كتب عماد الشدياق في "عربي بوست":
وصل الصراع الممتد منذ زمن بين روسيا والمملكة المتحدة إلى نقطة "اللاعودة"، نتيجة الحرب في أوكرانيا، التي يبدو أنها ستطول أكثر مما توقع البعض، بحسب أغلب التصريحات الرسمية الغربية، وحتى تلك الروسية.
الشرخ بين موسكو ولندن بات أعمق من أن يُرمّم، خصوصاً مع تبادل الاتهامات بين الطرفين، وآخرها ما كشفته موسكو عن استغلال لندن للنخب الأوكرانية، وتلك الروسية المعارضة المنتشرة في عدد من الدول الغربية، من خلال اجتذابها وتعبئتها ضد الدولة الروسية.
المملكة المتحدة تتهم الجانب الروسي بتهديد الأمن العالمي من خلال التعاون مع إيران، إذ وصف وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، صفقات إيران وروسيا بأنها "دنيئة"، داعياً إلى محاسبة "التحالف اليائس" بين طهران وموسكو. كاشفاً عن فرض عقوبات على 12 قائداً عسكرياً روسياً، وعلى رجال أعمال إيرانيين متورطين في إنتاج وتوريد طائرات مسيرة عسكرية، استُخدمت في الهجمات.
تلك الطائرات تعتبر لندن أنها لعبت دوراً رئيسياً في هجمات ضد المدنيين، بعد أن تحوّلت طهران إلى أحد أكبر الداعمين العسكريين لروسيا، التي هددها رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، بتعطيل أي عملية تفاوض حقيقية بينها وبين الجانب الأوكراني، في حال لم تنسحب من الأراضي الأوكرانية.
أمّا روسيا فتتهم بدورها المملكة المتحدة بأنّها "تستعين بعلماء وباحثين ومخترعين ومبدعين وصحفيين"، من بين المعارضين الروس، وكذلك من الأوكرانيين المنتشرين في الدول الأوروبية، محاولة بذلك "تجنيد" هؤلاء من أجل تحقيق هدف رئيسي هو "محاولة الهيمنة مجدداً على القارة الأوروبية، وخارجها من دول العالم".
وسائل إعلام روسية عدّة، نقلت عن أوساط روسية قريبة من دوائر القرار في الكرملين، أنّ لندن تقوم بتزويد المعارضين الروس بـ"الإمكانات اللازمة" من مساعدات قانونية واقتصادية، وذلك تحت عناوين "الحرية" و"الاستقلال"، وخصوصاً من بين المنحدرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، حيث "ترسخ لندن نفوذها"، وتتهم روسيا بـ"قمع الحريات وخنق الديمقراطية".
وترى تلك الأوساط أنّ الصراع المسلح والمستمرّ بين روسيا وأوكرانيا حتى اليوم، سببه الغرب، الذي يضغط على الجانب الأوكراني من أجل رفض أيّ محاولة تفاوض مع موسكو، بعد أن اكتشفت الدول الغربية في هذا الصراع الكثير من المنافع، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، التي استطاعت أن تستثمره في المجال الاقتصادي إلى حدّ كبير جداً، على حساب دول الاتحاد الأوروبي، كما أنّه بات مفيداً للندن في جانبه السياسي، لكونه يصب في صلب أهدافها الرامية إلى محاربة روسيا، بوصفها حجر عثرة في طريق الهيمنة على القرار داخل القارة العجوز وخارجها.
أمّا الأسباب التي تجعل لندن تستفيد سياسياً من الحرب الأوكرانية فتعتبرها موسكو كثيرة، وهي كالتالي:
أولاً: لأنّ الحرب الأوكرانية فرصة يمكن للمملكة المتحدة استغلالها إعلامياً، من أجل تقديم روسيا على أنّها معتدية على العالم كلّه، وليس على أوكرانيا فحسب.
ثانياً: من خلال هذه الحرب تستطيع لندن تجنيد أكبر قدر ممكن من النخب الأكاديمية والعلمية الأوكرانية، التي غادرت البلاد بحثاً عن اللجوء في الغرب، وبالتالي يمكنها من خلال ذلك التأثير على هؤلاء بواسطة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، فتؤكد أنّها فعلت ذلك عبر منحهم صفة "لاجئين"، فأمسى كل هؤلاء "رهائنَ" من أجل الحصول على فرصة عمل أو إقامات.
ثالثاً: استخدام أدوات "الدعاية الغربية" من مواقع إخبارية وصفحات تواصل اجتماعي، لتغطية أخبار الحرب، من أجل التأثير بأكبر قدر ممكن على الشباب الروس "ذوي النفوس الهشة"، الذين يتلقون تلك الأخبار والمعلومات "التعبوية" ضد حكومتهم، فتحفّز مزاجهم الاحتجاجي في الداخل الروسي، وداخل دول "رابطة الدول المستقلة".
رابعاً: الاستفادة من اللاجئين الأوكرانيين الموجودين في المملكة المتحدة، من بين الذين حصلوا بالفعل على حقوقهم المدنية، عبر استغلال خبراتهم في تطوير الأسلحة المستخدمة اليوم في الحرب الأوكرانية.
ومن الأمثلة حول ذلك، تذكر الأوساط الروسية:
– المركبات المسيّرة تحت الماء، التي استُخدمت مؤخراً في الهجوم ضد أسطول البحر الأسود الروسي في مدينة سيفاستوبول. وتقول إنّ هذه المسيرات طُوّرت بمساعدة لاجئين أوكرانيين من أصحاب الكفاءات العلمية في هذا المجال.
– الشركة العسكرية الخاصة Prevail Partners البريطانية، التي يرأسها العميد السابق في مشاة البحرية الملكية، جاستن هيدغر، تعمل في توريد طائرات مسيّرة إلى منطقة القتال في أوكرانيا، وأيضاً في إعداد ما تصفه موسكو بـ"مجموعات تخريب" من بين اللاجئين، وذلك من أجل تنفيذ العمليات العسكرية.
كل هذا تربطه الأوساط الروسية بما كشف عنه الإعلام العربي والغربي قبل أشهر، يوم نشرت مجموعة من المقرصنين أو الهاكرز "أنونيموس" سلسلة من المواد الصحفية والبيانات والمستندات، التي تظهر تمويل الأجهزة البريطانية عدداً من المنظمات غير الحكومية، للتأثير على الرأي العام داخل روسيا وداخل عدد من الدول في البلقان.
هذه الاتهامات المتبادلة تُنبئ بأنّ بداية العام الجديد لن تحمل أيّة تطورات إيجابية على الساحة الأوكرانية، بل على العكس، فقد تبدو ساحات الحرب في أوكرانيا أشدّ ضراوة وتدميراً في الأشهر القليلة المقبلة.
أخبار متعلقة :