خبر

"حمّى" مصادرة الأصول تستعر بين روسيا وأوروبا

نبيل الجبيلي نقلاً عن "عربي21"

بعد حالٍ من التردّد والخوف، توصلت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 الأسبوع الفائت، إلى "اتفاق مبدئي"، على استخدام عائدات الأصول الروسية المجمّدة في الاتحاد من أجل تسليح أوكرانيا، وهو أمر قد يضع ثقة النظام المالي الدولي واقتصاديات الدول الأوروبية، على المحك من بعد هذا الإجراء.

الاتفاق الأوروبي سيتيح استخدام الأرباح الناتجة عن أصول المصرف المركزي الروسي المجمدة في دول الاتحاد الأوروبي، وليس الأصول نفسها، وهو إجراء تطمح القارة العجوز لأن يتيح للدول المحايدة والرافضة لخطة تسليح أوكرانيا الانسحاب، أو الاكتفاء بدعم كييف إنسانيا فقط.

لكن تلك الخطة لم تبصر النور إلّا بعد موافقة الوزراء الأوروبيين على الاتفاق، الذي سيخصص 90 في المئة من تلك العوائد لصندوق يديره الاتحاد من أجل مساعدة أوكرانيا عسكريا، بينما تذهب بقية الـ10 في المئة لدعم كييف بطرق أخرى.

ومن المعروف أنّ الأصول الروسية المجمدة قيمتها نحو 300 مليار دولار، معظمها من العملات الأجنبية والذهب والسندات الحكومية، نحو 70 في المئة منها محفوظ في مركز الإيداع المركزي للأوراق المالية البلجيكي "يوروكلير"، الذي يحتفظ بما يعادل 190 مليار يورو. كما تشمل الأصول المجمدة منذ شهر شباط/ فبراير) 2022 مجموعة واسعة من الممتلكات المالية والحسابات المصرفية، والعقارات، والأسهم، والسندات، والأصول الفاخرة، والاستثمارات المختلفة التي تحتفظ بها الكيانات الروسية.

وترمي المفوضية الأوروبية من خلال هذه الخطة، إلى كسب تأييد الدول التي هي ليست جزءا من حلف الشمال الأطلسي (الناتو) مثل النمسا ومالطا وقبرص وإيرلندا، التي ترفض الانخراط في خطة بروكسل لدعم مشتريات كييف من الأسلحة، بينما ترفض المجر وسلوفاكيا استخدام الأموال الروسية بشكل قاطع.

إيرلندا، مثلا، تلتزم بالحياد من خلال سياستها الخارجية الطويلة الأمد، ولكنّها تساهم بدفع الأموال لأوكرانيا بشرط أن يتم إنفاق تلك الأموال على أغراض "غير فتاكة" مثل إزالة الألغام الأرضية.

خوف أوروبي.. مبرّر؟
لكن برغم الوصول إلى هذا الاتفاق، فإنّ بعض الدول الأوروبية، من بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ما زالت إلى اليوم أقل حماسة لهذا الاقتراح، وذلك بسبب المخاطر القانونية والمالية التي قد تصيب اقتصاداتها، خصوصا أنّ المبالغ المحقّقة من هذه الخطة لن تكون قادرة على سدّ حاجات كييف العسكرية، ومتوقّع ألّا تظهر نجاعة في مواجهة الجيش الروسي.

فالموافقة النهائية على الاتفاق سوف تمهد الطريق أمام الاتحاد الأوروبي لتحويل ما بين 2.5 مليار يورو إلى 3 مليارات يورو بحلول شهر تموز/ يوليو المقبل، لدعم دفاعات أوكرانيا، وهو رقم هزيل جدا أمام ما تطالب به كييف.

واشنطن تريد المزيد!
في المقابل، تعتبر الولايات المتحدة أنّ الخطة الأوروبية غير كافية، وتطالب الاتحاد بالمزيد، مثل مصادرة الأصول الروسية بالكامل، خصوصا أنّ القسم الأعظم من الأصول الروسية المجمدة ليس في الولايات المتحدة بل في أوروبا، وفي المقام الأول في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا بشكل خاص، حيث يُحتفظ بأكثر من نصف الأصول الروسية المجمدة.

ومع عدم وجود سابقة يمكن اتباعها، فإن الحكومات الأوروبية مترددة في الاستيلاء على أصول دولة ليست في حالة حرب معها رسميا. إذ تخشى العواصم الأوروبية أن تؤدي المصادرة إلى تضرر اقتصاداتها الوطني، خصوصا صناديق الثروة السيادية، والمصارف المركزية، وكذلك الشركات، بعد امتناع مستثمري القطاع الخاص في دول الجنوب (مثل الصين والبرازيل والهند وغيرها) عن الاستثمار في الأصول الأوروبية.

