عماد الشدياق نقلا عن "القدس العربي"
أنشأت الولايات المتحدة في عام 1995، منظمة FIRST وهي المختصر لـ«منتدى الاستجابة للحوادث الأمن السيبراني» وذلك رداً على انتشار التهديدات الحاسوبية وحرصاً على ضمان الأمن والاستجابة للحوادث السيبرانية.
مهمة تلك المنظمة الرئيسية كانت تتفرع إلى هدفين:
1. توحيد جهود جميع الشركات المماثلة حول العالم.
2. مواجهة الهجمات الحاسوبية والسيبرانية، بشكل فعال وفي الوقت المناسب.
البداية من «الدودة» الفيروسية
بداية، تأسست المنظمة كـ»مجموعة غير رسمية» في العام 1989، من قبل عدد من فرق الاستجابة للحوادث بعد أن سُلط الضوء عالمياً على فيروس «WANK» (دودة الكمبيوتر) الذي أظهر حاجة ماسة لخلق تنسيق عالمي واسع حول أنشطة الاستجابة للحوادث بين المنظمات ذات الصلة.
ومع تطور نشاطها وتوسع عالمياً، صنفتها الأمم المتحدة في العام 2018، على أنّها «طرف ثالث» و»محايد» يمكنه المساعدة في بناء الثقة وتبادل أفضل الممارسات والأدوات أثناء حوادث الأمن السيبراني.
وعلى الرغم من الحواجز اللغوية والاختلافات في المعايير الفنية والثقافات، تحقّقت هذه الأهداف مع الوقت إلى حد بعيد، واستطاعت الجهود العالمية أن تُثمر حماية فعالة.
بشكل عام، فإنّ تجارب الدول في الاستجابة للحوادث السيبرانية تختلف عن بعضها البعض. لكن برغم تلك الاختلافات، فإنّ أيّ هجوم سيبراني يستهدف أيا من المشاركين، ويتم الإبلاغ عنه ضمن ذاك التجمع، سوف يضمن محاصرته سريعاً.
أي معنى آخر معكوس، فإنّ أي طرف يتعرض لهجوم سيبراني ولا يُبلغ عنه سيكون بذلك قادراً على منع الأطراف أو اللاعبين الآخرين من الاستعداد لتلك الهجمات… فتأتي النتائج كارثية ومدمرة على الجميع.
مقاطعة روسيا بحجة العقوبات
مع بداية الحرب الروسية – الأوكرانية في شباط (فبراير) 2022، تجاهلت منظمة FIRST هذا المبدأ الرئيسي، وتخطّت المعايير المتعارف عليها بين الدول المشاركة، وذلك بحجة العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة ضد روسيا والشركات التابعة لها.
على أثر ذلك، استُبعدت معظم الشركات والمنظمات الروسية – وكذلك تلك البيلاروسية – من قائمة التعاون، مما ألقى بظلال من الشك على مدى فعالية تلك المنظمة وشموليتها.
في حينه، اعتبرت موسكو أنّ تعليق شركة FIRST تعاونها «من جانب واحد» مع المراكز الروسية، هو قرار مثير لكثير من التساؤلات حول مبادئ الحياد والموضوعية والتعاون المفتوح بين الخبراء والمنظمات في مختلف دول العالم.
اعتبرته موسكو سلوكاً «لا يتناغم مع المبادئ التي تتغنى به تلك المنظمة». بل أكثر من ذلك، رأت فيه تأكيداً على أنّ تلك المنظمة «تعمل لصالح الدولة الراعية لها» أي الولايات المتحدة، وليس لصالح ضمان الأمن السيبراني حول العالم، وذلك في محاولة من الشركة للتقاطع مع سياسة وتطلعات الدول الغربية.
