وذكر سانر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن البغدادي، الذي أعلن قيام "الخلافة" في مدينة الموصل العراقية في حزيران 2014، قتله القوات الأميركية في 26 تشرين الأول، منهية 5 سنوات من ملاحقة الإرهابي رقم 1 في العالم.
ويعتبر الباحث أن "القائد الجديد لتنظيم الدولة يواجه تحديا كبيرا: كيف سيستطيع أن يظهر شرعيا أمام أتباع التنظيم والمجتمع المسلم الأوسع، وكانت جاذبية أبي بكر البغدادي بالطبع تقوم على ادعائه بأنه يعيد إقامة الخلافة كما كانت في القرون الأولى من الإسلام".
ويشير سانر إلى أنه "فعل ذلك ابتداء بالتركيز على انحداره من قبيلة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، قريش، التي يجب أن ينحدر منها الخلفاء جميعهم، بالإضافة إلى أنه أعطى نفسه اسم (أبي بكر)، وهو اسم الخليفة الأول بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعندما خاطب أتباعه فإنه فعل ذلك بأسلوب متكلف وبلغة تعود للقرون الوسطى، وحتى الأعلام السوداء المشهورة لتنظيم الدولة -التي طبعت عليها أحرف عربية قديمة- كان يقصد منها تقليد الأعلام السوداء التي جاءت بالخلافة العباسية للعراق خلال القرن الثامن الميلادي".
ويضيف الكاتب: "يجب علينا ألا ننسى مدى الجرأة بالنسبة للبغدادي لأن يعلن نفسه خليفة، ومصطلح (خليفة) مصطلح عربي يعود لقرون الإسلام الأولى، حيث كان الخليفة يعد (ظل الله في أرضه)، فمن خلال قيادته لمجتمع روحي وسياسي -الأمة المسلمة- على الخليفة أن يعتني بشؤون رعاياه ومصالحهم الدنيوية والأخروية".
واوضح سانر أنه "بسبب رفعة هذا المنصب، وكون معظم الخلفاء اعترف بهم المسلمون الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر على نطاق واسع، فليس غريبا أن الإرهابيين السابقين، مثل أسامة بن لادن، لم يتجرأوا على حمل هذا اللقب الرفيع، بالرغم من تطرفهم في أمور أخرى".
ويرى الباحث أن "ما جعل البغدادي مختلفا -وخليفة معقولا في عيون الكثير من الإرهابيين ومؤيديهم في أنحاء البلاد- كان سيطرته في الذروة على شبه دولة تصل مساحتها قدر مساحة بريطانيا، والأهم من ذلك هو أن تلك الدولة امتدت من سوريا للعراق، وهما مركزان مهمان للتاريخ الإسلامي والخلافتين الأموية والعباسية، أي أن إثبات خلافته كان أسهل".
وقول سانر إن "ما يستحق الإشارة هو أن معظم المسلمين لم يقبلوا ادعاءات البغدادي، وكان تصرف دولته (الإسلامية) واضح بأنه غير إسلامي، وفي الواقع فإن معظم ضحاياه على مدى الخمس سنوات الماضية كانوا مسلمين، ومع ذلك فكان من الواضح أن رجال الدين المسلمين شعروا بأن عليهم أن يقوموا بتفنيد ادعاءاته باستمرار، وكأن في ذلك اعترافا ضمنيا بأن تلك الادعاءات تمتلك قوة جاذبية، ابتداء من الرسالة المفتوحة للبغدادي في أيلول/ سبتمبر 2014، وقد يكون البغدادي خليفة مصطنع، لكنه في جوانب كثيرة نجح في أداء الدور".
ولفت الكاتب إلى أن "الخلفاء كانوا خلال حقب التاريخ كلها سببا في توحيد المسلمين وتفريقهم، ففي الوقت الذي كان فيه البعض يتبع الخليفة بسبب ادعائه بامتلاك الشرعية السياسية والروحية، فإن البعض الآخر كانوا يشعرون بأنهم منبوذون ومدفوعون نحو الثورة، وهذا تسبب بأن الخلفاء -الأتقياء وغير الأتقياء على حد سواء- كانوا في كثيرا ما يقتلون، ويجب على وريث البغدادي أن يأخذ ذلك في الحسبان".
ويفيد سانر بأن "(الخلفاء الراشدون) اغتيلوا ما عدا واحد، بالإضافة إلى أن أول عائلة حاكمة في الإسلام، الأمويين، وصلت إلى الحكم بالغصب ومن خلال قتل أشخاص من بيت محمد (صلى الله عليه وسلم)، وانقلب العباسيون بدورهم على الأمويين، وقاموا بنبش قبور الأمويين وصلبوا هياكلهم ليراها الجميع، وهذا التقليد في سفك الدماء كان له صدى واضح في الفترة القصيرة والفوضوية (للدولة الإسلامية)".
ويستدرك الباحث بأنه "بالرغم من العنف، فإن موت الخليفة لم يكن بالضرورة نهاية للعائلة الحاكمة، وهذا هو الدرس بخصوص مستقبل تنظيم الدولة أيضا، نحن لا نعرف الكثير عن الخليفة المعين الجديد، وقد وصفه الإعلان الصوتي لتنظيم الدولة بأنه (عالم دين) و(قائد عسكري)، لكن ما هو واضح هو أنه سيرأس شظية مما كان يوما (دولة كبيرة)، وهو ما يعني أنه ليس من المتوقع أن يكون الشخصية الملهِمة كسلفه، ويمكن أن يتغير هذا طبعا، وفي الوقت الذي تبقى فيه سوريا والعراق هما الوطن الروحي لتنظيم الدولة، إلا أن فرعه في أفغانستان يزدهر وقد يشكل قاعدة جيدة في المستقبل".
وأنهى سانر مقاله بالقول: "بدأ التاريخ الإسلامي بخلافة واحدة في المدينة ودمشق وبغداد، ثم وبالتدريج تحولت إلى عدة خلافات متنافسة في أنحاء العالم الإسلامي، والتراجع في قيمة الخلافة بدأ في الصور الوسطى واستمر إلى يومنا هذا، وهو ما مكن أتباع البغدادي، الذين وجدوا الثروة، أن يقيموا ويستمروا في دولتهم البربرية، وهو ما سيشجع الإرهابيين الطامحين للربح مستقبلا على فعل الشيء ذاته".