ورغم أن تأثيرات المناخ على السلم والأمن الدوليين غير مباشرة، إلا أنها جادة، ففي تشاد على سبيل المثال انضم عدد من الأشخاص إلى الجماعات المسلحة بعد الجفاف الذي طال حوض بحيرة تشاد وتقلص الفرص الاقتصادية.
وأشارت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية رزوماري دي كارلو إلى أن التغيرات المناخية أثرت على الاستقرار في بلدان مثل: مالي، والصومال، ووسط إفريقيا، والسودان.
وزير المياه الأردني الأسبق، والخبير المائي، د حازم الناصر، قال لـ"عربي21" إن موضوع التغيرات المناخية أضحى أمرا مثبتا علميا بناء على البيانات المناخية لآخر 70- 100 عام.
وأشار إلى أن المقلق في الأمر هو أن التغير المناخي داهم الدول غير المتقدمة من دون معلومات وتحضيرات كافية للتكيف مع آثاره، فسبب العواصف، والهطول المطري في مناطق، وتناقص الأمطار في أخرى. ونوّه إلى أن الهطول المطري في الأردن على سبيل المثال تناقص بنسبة 15- 20% في السنوات الماضية.
وأكد الناصر أن التغيرات المناخية من شأنها أن تغذي الصراعات المائية الحالية، أو النائمة، مثل الصراع (السوري، التركي، العراقي)، والصراع (العراقي التركي الإيراني)، وصراع (مصر ودول حوض النيل)، وصراع حوض نهر الأردن (الأردن، لبنان، سوريا، إسرائيل).
ولفت إلى أن المشاكل المائية في المنطقة العربية غذت الربيع العربي أيضًا.
وعن الأزمة الأخيرة في البصرة بالعراق، قال الناصر إنها تحولت بسرعة البرق من أزمة ماء إلى أزمة سياسية، متوقعًا أن تشهد المنطقة العربية في السنوات القادمة المزيد من الاضطرابات والاعتصامات بسبب تأثير نقص المياه.
وربط الناصر بين أعمال العنف والاضطرابات الاجتماعية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار كما هو الحال في البصرة التي شهدت أعمال عنف وذهب بسببها ضحايا وجرحى بالعشرات، بحسب مقال منشور له. وقال الناصر إن المنطقة العربية ستشهد خلال أربعين عاما مقبلة معاناة كبيرة وإن المنطقة بحاجة إلى منصات للتوعية بسياسات التكيف مع التغيرات المناخية.
من جهته، أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، إلى أن الضغوطات المناخية واسعة النطاق يمكن أن تفاقم الأزمات، وتؤدي إلى صراعات عنيفة.
وقال كبير علماء المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بافيل كابات، إلى عدد من التأثيرات الأمنية لتغير المناخ، كتراجع المكاسب في مجال الغذاء، وزيادة حرائق الغابات، والنزاعات على المياه، والنزوح والهجرة، معتبرا الموضوع "تهديدا للأمن القومي".
من جهة أخرى، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن النزاعات في مالي والنيجر على سبيل المثال، سببها تقلص الأراضي القابلة للاستغلال، وعدم توافر موارد المياه.
وقال رئيس اللجنة، بيتر ماورير، إن التوترات في المجتمعات الزراعية والرعوية آخذة في الازدياد بسبب تقلص الأراضي القابلة للاستغلال وعدم استدامة موارد المياه.
وتابع: "يُفضي تغير المناخ إلى إضفاء مزيدٍ من التعقيد على المشهد في منطقة تعاني من تأخر التنمية والفقر المزمن وتفشي النشاط الإجرامي والعنف الذي يؤدي بالفعل إلى هشاشة أوضاع الحياة".
الخبيرة بالشأن البيئي والتغيرات المناخية، صفاء الجيوسي، قالت لـ"عربي21" إن الصراع على الموارد موجود حول العالم، وفي المنطقة العربية أيضًا.
وأشارت إلى أنه مع الحدود السياسية الحالية، فإن الصراع على الموارد الطبيعية والمياه تحديدا في ازدياد بسبب التغيرات المناخية، وسيزداد في المستقبل القريب.
ونوهت إلى أن 14 بلدا عربيا ستعاني من شح المياه الشديد قبل نهاية القرن الحادي والعشرين.
ولفتت إلى أن أحد أثار التغيرات المناخية هو إجبار الناس على الانتقال من المناطق الزراعية إلى الحضرية بسبب الضغط على الموارد، وتأثر المواسم الزراعية والمحاصيل بسبب التغيرات المناخية. وأكدت الخبيرة في التغيرات المناخية إلى أنه يجب التوعية بمخاطر التأثيرات المناخية على الموارد وتعاون المؤسسات الإنسانية مع المنظمات البيئية.
ولفتت إلى أن الهجرة المناخية أمر حاصل، لكن المشاكل السياسية الكبيرة في المنطقة تسرق الأضواء من هذا العامل المهم.
وفي تقرير لها، قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة "يونيسكو" إن انخفاض هطول الأمطار في القرن الأفريقي على سبيل المثال أدى إلى تفاقم الهجرة، وأشارت المنظمة نقلا عن الخبير من جامعة ويلفريد لوريي الكندية روبرت ماكليمان، إلى أن الدول الهشة سياسيا ربما تشكل مستقبلا مركزا لأحداث عنف مرتبطة بالهجرة الجبرية التي يسببها المناخ.
وتابع التقرير أن من بين الدول العشرين التي تتصدر مؤشر الدول الهشة لعام 2017 هناك 12 دولة تقع في مناطق الشرق الأوسط، وجنوب آسيا وأفريقيا، التي من المتوقع أن تشتد فيها أزمة ندرة المياه بسبب تغير المناخ. ومن بينها خمس دول تقع في القرن الأفريقي وهي الصومال، وإريتريا، والسودان، وجنوب السودان، وكينيا.
ووفقا لدراسة أجراها ماركوس كينغ من جامعة جورج واشنطن الأميركية، فإن الصومال مثلا شهد حوادث عسكرة لموارد المياه، في بلد مرتبط بالتغيرات المناخية وآثارها، إذ شهدت البلاد حالات جفاف في 2011 كان سببها تغير المناخ.