ويشير بروكس في مقاله، إلى أن "تعريف الأميركي في نسخة ترامب يقوم على ثلاثة أسس: الأول أن تكون مبغضا للأجانب، الثاني أن يحنّ إلى الماضي، فالقيم الأميركية كانت أفضل في تاريخ ذهبي سابق، أما الأساس الثالث، فأن يكون أبيض، فالبروتستانت البيض هم من أقاموا أميركا وأي شخص آخر فيها مستفيد من تعبهم".
ويضيف الكاتب: "عندما تنظر إلى فكرة ترامب حول أميركا تجد أنّها تتناقض مع الفكرة التقليدية لأميركا في كل تفصيل، وفي الواقع فإنّ قصة ترامب القومية أقرب إلى قصة روسيا القومية من قصتنا، إنها عقيدة غريبة يريد أن يزرعها في أرضنا".
ويرى بروكس أن "رؤية ترامب هي ضد أميركا بشكل جذري، ففكرة أميركا الحقيقية لا تقوم على رهاب الأجانب، ولا تقوم على الحنين للماضي، ولا على العنصرية، إنها تقوم على التعددية والتطلع للمستقبل والكونية، أميركا متميزة بالضبط لأنها البلد الوحيد الذي يعرف نفسه بناءً على المستقبل وليس الماضي، وأميركا متميزة لأنها من البداية رأى مواطنوها أنفسهم في مشروع له تأثير على البشرية، وأميركا متميزة لأنها قامت على الحلم بجمع المختلفين في اتحاد واحد".
ويلفت الكاتب إلى أن "البروتستانت المتشددين استقروا في هذه القارة وهم يحلمون بإقامة مدينة مستقبلية على تلة، وكانت لديهم أحلام أخروية بإتمام خطط الله على الأرض، ومع نهاية الثورة كان واضحا أن أميركا كانت أرض المنفعة المستقبلية، الشعب الذي يقود البشرية إلى مستقبل من الديمقراطية والعيش الكريم".
وينوه بروكس إلى أن جون آدمز أعلن قائلاً: "دائما ما أنظر إلى الاستيطان في أميركا باحترام وإعجاب.. كافتتاح لمشهد عظيم من البذل لإنارة عقول الجهلاء وتحرير العبيد من البشر في كل مكان".
ويقول الكاتب إنّ "الحياة الأميركية صاخبة وديناميكية؛ لأن رؤية لإقامة الجنة على الأرض تحفزها، وكما قال جورج سانتيانا فإن الأميركيين في العادة لا يميزون بين المقدس والمدنس، وببناء ثروة مادية عظيمة يرون أنفسهم يخلقون بلدا سينقذ البشرية، وسيكون أفضل أمل على الأرض".
ويرى بروكس أن "هذا الشعور بوجود مهمة في العادة جعل الأميركيين متعجرفين وخطرين، لكنه جعلنا أيضا أكثر توجسا".
ويستدرك الكاتب بأن "المهمة الأميركية عاشت بالرغم من إخفاقاتها، وقام هيرمان ميلفيل باختصار مزاج الشعب في روايته "وايت جاكيت"، فقال: "قدر الله، وتتوقع البشرية أشياء عظيمة من جنسنا، وهناك أشياء عظيمة في أرواحنا.. نحن رواد العالم، والحماة المتقدمون الذين أرسلوا إلى برية الأمور غير المجربة لنشق طريقا جديدا".
ويقول بروكس: "مرة تلو أخرى شعر الأميركيون بأنه مطلوب منهم أن يدخلوا جبهات جديدة، لتصميم ديمقراطية أو إنشاء نوع جديد من الشخص الديمقراطي، أو الاستيطان في الغرب وإدخال التصنيع، ولإنتاج تكنولوجيا جديدة، ولاستكشاف الفضاء، ولمحاربة التمييز، ولمحاربة الاستبداد، ولنشر الديمقراطية، فالمهمة كانت دائما ذاتها: القفز إلى المستقبل ولإعطاء الحياة معنى وشكلا بتوفير الفرصة والكرامة للأجناس والشعوب كلها".
ويجد الكاتب أن "هذه الفكرة الأميركية ليست التعصب البغيض، إنها إيمان وحلم، وقد شرحها المؤرخ ساكفان بيركوفيتش بشكل جيد، قائلا: "أميركا فقط هيالتي تحدت القوة المشتركة للشوفينية والإيمان بالآخرة، أشكال كثيرة من القومية ادعت أنها تملك وعدا بإنقاذ العالم، وحاولت العديد من الطوائف المسيحية، مستخدمة البدع سرا وعلانية، أن تجد المقدس في المدنس، وكثير من البروتستانت الأوروبيين حاولوا ربط رحلة الروح بالثراء المادي"".
ويستدرك المؤرخ قائلا: "لكن الطريقة الأميركية فقط من الرموز الحديثة كلها استطاعت أن تتحايل على التناقضات الموجودة في هذه المقاربات، ومن شعارات الهوية كلها فقط "أميركا" نجحت في توحيد القومية مع العالمية والمدنية مع الروحية والتاريخ المقدس مع العلماني..".
ويؤكد بروكس أن "حملة ترامب هي هجوم على هذا الحلم، ورد الفعل الصحيح هو تأكيد هذا النموذج المثالي، والمهمة أمامنا هي أن نخلق أكبر ديمقراطية تعددية في تاريخ الكرة الأرضية، شعبا عالميا حقا، وهو ما سيرقع الخروق الاجتماعية التي يخلقها ترامب".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الأميركيين كانوا دائما منقسمين من حيث مكان قدومهم، لكنهم متحدون في رؤيتهم لمستقبلهم المشترك، واتحدوا في الرؤية لخلق وطن تعددي ينتمي فيه الجميع، أو كما كتب لانغستون هيوز: أميركا لم تكن يوما أميركا بالنسبة لي، ومع ذلك أقسم على أن أميركا ستكون".