وفي هذا الصدد، يعتبر المنظّرون الحقوقيون في أوروبا أنّ مصادرة الأصول بأكملها تتعارض مع المعايير الدولية، لكن الحصول على الأرباح من الأموال المعاد استثمارها فقط، يمكن الدفاع عنه قانونيا في المحكمة إذا حاولت روسيا رفع دعوى قضائية. ولهذا السبب اقترحت المفوضية الأوروبية (الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي) "حماية" الأرباح الناتجة عن الأصول المجمدة من دون المساس برأس المال.

أرباح تفوق 15 مليار.. وموسكو تتوعد بالردّ
ومن المرجح أن تدرّ تلك الأصول أرباحا تتراوح بين 15 و20 مليار يورو بعد خصم الضرائب من الآن وحتى نهاية عام 2027، أي نهاية الدورة المالية الحالية للاتحاد الأوروبي، وذلك نظرا إلى ارتفاع نسب الفوائد عالميا.

لكن يبدو أنّ الجانب الروسي لن يقف مكتوف الأيدي إزاء هذا التطوّر، إذ يتوعد مسؤولون روس منذ مطلع العام الحالي برد "قاسٍ"، وباتخاذ إجراءات قانونية "لا نهاية لها" إذا استُخدمت تلك الأصول. إذ تتحدث موسكو عن "تدابير متماثلة" سوف تتخذها ضد أصول غربية موجودة على أراضيها، وتتلخص في تأميم رؤوس أموال استثمارية من بين تلك التي بقيت في روسيا إلى اليوم.

ومن بين الشركات الغربية التي أممت موسكو أصولها بالفعل: شركة "فورتوم" الفنلندية، و"يونيبر" الألمانية، و"كارلسبرغ" الدنماركية.

وتشير التقديرات الروسية إلى أنّ الغرب سوف يخسر من خلال تلك الاجراءات الثأرية، أصولا واستثمارات قد تزيد عن 250 مليار دولار.

التقديرات نفسها تقول إنّ دول الاتحاد الأوروبي وحدها، تمتلك أصولا تقدر بنحو نحو 223 مليار دولار، من بينها قرابة 98 مليارا مملوكة رسميا لجزيرة قبرص، و51 مليار دولار لهولندا و18 مليار دولار لألمانيا. كما أن فرنسا هي من بين أكبر 5 مستثمرين أوروبيين في الاقتصاد الروسي بأصول واستثمارات تصل قيمتها إلى نحو 17 مليار دولار، بينما أصول إيطاليا تصل إلى 13 مليار دولار.

موسكو أكبر المستفيدين
وفوق المخاطر القانونية والاقتصادية، يبدو أنّ موسكو ستستفيد من هذا الإجراء من خلال استقطاب رؤوس الأموال الروسية المنتشرة في العالم، إذ كشفت وكالة "بلومبرغ" قبل أيام، أنّ الأثرياء الروس بدأوا بالفعل الاستجابة للتهديد المتزايد بمصادرة أصولهم في الدول الغربية، وعزموا على العودة إلى بلادهم.

وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء الأثرياء حاول البحث عن طرق عدّة من أجل حماية أموالهم في الدول الغربية أو في البلدان الأخرى "الصديقة" لروسيا، إلّا أنّ أغلبهم بدأ يتحسّس الخطر، واختاروا إعادة رؤوس أموالهم إلى روسيا من أجل استثمارها هناك.

وقد استشهدت "بلومبرغ" باثنين من الأثرياء الروس الخاضعين للعقوبات الغربية، كشفا بشرط عدم الكشف عن هويتهما، أنّهما بصدد القيام بأعمال تجارية حصرية في روسيا باعتبارها الملاذ الأمين الأخير. وقال أحدهم إنّه وعائلته "قرروا بناء حياة جديدة في روسيا".

وفي شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أشارت وكالة "بلومبرغ" كذلك، إلى أنّه مع بداية الأعمال الحربية في أوكرانيا، سحب أغنى رواد الأعمال الروس ما لا يقل عن 50 مليار دولار من أوروبا إلى روسيا والدول الصديقة الأخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وغيرها.

كما تحدثت الوكالة عن قائمة تضم قرابة 26 شخصية من بين رجال الأعمال الروس، تُقدر ثرواتهم الإجمالية بنحو 350 مليار دولار، وهم بمتوسط عمر 63 عاما. تلك الأموال هي تقريبا بحجم الأصول الروسية السيادية المصادر لدى الغرب.. مما يعني أنّ الأمر سيرتدّ على الدول الأوروبية، تماما مثلما ارتدت العقوبات عليها.