على وقع الإستعدادات للقاء القمّة الذي يجمع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الخميس، في العاصمة الروسية موسكو، لبحث المستجدّات والتطورات في الشمال السوري، تشنّ المجموعات المسلّحة المعارضة، منذ أمس الأربعاء، عملية عسكرية موسّعة في ريف حلب الغربي، مكنتها من السيطرة على بلدتين هامتين، وفكّ حصار نقطة تركية، بحسب ما نقل موقع "عربي 21" عن "المعارضة السورية".
ويأتي ذلك في وقت تستمرّ فيه أنقرة بعمليّتها "درع الربيع" التي أطلقتها ضدّ النظام السوري، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية، اليوم الخميس، في حصيلة جديدة للعملية أنّه "تمّ تدمير 4 دبابات و5 مدافع وراجمات صواريخ و3 مضادات للدبابات، فضلاً عن تحييد 184 عنصراً من قوات النظام السوري خلال الـ24 ساعة الأخيرة من درع الربيع".
ميدانياً، وبحسب ما أعلنته المعارضة على حساباتها الرسمية في مواقع التواصل، فإنّ عناصرها استعادوا السيطرة على تل الأرقم والشيخ عقيل في ريف حلب الغربي، وتمكّنوا من فك حصار نقطة المراقبة التركية في المنطقة. وتحاول المعارضة أيضاً السيطرة على قرية قبتان الجبل ومناطق أخرى في ريف حلب الغربي.
سراقب ومحيطها بإدلب
وفي الأثناء، قتل 16 شخصاً، وجرح 18، بقصف روسي، اليوم الخميس، على تجمّع للنازحين في مدينة معرة مصرين بريف إدلب. ولا تزال الاشتباكات العنيفة مستمرة بين قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل المعارضة من جهة أخرى على المحاور الغربية لمدينة سراقب وقرية آفس وشابور والترنبة.
وتقدمت قوات الجيش السوري والقوات الحليفة، وسيطرت على أجزاء واسعة في قرية آفس شمال غرب مدينة سراقب، بعد اشتباكات عنيفة مع المجموعات المسلّحة المعارضة، فيما لا تزال الاشتباكات العنيفة على عدة محاور في ريف سراقب الغربي.
وتحاول المعارضة استعادة السيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية بعد أن خسرتها مرتين.
ريف اللاذقية
وبحسب "عربي 21"، فقد أحبطت المجموعات المعارضة هجومين متتاليين من قوات الجيش السوري على محور الحدادة في ريف اللاذقية الشمالي، تزامناً مع قصف مدفعي مكثّف على المنطقة ذاتها.
وسبق أن وسّعت "الجبهة الوطنية للتحرير" التابعة لـ"الجيش الوطني السوري" المعارض، من نقاط استهداف قوات الجيش السوري لتشمل ريف اللاذقية، لتفتح محاور قتال جديدة غرباً.
وقالت حينها في بيان، إنّها استهدفت نقاط تمركز تجمعات قوات الجيش السوري على محاور مختلفة في جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي.
جبل الزاوية
وتركّزت على قرى جبل الزاوية وريف سراقب وأريحا في ريف إدلب، وسهل الغاب في ريف حماة، فيما وارتفع عدد الغارات من الطائرات السورية الحربية خلال 24 ساعة.
دوريات روسية
في سياق متّصل، أعلن رئيس "المركز الروسي للمصالحة في سوريا"، الأميرال أوليغ غورافليف، أمس الأربعاء، أنّ الشرطة العسكرية الروسية تواصل القيام بدوريات في محافظتي الحسكة وحلب السوريتين. وقال: "تم تسيير دوريات لوحدات الشرطة العسكرية الروسية على طرق سير في محافظة حلب، ومحافظة الحسكة".
وأضاف غورافليف، أنّ الطيران الحربي قام بطلعات على الخطوط الآتية: "مطار متراس - خانك الفوقاني - عين عيسى - المزرعة - بئر حميد - مطار كويرس"".
بالإضافة إلى ذلك، قال إنّ الشرطة العسكرية الروسية تواصل القيام بدوريات في بلدات مدينة سراقب وفي مناطق أخرى في محافظة إدلب.
لقاء أردوغان – بوتين
وتأتي التطورات الميدانية على الأرض، قبيل لقاء هام يجمع كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لبحث خفض التوتر في إدلب السورية.
