناقض برودة جوها، وفدا إيرانيا رفيعا منذ أسبوع ضمن محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة لبحث العودة للاتفاق النووي؛ وتؤمن له حماية من الشرطة ومواكبة أمنية أينما حل.

واختار الوفد الايراني “قاعدة” لعملياته في فيينا، أحد الفنادق الفخمة وسط العاصمة، قريبا بشكل كاف من الفندق الرئيسي الذي يحتضن المفاوضات غير المباشرة مع الأميركيين. ولكنه ليس ملاصقا له. فالإيرانيون يتجنبون الالتقاء وإن صدفة، بالوفد الأميركي الذي أخذ من فندق مقابل الفندق الرئيسي للمحادثات، مقرا له.

وللوصول إلى هناك، يركب الوفد الإيراني سيارة سوداء بحماية الأمن النمساوي، والشرطة، ويقود دقائق قليلة تفصله عن الفندق الرئيسي حيث يقبع الأوروبيون.

وأمام “سكن” الوفد الإيراني، شرطي واحد على الأقل يداوم على المدخل. وسيارات سوداء بحراس نمساويين، على الأرجح من المخابرات، يرافقون الوفد الإيراني في تنقلاته.

من هذا “السكن” المؤقت يدير الوفد الإيراني برئاسة عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية، معظم لقاءاته.

كذلك، حجز الوفد جميع قاعات الفندق التي تستخدم عادة للاجتماعات، في الطابق الأرضي، ما يشير إلى أنه يعقد عدة اجتماعات في آن.

إضافة إلى ذلك، حجز لنفسه غرفة مستقلة لتناول الفطور، يستخدمها للإفطار منذ بداية رمضان. وأمام مدخل الغرفة، لوحة صغيرة كتب عليها مع إشارة نحو الباب: “السفارة الإيرانية”.

لا يدلي الوفد الإيراني هنا بمقابلات إلا للصحافة الإيرانية الرسمية. صحافيو “برس تي في” يجلسون في الردهة بانتظار تسجيل تصريح من عراقجي أو السفير الإيراني للمنظمات الدولية في فيينا كاظم غريب أبادي.

وغالبا ما تكون المقابلة بالفارسية، إلا أن عرقجي يتحدث مرات قليلة بالإنجليزية لضمان انتشار تلك التصريحات وتداولها وإيصال الرسائل التي ينبغي إيصالها.

كما يمكن أحيانا انتشال بضع كلمات من عراقجي حول سير المحادثات، لكن غريب أبادي الذي يبدو كظله أينما تواجد صحافيون، سرعان ما يستنفر، ويحرص على قطع الحديث بسرعة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن “قلعتهم” الحصينة هذه بعيدة عن تظاهرات المعارضين الإيرانيين الذين على ما يبدو لا يعرفون مكان إقامة الوفد الإيراني، ولا يتجمعون بالتالي إلا أمام الفندق الذي تنعقد فيه المشاورات الرسمية.

ومن هناك يهتفون ضد “نظام الملالي”، كلما خرج الوفد الإيراني أو دخل إلى الفندق.

ففي أول الاجتماعات، صاحت إحدى السيدات واصفة مسؤولي بلادها بالخونة، ليأتيها الرد من غريب أبادي باستخدام كلمة فارسية نابية طالبا منها أن تخرس.

وفي وقت تعيش فيينا إغلاقا تاما وحتى حظر تجوال مساء، بسبب فيروس كورونا، وجدت الحكومة النمساوية طريقة لضمان سلامة المشاركين في المفاوضات، فهي قدمت لهم فحص كورونا يوميا، يجري داخل الفندق الرئيسي للمفاوضات، للراغبين بالخضوع له.

كما منعت الصحافيين من دخول ذلك الفندق، حرصا على سلامة المشاركين.

علما أن فنادق فيينا مقفلة أصلا أمام السياح، ولا تستقبل إلا الزوار الذين يأتون بهدف العمل، ما قلص من الهم الأمني للشرطة النمساوية في حماية الوفود الموجودة.

إلى جانب الوفد الإيراني الذي يتحدث بشكل دوري لإعلامه عن سير المفاوضات، فإن السفير الروسي للمنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف، هو الحليف الوحيد للصحافيين الموجود هنا.

فهو نشط جدا على صفحته على تويتر، وينقل أجواء يومية حول سير المفاوضات، في وقت ترفض البعثة الأوروبية منسقة الاجتماعات حتى الكشف عن عقد اجتماع رسمي إلا قبل ساعات قليلة.

وبات لقب المتحدث الصحافي للبعثة الأوروبية في فيينا آلان ماتون هو “سفنكس” أو “أبو الهول”، وهو تعبير يستخدم لوصف أي امرئ هادئ لا يتحدث إطلاقا.

وقد أطلقه عليه صحافي نمساوي من صحيفة “دي بريسه” اليومية، معتبراً أن عمله يبدو فقط “عرقلة عمل الصحافيين” عوضا عن مساعدتهم. غير أن هذا اللقب لا يبدو أنه أزعج ماتون، الذي ضحك وهو يخبر قصته.

وفيما لم يخرج أي تصريح عن البعثة الأميركية الموجودة في فيينا، منذ وصولها الخميس الماضي، وخرج القليل القليل من البعثات الأوروبية، وأكثر قليلا عن السفير الصيني، تحول أوليانوف إلى “المتحدث غير الرسمي” كما سماه أحد الصحافيين، للمحادثات غير الرسمية الجارية.

وإضافة إلى تغريداته المنتظرة، تحدث أوليانوف بإسهاب للعربية عن سير الاجتماعات في مقابلة عبر سكايب، بين اجتماعاته الكثيرة.

وعلى الرغم من حديثه بإيجابية عن إمكانية توصل المباحثات لشيء ما خلال شهر، فهو بدا أيضا حريصا على ذكر العراقيل الكثيرة التي أشار إلى أنها ما زالت موجودة.

وأضاف، “هناك نقاط خلافية بالعشرات يستمر التفاوض حولها. وحتى إن نقطة الخلاف الرئيسية حول من يأخذ الخطوة الأولى، الولايات المتحدة أو إيران، ما زالت مسألة لم يصل إليها النقاش بعد حتى. وختم قائلا: “هي مسألة أسابيع أو أشهر، لا يمكن لأحد التنبؤ بذلك”.

وقال أوليانوف أمس الاثنين “إن الحلول العملية لا تزال بعيدة المنال، لكننا انتقلنا من الكلام العام إلى الاتفاق على خطوات معينة نحو الهدف”.

ويبقى المؤكد حتى الآن أن فيينا ستبقي أبوابها المغلقة أمام كورونا، مفتوحة أمام إيران ومحادثات إحياء الاتفاق النووي.