كتبت تالا الحريري في لبنان الكبير:
74 عاماً من السلب والهدم والقتل والإخلاء القسري... ومن الانتهاكات الممنهجة بحق أهل الأرض وناقلي صور الاعتداءات المستمرة على الفلسطينيين. فالحياة اليومية في فلسطين تتمثل في تشييع جنازات وحمل نعوش ورشق العدو الاسرائيلي بالحجارة لمجابهة رصاصه.
أن تكون صحافياً ليس أمراً سهلاً، فعليك أن تدرك حجم المسؤولية التي تحملها لنقل صوت الناس إلى العالم، عدم النوم لأيام أثناء تغطيتك الأحداث والحروب، العمل في البرد والحر، وتحت الرصاص والقصف... أن تدرك أن الموت حاضر في أي لحظة، فالعمل الميداني يزداد صعوبة في الأزمات ويصبح الجهاد الصحافي أولوية المراسل. أن تكون صحافياً أي أن تحارب وأنت أعزل من دون أن تهاب الرصاص، فكيف إذا كنت صحافياً فلسطينياً؟
"على الرغم من الخطر كنا نصر على مواصلة العمل، في اللحظات الصعبة تغلبت على الخوف، ليس سهلاً ربّما أن أغيّر الواقع لكن على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم - شيرين أبو عاقلة".
من إغتيال مراسلة "الجزيرة" شيرين أبو عاقلة التي صنعت تاريخاً صحافياً على مدى 25 عاماً رسخ في عقول الكثيرين عبر تغطية الأحداث في الأراضي الفلسطينية وفضح ممارسات العدو الاسرائيلي، وصولاً إلى اغتيال الأسيرة المحررة الصحافية غفران رواسنة برصاصة إخترقت صدرها بعد محاولتها طعن أحد الجنود الاسرائيليين.
إغتالوا شيرين وهاجموا بيتها، حاولوا رمي نعشها، واعتدوا على قبرها ولا تزال حتى الآن فكرة تدوال إسمها ترعبهم. لم يستطيعوا القضاء عليها بقتلها، حاولوا جعلها عبرة لغيرها لكن ذلك لم يوقف أي صحافي في فلسطين، وعادوا بمحاولاتهم لقمع جنازة غفران وأطلقوا النار على المشيعين.
محاولات اسرائيل مستمرة لكتم صوت الحق وقمع الكلمة... من دون أن ننسى التعدّي المباشر الذي تعرضت له مراسلة قناة "فرانس 24" ليلى عودة بإلقاء قارورة ماء على رأسها وشتمها. "هكذا قُتلت شيرين أبو عاقلة"، قارورة الماء التي أصابت رأس ليلى أعادت الى ذاكرتها الرصاصة التي إخترقت أسفل رأس شيرين.
بعد مقتل أبو عاقلة بات الكيان الصهيوني يمارس أساليبه الوحشية على الصحافيين علناً وكأنّه يحذّر كل من يشارك في تشويه سمعته ونقل الصورة المسيئة اليه من أنه سيُقتل، قبل أن يصل الاسعاف حتى... وكما عرقل وصول "الهلال الأحمر" لإنقاذ أبو عاقلة، فعل ذلك مجدداً لمدة 20 دقيقة لمنعه من إنقاذ رواسنة.
إستشهاد 3 صحافيين آخرين خلال العدوان على قطاع غزة هم محمد شاهين، عبد الحميد الكولك ويوسف محمد أبو حسين، الاعتداء على مراسلة "الجزيرة" جيفارا البديري وإعتقالها من حي الشيخ جراح، استهداف 10 صحافيين منهم نسرين العبد وفادي ياسين بالأعيرة المطاطية التي أصابت المنطقة العليا من جسديهما (الرقبة)، قصف 33 مقراً صحفياً في قطاع غزة منها ما دُمّر كليّاً، الإقتحامات المستمرة لقبة الصخرة في المسجد الأقصى ومنع التغطية، كلّها أساليب لسياسات إسرائيل العدوانية والمستبدة.
وحسب المركز الفلسطيني للحريات والتنمية "مدى" هناك 55 شهيداً صحافياً منذ العام 2000 و368 إنتهاكاً في العام 2021 منها 155 مباشراً بين إصابات وقتل. 16 صحافياً في سجون الاحتلال منهم بشرى الطويل ومحمود عيسى المسجون منذ 1993، الصراعات المستمرة منذ نكبة 1948 وصل فيها عدد الأسرى في سجون الاسرائيليين إلى 4450 أسيراً وفقد ما يزيد عن 100 ألف فلسطيني حياتهم من بينهم 11358 منذ إنطلاق إنتفاضة الأقصى في أيلول 2000 حتى 30 نيسان 2022. الانتهاكات خلال شهر نيسان طالت 21 صحافياً والاعتداءات الجسدية شكلت ما مجمله 34%.
وختاماً، تمثل إحتفال الصهيونية الدينية بعنصريتها في مسيرة الأعلام الاسرائيلية التي نفذت الأحد في باحات المسجد الأقصى. وهذه المسيرة تقام في يوم أورشليم "القدس" الذي تحتفل به إسرائيل في ذكرى سيطرتها على القدس الشرقية في حرب العام 1967. وأتى هذا الحدث السنوي في وقت يشهد توترات شديدة بعد أشهر من الحوادث المميتة، ولم يخل أيضاً من التعديات على المواطنين والصحافيين في الدرجة الأولى وعرقلة تغطيتهم.
يبقى أهل الأرض وأصحاب السيادة متشبثون بأرضهم، لا يساومون على بلادهم مهما اشتدت الويلات، بل يقاومون باللحم الحي. أسماؤهم زرعت في عقول الاسرائيليين كوابيس سيواجهونها لكنهم لن يتغلبوا عليها.
أخبار متعلقة :