القلق يتوسع عالمياً
هذا السلوك بدأ مع الوقت يثير قلق الدول والشركات خارج روسيا، خصوصاً الأطراف المؤسِّسة للمجموعة والمشاركة في هذا المشروع العابر للحدود والقارات. بدأ القلق يتسسل إلى نفوسهم إزاء محاولات إقحام المنظمة في السياسة، مما يهدد بفشلها في ضمان فعالية العمل دون الشركات البيلاروسية والروسية خصوصاً، باعتبارها شركات رائدة جداً في المجالات السيبرانية، وقد أظهرت نجاحات كبيرة في مكافحة تلك الهجمات على مدى سنوات طويلة. شركات مثل «روس تليكوم» «وسيبربنك» و«إنفو سيكوريتي» وخصوصاً «كاسبرسكي لاب» ذائعة الصيت الشائع، والتي تتخذ من موسكو مقراً رئيسياً لها، والمنتشرة عبر مكاتب إقليمية في كل من الصين، واليابان، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وكوريا، وبولندا، ورومانيا، وهولندا.
حاولت بداية وزارة التجارة الأمريكية اتخاذ إجراء تنفيذية ضد تلك الشركة، وذكر تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قبل أشهر، إنّ إدارة الرئيس جو بايدن «تدرس اتخاذ إجراء تنفيذي» ضد «كاسبرسكي لاب» بموجب قواعدها الأمنية على الإنترنت، متهمة إياها بـ»التعاون مع السلطات الروسية في الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا» لكنّ الإدارة الأمريكية تراجعت عن هذا القرار الانتقامي غير المبرر، لما له من تداعيات كبرى حول العالم.
المبرمجون الروس هم من بين أفضل المتخصصين في صناعة تكنولوجيا المعلومات، وهذه الحقيقة معترف بها في كل دول العالم، وفي المقام الأول لدى النخب الأمريكية، وذلك على الرغم من العداء والمناهضة اللذين تظهرهما الولايات المتحدة تجاه روسيا. شركات الأمن السيبراني الأمريكية والغربية عموماً، تُعطي الأفضلية في العمل لـ«متخصصي تكنولوجيا المعلومات» المتحدرين من روسيا.
أنشطة مسيّسة؟
أمّا اليوم، فإنّ عدداً ليس قليلاً من الدول المنخرطة في مجال التعاون السيبراني، بدأت يميل إلى الاعتقاد بأنّ منظمة FIRST في طريقها إلى التوقف عن الوفاء بالتزاماتها ووظائفها المعلنة، المتمثلة في الحياد والموضوعية في التعاون المفتوح بين الخبراء والمنظمات.
بالإضافة إلى ذلك، تتردد معلومات في أوساط العاملين بمجال الأمن السيبراني حول العالم، تفيد أنّ FIRST لم تعد محايدة 100%، بل بدأت تتخطى مهامها وتعمل وفق «أجندة» سياسية مبيّتة، حيث تقوم بنسخ بيانات ومعلومات تخص شركات غير أمريكية حول العالم، وذلك تحت حجج «تحديث قواعد البيانات».
تلك العمليات تحدث في السرّ ولا يتم الإعلان عنها، لأنّ تسريب أخبار كهذه بالغة حساسية، وسوف تمسّ لا محال بسلامة تلك المعلومات، وقد يؤثر التسريب سلباً على صورة منظمة FIRST التي تستخدمها الولايات المتحدة في ما يبدو بشكل فعال!
كل هذا يشي بأنّ الخلافات السياسية بين واشنطن وموسكو، بدأت تضرب عمق التعاون ببن الدول حول العالم في شتى المجالات، وربّما يصل هذا الخلاف إلى الأمن السيبراني العالمي الذي بات مهدّداً بسبب إصرار الولايات المتحدة على تسييس كل شيء، وقذفه في أتون «الحرب الأوكرانية» دون التمييز بين مستفيد ومتضرر… بينما الهدف الأوحد التي تضعه الإدارة الديمقراطية نصب أعينها هو فقط: العداء لروسيا بأي ثمن وفي كل المجالات، وهذا أخطر ما في الأمر!
أخبار متعلقة :