سامر زريق نقلاً عن "أساس ميديا"
لم ينجح الأوكرانيون في التخفيف من الضغط الروسي في شرق البلاد، عن طريق اختراق كورسك، فبوتين قرّر المغامرة حتى آخر ورقة عليها، واكتفى باحتواء الهجوم الأوكراني وإكمال الزحف نحو مدينة بوكروفسك.
من الأهداف المعلنة للعملية الأوكرانية في كورسك تخفيف الضغط الروسي عن الجبهة الشرقية في دونيتسك، وخصوصاً مدينة بوكروفسك، من خلال إجبار موسكو على سحب بعض فرقها العسكرية وإرسالها إلى مدينة كورسك. بيد أنّ روسيا كانت تدرك هدف المراوغة الأوكرانية، ولذلك لم تنطلِ عليها. وهذا ما أقرّ به الجنرال أوليكساندر سيرسكي، القائد الأعلى للقوات المسلّحة الأوكرانية، الذي حصل على عدّة ترقيات بسبب مراوغة كورسك، إذ اعترف أمام الصحافيين بأنّ “موسكو فهمت هدف المراوغة الأوكرانية، واستمرّت في التركيز على بوكروفسك”.
بالفعل لم يعد يفصل الجيش الروسي عن مدينة بوكروفسك سوى كيلومترات قليلة. تظهر صور مأخوذة من الأقمار الاصطناعية، ومنشورة على الشبكة العنكبوتية ومنصّات التواصل الاجتماعي، حلّلها محلّلون ومحقّقون عسكريون، أنّ القوات الروسية صارت على بعد 8 كلم فقط من بوكروفسك.
تحظى مدينة بوكروفسك في دونيتسك بأهمّية استراتيجية، ولا سيما بعدما اتّخذتها كييف عاصمة جديدة لإقليم دونيتسك عقب إعلان الأخير تحوّله إلى “جمهورية دونيتسك الشعبية”، وانضمامه إلى الاتّحاد الروسي غداة استفتاء شعبي عام 2014. فهي توصف بأنّها “بوّابة دونيتسك” و”مدينة التعدين”، وتُعدّ مركزاً حيوياً للنقل، وتُشكّل قاعدة أساسية للخدمات اللوجستية للقوات الأوكرانية من غذاء وأدوية وذخيرة. بالقرب منها يوجد منجم فحم من نوعية “الكوك” العالي الجودة، والذي يعدّ ضرورياً لصناعة الصلب، وله أهميّة حاسمة في المجهود الحربي الأوكراني.
في 20 آب الماضي، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً عن عملية كورسك وتقدّم الجيش الروسي نحو بوكروفسك، تضمّن كلاماً للمحلّل العسكري الألماني المعروف فرانز ستيفان غادي ذكر فيه أنّ “الحرب تدور دائماً حول الخيارات”. أضاف غادي: “السؤال هو: هل كان الخيار الصحيح إرسال قوّات الى روسيا لتوسيع خطّ المواجهة؟ أم كان الأفضل الاحتفاظ بالاحتياطيات وتثبيت خطّ المواجهة في دونباس؟”.
بحسب العديد من المحلّلين العسكريين الأوكران، ومن بينهم مجموعة “ديب ستيت” التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع وزارة الدفاع الأوكرانية، فإنّ الجيش الروسي تقدّم بشكل أسرع في دونيتسك منذ 6 آب، أي بالتزامن مع عملية كورسك المتهوّرة. وقال أحد محلّلي “ديب ستيت” رومان بوريللي إنّ “هناك فوضى كاملة”. في حين وصف المحلّل العسكري الأوكراني أوليكساندر كوفالينكو الوضع في الشرق بأنّه “فشل دفاعي كامل”، معتبراً أنّ “المشكلة تكمن في الذين يتّخذون القرارات”. وفي الإطار عينه صبّت غالبية آراء القادة العسكريين والجنود الأوكرانيين.
تشير صحيفة “فايننشل تايمز” البريطانية إلى أنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تعرّض في الأيام القليلة الماضية لوابل من الانتقادات من القادة العسكريين والمحلّلين، وحتى المشرّعين الأوكران الذين حمّلوه المسؤولية عن تقدّم الجيش الروسي السريع في الشرق. تتّفق الآراء في أنّ ضعف موقف أوكرانيا سببه إعادة نشر الآلاف من القوات العسكرية الأوكرانية في عملية كورسك على حساب الجبهة الشرقية التي تعرّضت للتهميش.
عملياً، سيطرة موسكو على بوكروفسك تحطم أوهام كييف بشأن هجوم كورسك، وتعقد طرق الإمداد من مدينة دنيبرو الى المدن الرئيسة في الشرق مثل كراماتورسك وسلوفينسك، وتشكل خطوة حاسمة لضم إقليم دونيتسك بكامله الى روسيا. كما أنها تفتح الطريق أمام القوات الروسية نحو مدينة دنيبرو نفسها، والتي تعد رابع مدينة في أوكرانيا.
كل ذلك يعزز من أوراق موسكو في أي عملية تفاوضية، والتي لا بد أن تعكس نتائجها الواقع الميداني. إذاً والحال هذه، لماذا اتخذ زيلينسكي، ومعه قيادات سياسية وعسكرية، القرار بتنفيذ عملية كورسك؟
إذا كان تخفيف الضغط على بوكروفسك والجبهة الشرقية من بين أهداف عملية كورسك، فإن الهدف الرئيسي لها هو سياسي، ويتمثل بتوجيه رسالة الى موسكو بتحريض غربي أميركي، تشير الى عدم رغبة كييف في إجراء مفاوضات جدية تضع حداً للصراع وتفضي الى عملية سلام حقيقي.
الإشارة الأكثر وضوحاً حول مسؤولية الغرب، وعلى رأسه أميركا، عن عرقلة عملية السلام وإنهاء الصراع في أوكرانيا، أتت على لسان رئيس البرلمان التركي نعمان كورتلموش، والذي عبر خلال حوار صحفي عن ثقته بأن “الهجوم الأوكراني في كورسيك حصل بموجب موافقة أميركية، بهدف نسف أي إمكانية للمفاوضات مع روسيا وجعلها مستحيلة”.
والسؤال المطروح، في سياق تبادل الهجمات والضربات بين روسيا وأوكرانيا: هل نحن أمام حسم عسكري أم حلّ سياسي؟
المشكلة أنّ روسيا لا تريد من الحلّ السياسي إلا استسلام كييف لمطالبها بضمّ الأراضي في الشرق والجنوب، وهي ذات قيمة استراتيجية واقتصادية وماليّة، ومهما تقدّم الجيش الروسي في الشرق فهو يعاني حرب استنزاف مادّية وبشرية، ومن غير المعلوم كم يمكن الاستمرار بهذا النهج والأسلوب في القتال.
أخبار متعلقة :