عماد الشدياق نقلاً عن "عربي21"
أن ترفض الحكومة الكازاخستانية الاستفتاءات التي ضمّت المناطق الأوكرانية الأربع إلى روسيا، فهذا أمر قد يبدو مزعجاً لروسيا، لكنّه مفهوم في اعتبارات الدول ومصالحها وسيادتها في قراراتها الخارجية. إلاّ أنّ ما لا يبدو مبرراً أو مفهوماً بالنسبة إلى موسكو، هو ازدواجية المعايير التي تمارسها السلطات الكازاخستانية تجاهها، والتي بدأت تهدّد بقرب انهيار العلاقات بين أهم حليفين دفاعيين وتجاريين وثيقين، منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.
في الظاهر، تُبدي آستانة تمسّكها بنسج علاقات طيبة ووثيقة مع موسكو، فتمنع مواطنيها من القتال في أوكرانيا ضد الروس، وتعلن أن سفير أوكرانيا لديها غير مرغوب فيه وتطرده، وترفض التصويت على قرار للأمم المتحدة الذي يتيح للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلقاء خطاب مسجل، وتشارك كذلك في مناورات منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" وفي المناورات المتعددة الجنسيات برعاية روسية.
لكنّها في السرّ، تنكث بوعود سبق أن قطعتها لموسكو، وتواصل بيع الأسلحة للجيش الأوكراني.. وهو من بين أبرز المواقف التي تدلّ على احتمال تراجع العلاقات بين البلدين. إذ تكشف وثائق سرّية مسربة، حصول كييف على أسلحة سوفييتية من كازاخستان، وذلك بواسطة شركة أردنية- بريطانية تدعى "بلو واتر سابلاي" (Blue Water Supply) اشترتها كازاخستان من أجل ما تقول إنها "تلبية لاحتياجات وزارة الدفاع البريطانية".
التدقيق الروسي أظهر أنّ كازاخستان كانت تشتري تلك الأسلحة بواسطة البريطانيين وعبر تلك الشركة الأردنية، لكن لصالح القوات الأوكرانية، وهذا ما أكدته وثائق سرية مسربة من وزارة الدفاع الأوكرانية
شكوك موسكو ظهرت من خلال سؤال، مفاده: ما حاجة بريطانيا إلى أسلحة سوفييتية قديمة، عبارة عن مدافع وذخائر لها من عيار 122 و152 ملم، تقدّر قيمتها بنحو 70 مليون دولار فقط؟ بل ما حاجتها لقذائف الهاون وأنظمة "كونكورس" المضادة للدبابات في هذا التوقيت؟
التدقيق الروسي أظهر أنّ كازاخستان كانت تشتري تلك الأسلحة بواسطة البريطانيين وعبر تلك الشركة الأردنية، لكن لصالح القوات الأوكرانية، وهذا ما أكدته وثائق سرية مسربة من وزارة الدفاع الأوكرانية، نُشرت تفاصيلها بالأرقام في عدد من المواقع الروسية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي مؤخراً.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يكشف بها الإعلام الموالي لروسيا وثائق من هذا النوع. وقد سبق أن أعلن رئيس وزراء كازاخستان عليخان سمايلوف، في 27 آب/ أغسطس الفائت، خلال اجتماع للجنة قضايا الصناعة الدفاعية، تعليق تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية لعام كامل نتيجة تلك المعلومات. لكن يبدو أنّ أستانة خالفت هذا القرار، لأسباب تتعلق باسترضاء الغرب وعدم قطع العلاقات معه.
ويمكن الاستدلال إلى هذا السلوك المستجدّ في السياسة الخارجية لكازاخستان، وبالتالي إلى الفتور بالعلاقة مع روسيا من خلال مجموعة من المواقف.
1. رفضت كازاخستان ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة إلى روسيا، وذلك خلال خطاب الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ناقش خلاله مبادئ: "المساواة في السيادة بين الدول"، و"وحدة أراضيها" و"التعايش السلمي"، قاصداً أوكرانيا من دون أن يأتي على ذكرها، ثم لاحقا عدلت من موقفها لتمتنع عن التصويت.
2. في ملف المهاجرين الروس، الذين فرّوا إلى كازاخستان لتجنّب التجنيد، فتحت آستانة حدودها لهؤلاء، واستقبلت ما يصل إلى نحو 100 ألف شاب روسي ليضافوا إلى الروس المقيمين أصلاً في كازاخستان والذين يصل عددهم إلى نحو 350 ألفاً. هذا الملف تنظر إليه السلطات في كازاخستان على أنه تهديد محتمل، لأنّه من غير الواضح إن كان هؤلاء سوف يقيمون في كازاخستان أم سيرحلون إلى دول أخرى، وهذا ما دفع بكازاخستان نحو الحذر والخوف على التركيبة السكانية المتراجعة لصالح الروس.
يرى بعض المراقبين الروس أنّ احتمال نشوب صراع جدّي بين موسكو وأستانة لا يزال بعيداً في الوقت الحالي، لكن لا مفرّ من أخذ كل تلك المعطيات بعين الاعتبار خلال مراقبة العلاقات الثنائية بين البلدين، فيشبّهون سلوك كازاخستان تجاه موسكو اليوم بتوازن رقصة "الباليه" مع الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
3. تصريحات الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف عن كازاخستان، واصفاً إياها بأنّها "دولة مصطنعة"، في رسالة وجهها إلى مناصريه (حُذفت لاحقاً). خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، قال أحد المعلقين الروسيين البارزين (تيغران كيو سايان) في برنامج له على قناة "يوتيوب"، إنّ كازاخستان كانت "جاحدة" و"خبيثة" لعدم دعمها موسكو، إضافة إلى النقد الذي تلقته آستانة من قناة "Tsargrad" الروسية التلفزيونية، خصوصاً بعد دعم موسكو لكازاخستان خلال الاحتجاجات الأخيرة التي هدّدت نظامها بالسقوط لولا تدخل القوات الروسية.
لكن برغم ذلك، يرى بعض المراقبين الروس أنّ احتمال نشوب صراع جدّي بين موسكو وأستانة لا يزال بعيداً في الوقت الحالي، لكن لا مفرّ من أخذ كل تلك المعطيات بعين الاعتبار خلال مراقبة العلاقات الثنائية بين البلدين، فيشبّهون سلوك كازاخستان تجاه موسكو اليوم بتوازن رقصة "الباليه" مع الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
فهي من جهة أخرى لا تريد أن تتسبب بإغضاب موسكو، لكنها في الوقت نفسه تحاول البقاء ضمن "الحيّز الغربي"، فلا تعترف بضم الأقاليم الأربعة من خلال الاستفتاءات، وتزود الأوكرانيين بالأسلحة "من تحت الطاولة" من أجل الحفاظ على شيء من التوازن.
أخبار متعلقة :