وكان الكرملين والرئاسة التركية، أكّدا أنّ بوتين وأردوغان، سيناقشان في 5 آذار، قضايا التسوية في سوريا إلى جانب تفاقم الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب.
تأثير المحادثات بين بوتين وأردوغان
وتدور تساؤلات حول تأثير التطورات الميدانية على المحادثات بين أردوغان وبوتين، وتأثير المحادثات كذلك على الأرض ميدانياً في ما بعد.
وفي هذا السياق، نقل موقع "عربي 21" عن القيادي في المعارضة السورية، قحطان الدمشقي، قوله إنّ "اللقاء يأتي في وقت تزجّ فيه كل من روسيا والنظام السوري و"حزب الله" بكامل قواتهم وعتادهم لاسترجاع المناطق التي استعادتها الفصائل المعارضة مؤخراً بدعم تركي في سراقب ومحيطها".
وأكّد أنّ "روسيا والنظام السوري، يحاولان أن يفرضا سياسة الأمر الواقع على تركيا قبل اللقاء، وإجبارها على الخضوع لشروط الروس".
وكشف أنّ "هناك دعماً جوياً تركياً محدوداً ومقيداً بالطيران المسيّر المرافق بالتغطية النارية للفصائل المقاتلة على الأرض".
ولكنه لفت في الوقت ذاته، إلى أنّه "على الرغم من محدودية التحركات والدعم التركي، إلا أنّ القوات التركية وفصائل المعارضة تمكنت من السيطرة على مناطق جديدة واستعادة أخرى كانت قد خسرتها سابقاً"، معتبراً أنّ "أي تفاهمات أو اتفاقات مستقبلية بين الروس والأتراك، قد تنذر بانكسارات في صفوف المعارضة".
وأكّد أن تركيا وروسيا "لا تزالان مختلفتين على تطبيق اتفاقات خفض التصعيد، فما تريده أنقرة تنفيذ حدود سوتشي 2018، بينما تصر موسكو على السيطرة على كامل إدلب، وطرد ما تسميها بالتنظيمات الإرهابية المسلحة".
"العملية التركية لم تنطلق تماماً"
من جانبه، يرى الصحافي المختص بالشأن التركي أحمد حسن، أنّ العملية التركية "لم تنطلق تماماً حتى يطرأ عليها تأثير كبير بعد محادثات موسكو".
وأكّد أنّ "الأمر له بعد يتعلق بالتحضيرات اللوجستية في الداخل التركي"، مضيفا أنه "لم يتم بعد الانتهاء من التأطير الدولي للعملية، حيث لم تتوضح بعد الأجوبة الدولية على الطلبات التركية عمليا رغم الدعم السياسي، كما أنه لم يتم بعد الانتهاء من التحضيرات لدى فصائل المعارضة".
وأضاف لـ"عربي 21" أنّ ما حصل من طبيعة التحرك التركي وعمليتها الأخيرة في الشمال السوري، تعد أوراق تفاوض لطاولة الرئيسين، اليوم الخميس.
مطالب تركيا
وقال: "الطلب التركي واضح بتنفيذ سوتشي، ما يعني عودة النظام إلى ما قبل النقاط التركية، ووقف إطلاق نار مستدام، والتفاوض بهدف تحقيقه دبلوماسياً، وفي حال عدم النجاح في ذلك، يكون التفاوض على حياد الروس وآلية تنسيق منع الاشتباك معهم خلال العملية مع النظام".
واعتبر أنّه "بعد مصرع دفعة كبيرة من الأتراك لم يعد موضوع الميدان عاملاً مؤثراً وورقة في التفاوض، لأنّ تركيا عزّزت أوراقها بأشياء أهم من الميدان، وهي ورقة التكنولوجيا التي استخدمتها بكفاءة ضدّ النظام، وكذلك ورقة توسيع الأهداف من الميدان في ريف ادلب وريف حلب إلى أي منطقة يتواجد فيها النظام في سوريا".
وأكّد أنّ "تركيا لم تجعل القرى والمدن بما فيها سراقب في الشمال السوري، على طاولة المفاوضات لوجود أوراق أقوى".
ويرى حسن، أنّ أكبر مشكلة للأتراك ليست الروس ولا النظام السوري، بل "سوء أداء الفصائل المعارضة، وهذا لا يعني الميدان، بل يعني عدم وجود خطة للفصائل للاستفادة من التحركات التركية بكفاءة".
