خبر

جوازات السفر الروسية.. سلاح موسكو الإستراتيجي للتمدّد

أشارت الكاتبة السياسية أغنيا غريغاس في مقال لها، إلى قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إتاحة جوازات السفر لسكان مناطق شرق دونيتسك التابعة لأوكرانيا، ومناطق لوهانسك التي تخضع لسيطرة الانفصاليين المواليين لروسيا. ويقول الكريملين أن هذا كانت لفتة إنسانية محضة. لكنها في الحقيقة جزء من استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز السيطرة على أوكرانيا الشرقية ودول أخرى، وفقا لإعلان روسيا أنها تدرس خلق "عملية مواطنة مبسطة" لجميع الأوكرانيين.

وأضافت غريغاس: "وطالما استعملت روسيا المواطنة وجوازات السفر لتوسيع نفوذها. وكما أصف في كتابي ما وراء القرم: الإمبراطورية الروسية الجديدة، عادة ما تبدأ العملية بتعزيز القوة الناعمة والالتزام الإنساني. وبعد ذلك تتحول إلى سياسات مواطنة، تهدف إلى دعم المتحدثين باللغة الروسية في الخارج، وتشجيع الحرب المعلوماتية، و"إخضاعهما" للنفوذ الروسي. "وسياسة جواز السفر" هي الخطوة الخامسة في هذه العملية، تليها الحماية، وأخيرا، ضم الأراضي". 

وبينما تستعمل معظم الدول تسهيلاتها القنصلية لجذب السياح، وتعزيز التبادلات الثقافية أو التربوية، وإدارة الهجرة الاقتصادية، استعملتها روسيا للدفع قدما بمصالحها الأمنية وطموحاتها الإقليمية أيضا. ومنذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، سعت روسيا إلى تأسيس مواطنة مزدوجة للشتات الروسي في الدول السوفياتية سابقا، وفي نفس الوقت "منح جوازات السفر" لمناطق معينة خارج حدودها يسكنها متحدثون باللغة الروسية، الذين غالبا ما يتحدون قوانين تلك  الدول ومعاييرها الدولية، بحسب مقال غريغاس.

وأشارت الكاتبة إلى أنه "وبعد أن أصبح من السهل على أي مواطن من الاتحاد السوفياتي سابقا اكتساب المواطنة الروسية بموجب قانون روسيا للمواطنة الصادر في عام 2002، أطلق الكريملين حملة لتقديم جوازات سفر روسية في أبخازيا التابعة لجورجيا وفي مناطق جنوب أوسيتيا. وأصدرت القنصلية الروسية في سيمفروبول الكثير من جوازات سفر روسية في القرم في السنوات قبل ضم بينينزولا في عام 2014. ومن أجل دعم هذه المهمة، قاد مؤتمر المجتمعات الروسية، منظمة سياسية عامة، عملية تقديم الجوازات في أبخازيا منذ 2002 ولعبت دور قوة رائدة مؤيدة لروسيا في القرم قبل 2014".   

واعتبرت غريغاس أنه "وعن طريق تعزيز الشعور بالاغتراب والانفصالية، فسحت عملية تقديم الجوازات الطريق أمام روسيا لتأمين السيطرة الفعلية على جنوب أوسيتيا، وأبخازيا والقرم، ومنطقة ترانزنيستريا التابعة لمولودفا. إلا أن روسيا تواصل إصرارها، مستعينة بلغة حقوق الإنسان الحديثة- على أن عملية تقديمها للجوازات تهدف إلى حماية الأشخاص المحتاجين".  

وخلال القرن التاسع عشر، أكد القياصرة الروس حقهم في حماية مواطني الأورتودوكس الذين يعيشون في الإمبراطورية العثمانية، وهي سياسة تسببت بشكل كبير في نشوب حروب البلقان في تلك الفترة. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، ركزت القوانين والمذاهب الروسية على "حماية" الروسيين المحتاجين، والأقليات المتحدثة باللغة الروسية، و"مواطنيهم" (فئة مبهمة لكن يشار إليها باستمرار)، داخل حدود الاتحاد الروسي وخارجها.

