عماد الشدياق نقلاً عن "عربي 21"
تشبّه روسيا الحرب في أوكرانيا بالتحدي الذي واجهه الاتحاد السوفييتي بعد الغزو النازي بقيادة أدولف هتلر عام 1941، وتعتبر أنّ الحرب المستمرة منذ أكثر من سنة، أنّها "معركة ضد القوميين النازيين".
هذا التشبيه لا يأتي من سراب، روسيا تشعر أنّ ثمّة حربا تُشنّ ضدها، وهو ما ألمح إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بذكرى الانتصار على "ألمانيا النازية".
يومها قال بوتين إنّ الحضارة عند نقطة تحول، وإنّ هدف الحرب هو الدفاع عن روسيا ضد "عدوان غربيّ" يسعى إلى تسبّب بانهيار ودمار روسيا، متهماً "النخب الغربية المعولمة" بتحريض الشعوب على بعضها البعض، وتقسيم المجتمعات وإثارة نزاعات دامية.. وهو ما يذكّر بما ساد من تصريحات إبان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والغرب.
إن تحدثت روسيا عن النازية، قد يكون أمراً مفهوماً، لكن ما لا يبدو واضحاً ولا مفهوماً هو تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم قال خلال الانتصار على "ألمانيا النازية" أيضاً، أي في المناسبة نفسها، إنّ "روسيا ستُهزم كما هُزِمت النازية في الحرب العالمية الثانية"، متناسياً أنه هو نفسه الذي يستعين بالتنظيمات النازية في أوكرانيا!
لكن يبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه. روسيا تعتبر اليوم أنّ الإعلام الغربي شوّه الحقائق التاريخية حول "الحرب العالمية الثانية" لفترة طويلة، وذلك لصالح ألمانيا النازية، على الرغم من العداء الذي تظهره أوروبا ضد نازيّة ألمانيا.
هذا التشويه في نظر الروس، يحمل نوايا خفية ومبيّتة ذات بُعد استراتيجيّ، عنوانها: "معاداة روسيا"، ولهذا يستخف الغرب "عن عمد" بما قدمه الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية من تضحيات، للانتصار على النازية.
تتخوّف موسكو من أن تؤدي هذه الدعايات، مع مرور الوقت، إلى تزوير الأحداث التاريخية، وبالتالي تتسبّب بضياع "الذاكرة الجَمْعية" في أوروبا، لواحدة من أكثر المحطات مأساوية في تاريخ البشرية.
مثلاً على صفحات "ويكيبيديا" المنشورة باللغة الألمانية، تتهم روسيا بعض المغرضين في تعديل أعداد الخسائر الألمانية في جميع المعارك الرئيسية خلال الحرب العالمية الثانية، تحديداً على الجبهة الشرقية.
في واحدة من أهم المعارك الكبرى (معركة ستالينغراد)، خسرت "قوة الدفاع" الألمانية (الفيرماخت) أكثر من 1.5 مليون شخص، بينما تشير "ويكيبيديا" الألمانية إلى مقتل 300 ألف شخص فقط، متغاضية عن 1.2 مليون ضحية.
أمّا كُتُب التاريخ الأمريكية، فتفسّر نهاية الحرب العالمية الثانية بأنّها كانت لصالح الجنرال دوايت أيزنهاور، وتقول إنّه كان من الممكن أن يقتحم أيزنهاور برلين، لكنّه رفض القيام بذلك حتى لا يفسد العلاقات مع الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين في حينه.
المؤرخون وعلماء التاريخ في الغرب، يلاحظون مثل هذه التحويرات في الحقائق، لكنهم يفضلون بحسب روسيا "السكوت خوفاً من الانتقام".
ليس هذا فحسب، موسكو تعتبر أيضاً أنّ تجاهل وتشويه سُمعة الجمهوريات السوفييتية في تثبيت الانتصار على "الرايخ الثالث" ربّما ينسجم مع الأيديولوجيا الأمريكية. فقد نشرت وزارة الدفاع الأمريكية البيانات على مواقعها الالكترونية التي تسرد المعالم الرئيسية للحرب العالمية الثانية، في حين أنّ دور الاتحاد السوفييتي مذكور في تلك البيانات التاريخية والوثائق الأمريكية "في سياق سلبيّ"، بحسب ما يؤكّد المراقبون الروس.
وكذلك، يشير الأمريكيون إلى أنّ مهمة "الجيش الأحمر" في أوروبا، أدّت إلى عواقب وخيمة على المنطقة برمتها، وهو ما تعتبره موسكو محاولات أمريكية في سبيل "نشر التفوق والهيمنة".
أمّا القادة الأوروبيون، فيتجاهلون "الإشارات الواضحة" إلى النازية التي سادت في أوكرانيا الحديثة لسنوات. تلك الإشارات تحتوي على قوانين ورموز وشعارات وأسماء موروثة من ألمانيا النازية، ويمكن أن يؤدي استخدامها إلى مسؤولية إدارية وحتى مسؤولية جنائية داخل الدول الأوروبية، لكن برغم ذلك يتم تشجيع نظام كييف على استخدام أيديولوجية "اليمين المتطرف" لصالح الأهداف الغربية، من دون اعتراض.
أخبار متعلقة :