وعن الخيارات في المفاوضات بين تركيا وروسيا، رأى أنّ "الخيارات محدودة جداً خلال لقاء الخميس، إمّا حياد الروس بينما يقاتل الجيش التركي قوات النظام السوري، أو دعم الجيش السوري بشكل غير مباشر بهدف تحسين شروط التفاوض، أو تنفيذ طلب تركيا بسحب قوات النظام خارج النقاط، لكن بدون إدخال المعارضة، واقتصارها على قوات فصل تركية روسية".
وفي هذا السياق، يعتقد مؤسّس "الجيش السوري الحر" العقيد رياض الأسعد، أن "تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تدلّ على سعيه لعودة الأمور إلى ما بعد النقاط التركية، ما يعني انسحاب قوات النظام من المناطق التي احتلتها في الأيام الماضية".
وأكّد لـ"عربي21" أنّ أردوغان "طالب بوقف إطلاق النار وتثبيت الأمر الواقع، وكان هذا مرفوضاً من روسيا، وفشلت كافة المباحثات بين الطرفين، وفي هذا الإطار أطلقت العملية التركية وبزخم قوي، ما يدل على جدية القرار التركي بعودة النظام السوري إلى ما قبل خان شيخون، وهذا ما سيصر عليه أردوغان في المحادثات".
"خداع روسي"
وقال الأسعد بشأن تأثير لقاء أردوغان بوتين ميدانياً على الأرض: "لن يكون هناك تراجع لفصائل المعارضة، فروسيا تتبع سياسة الخداع وكسب الوقت، واستطاعت تحقيق ما تريد، ولم تكتف بذلك، بل تم قصف النقاط التركية بضوء أخضر منها، لإحراج الأتراك أكثر، وليأتي القرار التركي بالرد وبشكل قاس".
وتوقع بشأن اللقاء الخميس، أن يتوسع الخلاف بين أردوغان وبوتين بشكل أكبر، إذ إن "تركيا لن تخدع مرة أخرى من روسيا".
وفي ذات السياق، اعتبر القيادي في "الجيش الحر" النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديثه لـ"عربي21"، أنّ "العملية التركية بدأت بعد استنفاد كل المحاولات الدبلوماسية، وذلك لتحقيق الأهداف التي وضعها الرئيس أردوغان بانسحاب النظام إلى خطوط اتفاق سوتشي، أي ما بعد نقاط المراقبة التركية، واللقاءات والمفاوضات مع روسيا هي لتحقيق هذا الهدف بالتزامن مع استمرار العملية العسكرية".
وأشار إلى أن تركيا "بمجرد تحقيق أهدافها بالمفاوضات أو بالمعارك على الأرض، ستتوقف بالتأكيد".
وأكّد أنّه "مهما كانت الخسائر كبيرة، فإنّ روسيا تحاول السيطرة على سراقب، حيث وضعت كل إمكانياتها النارية، واستقدمت مجموعات إيرانية وأخرى تابعة لها من أجل ذلك، بهدف نشر شرطتها هناك، ووضع تركيا أمام الأمر الواقع، إذ إنها المدينة الأهم في معادلة السيطرة على الطرق الدولية، فهي عقدة هذه الطرق".
وبشأن ما بعد المحادثات، رأى أنّه "في الأيام المقبلة سنشهد عمليات برية واسعة، وفتحا لمحاور متعددة في آن واحد، فقوات المشاة والقوات الخاصة التركية لم تدخل المعركة إطلاقا حتى الآن، إنما الدور التركي حتى الآن هو الدعم الناري للفصائل".
من جانبه، رأى الصحافي السوري، قيس الأحمد، أنّ العملية التركية الحالية تشبه سابقاتها مثل "غصن الزيتون" و"نبع السلام" و"درع الفرات"، حيث إنّ الأتراك دائماً ما تكون عملياتهم بشكل متتابع وبطيء على مراحل عدة، مستبعداً أن تطرأ تغيرات كبيرة على الأرض بعد لقاء أردوغان بوتين.
وقال الصحافي في حديث لـ"عربي21" إنّ "الموقف التركي ثابت بما يخص مسألة عودة النظام السوري إلى حدود سوتشي 2018، وتسعى تركيا إلى وقف إطلاق النار في إدلب".