وخلال حرب 2008 بين روسيا وجورجيا، كرر الرئيس الروسي آنذاك ديميتري ميدفيديف، أثناء مناقشته للأوسيتيين والأبخازيين، الذين مُنحوا جوازات السفر الروسية، أن "حماية حياة مواطنينا وكرامتهم، أينما حلوا وارتحلوا، أولوية بلادنا التي لا تقبل النقاش." كما برر توظيف روسيا للقوة العسكرية في جنوب أوسيتيا على أنها دفاع عن "كرامة وشرف المواطنين الروسيين."

وبنفس اللهجة، في عام 2014، أكد بوتين قائلا " يجب علينا أن نحمي المواطنين المنتمين إلى العرق الروسي في أوكرانيا، بالإضافة إلى جزء من ساكنة أوكرانيا التي تشعر أن لها روابط عرقية وثقافية ولغوية مع روسيا، والتي تشعر أنها جزء من روسكي مير (العالم الروسي)".

 وأكّدت غريغاس أن "المواطنة هي الضمان الأخير للحماية التي تقدمها الدولة الروسية. ويعني ذلك بالنسبة للعديد من الأشخاص، مكاسبا اجتماعية واقتصادية: إن جواز السفر الروسي يجعل السفر إلى روسيا، حيث يمكنهم كمواطنين، الاستفادة من الخدمات مثل التعليم المجاني والرعاية الصحية وبرامج دعم الأسر (بما في ذلك الإعفاء من الرهن العقاري والتسديد نقدا بالنسبة للأسر الكبيرة، والتقاعد المدني والعسكري، كما  يمكنهم أن يصوتوا في الانتخابات الروسية أيضا".  

وتابعت قائلة: "ولكن لتأكيد مكائد الكريملين الاستراتيجية، فهو يعتمد سياسة الانتقائية في العديد من هذه المكاسب خارج روسيا، خاصة في الأراضي الانفصالية. مثلا، في عام 2008، كان المواطنون الروس القاطنين بترانزنيستريا، وليس هؤلاء الذين يقطنون في باقي مولدوفا، يتلقون أجورا حكومية شهرية... ونظرا لسجل روسيا التتبعي، لا ينبغي تجاهل جهودها لتوفير جوازات السفر لأوكرانيا. ولم يكون إعلان بوتين نيتَه منح المواطنة المعَجَّلة للأوكرانيين القاطنين في منطقة دونباس الشرقية، بمحض الصدفة. إذ حدث ذلك بعد مرور أربعة أيام فقط على انتخاب البلاد لمرشح غير تقليدي، فولوديمير زيلينسكي، رئيسا". 

و"كانت وزارة الخارجية الأميركية محقة عندما وصفت سياسة منح الجوازات الجديدة التي اعتمدها الكريملين شرق أوكرانيا " عملا استفزازيا للغاية" يعزز "عدوانية روسيا اتجاه سيادة أوكرانيا ووحدتها الترابية، لكن بعد أن قال بوتين، لاحقا، إنه قد يبسط عمليات المواطنة لجميع الأوكرانيين، تبين أن الإدانات الشفاهية ليست كافية. ويجب على الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الأوروبيين دراسة المزيد من العقوبات، التي يمكنها أن تستهدف نورد "ستريم 2"، مشروع خط أنبوب الغاز الروسي نحو ألمانيا" تقول غريغاس.  

وختمت الكاتبة مقالها بالقول: "ينبغي على الحكومة الأوكرانية تعزيز نفوذها في دونباس من أجل احتواء محاولات روسيا تغريب الأشخاص هناك. لكن نظرا لقدرة أوكرانيا المحدودة في مقاومة التوسع الروسي، ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا فعل المزيد حتى لا تعزز روسيا استيلاءها على أراضي أخرى".