وسيكون هذا ثالث توغل من نوعه لتركيا منذ 2016 بعدما نشرت بالفعل قوات على الأرض عبر قطاع في شمال سوريا بهدف احتواء النفوذ الكردي بسوريا في الأساس.
لتركيا هدفان رئيسيان في شمال شرق سوريا: إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها إذ تعتبرها خطراً أمنياً وإنشاء منطقة داخل سوريا يمكن فيها توطين مليوني لاجئ سوري تستضيفهم في الوقت الراهن.
وتدفع أنقرة الولايات المتحدة للمشاركة في إقامة "منطقة آمنة" تمتد 32 كيلومتراً في الأراضي السورية لكنها حذرت مراراً من أنّها قد تنفذ عملاً عسكريا من جانب واحد متهمة واشنطن بـ"التلكؤ".
خلفية الصراع
يعيش نحو 30 مليون كردي في الشرق الأوسط، خصوصاً في دول إيران، والعراق، وسوريا، وتركيا، فيما يشكل الأكراد نحو خمس السكان في تركيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 79 مليون نسمة.
وقد شنّ حزب العمال الكردستاني PKK تمرّداً على السلطات التركية منذ العام 1984، وأسس عبد الله أوجلان التنظيم في العام 1978، وكان هدف التمرّد الأساسي هو الحصول على حقوق ثقافية وسياسية أوسع، إضافة إلى هدف أبعد وهو تأسيس دولة كردية مستقلة. وأدّى الصراع بين السلطة المركزية التركية، وحزب PKK الذي تصنفه أنقرة تنظيماً إرهابياً، إلى سقوط ما يقرب من 40 ألف قتيل من كلا الجانبين.
وقبل وقف إطلاق النار في 1999 بين الـPKK والجيش التركي إثر اعتقال أوجلان، كان الـPKK يتخذ من المناطق العراقية الحدودية معسكراً خلفياً لعناصره المقاتلة في تركيا.
وعقب اعتقال أوجلان، تم الاتفاق على هدنة بين الحكومة التركية والـ PKK، لكنها نقضت في 2004 واندلعت الاشتباكات مجددا بين الطرفين ليعبر نحو 2000 عنصر تابعين لحزب العمال الكردستاني إلى العراق وتبدأ الأزمة العراقية التركية مرة أخرى حول الـ PKK.
هدنة موقتة
وفي أواخر 2013، بدأت الحكومة التركية محادثات مع أوجلان من داخل محبسه للاتفاق على وقف إطلاق النار وجرى تسهيل التواصل بينه وبين قيادات الـPKK في شمال العراق.
تمّ الوصول لاتفاق في آذار 2013 انتقل على إثره عناصر من الـPKK من تركيا إلى العراق وسط ترحيب من حكومة بغداد التي اعترضت فقط على السماح بدخول أعضاء الـPKK مسلحين إلى الأراضي العراقية.
لكن مرّة أخرى، انهارت الهدنة في 2015 عقب غارات تركية استهدفت عناصر PKK في العراق، وذلك أثناء قصف مواقع لتنظيم "داعش"، لتتوتر العلاقات بين تركيا وPKK مجددا وسط تهديدات تركية بالدخول إلى العراق، والتي يبدو أنها أصبحت واقعاً.
كما انهار وقف لإطلاق في أعقاب تفجير انتحاري نفذه من يشتبه بأنهم من مقاتلي "داعش"، وقد أسفر عن مقتل ما يقرب من ثلاثين كردياً بالقرب من الحدود السورية، وفي أكتوبر 2015 نفذت جماعة تتبع لـ PKK تدعى TAK، هجوماً في حشد جماهيري.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، توترت العلاقة بين السلطات التركية من جهة وبين حزب الشعب الديمقراطي الكردي في تركيا، وبين وحدات حماية الشعب YPD التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري PYD (والذي تربطه علاقات بـ PKK). وقد نفذ PKK هجمات ضد السلطات التركية في جنوب غرب تركيا، بمعاونة وحدات حماية الشعب YPG.
الأكراد في سوريا
في سوريا، كان جلّ تركيز الأكراد منصب على قتال تنظيم "داعش"، إذ كان ينضوي معظمهم تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية المعروفة بـ SDF، وهو تحالف بين مقاتلين من الأكراد والعرب يحظون بدعم الولايات المتحدة، وقد أسس الـ SDF منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا.
وفي أيلول 2014، دعا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الأكراد إلى بدء "مقاومة شاملة" ضدّ داعش؛ في وقت لاحق من ذلك الشهر، حوصرت بلدة كوباني من قبل "داعش" وتمّ الإستيلاء عليها، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من الأكراد السوريين إلى تركيا.
وأسفرت المعركة التي تلت ذلك عن مقتل أكثر من 1600 شخص، لكن قوات سوريا الديمقراطية SDF بقيادة الأكراد استعادت سيطرتها على المدينة في يناير 2015.
وحررت قوات سوريا الديمقراطية SDF مدينة منبج السورية الإستراتيجية من "داعش" في آب 2016، لكن أطلقت تركيا عملية عسكرية كبيرة عرفت بـ"درع الفرات"، والتي استمرت من 24 آب 2016 وحتى 29 آذار 2017.
وقد استطاعت القوات التركية دفع عناصر SDF للضفة الشرقية من نهر الفرات، ما سمح للمعارضة السورية السيطرة على 2000 كيلومتر مربع في شمال غرب سوريا، ومنع اتصال الأقاليم التي كانت تابعة لـSDF ببعضها البعض.
وفي كانون الثاني 2018، أطلقت تركية عملية عسكرية شارك فيها الجيش التركي والجيش السوري الحر للسيطرة على مدينة عفرين، وقد استطاعوا تحقيق ذلك في شهر آذار 2018. ومنذ ذلك الحين، استمرت تركيا في التلويح بإمكانية شن هجمات على مناطق تحت السيطرة الكردية في سوريا، بما في ذلك منبج.
وتستمر التوترات بين الحكومة التركية وأكراد سوريا، حيث يترقب المجتمع الدولي تطورات المشهد في شمال سوريا، حيث حذّرت الأمم المتحدة "الأسوا" إذا ما اقدمت تركيا على التوغل في شمال سوريا وفتح جبهة جديدة مع الأكراد.