سجل المرض ظهوره بأثينا عام 430 قبل الميلاد خلال ثاني سنوات الحرب البيلوبونيسية. وعلى حسب ما نقله المؤرخ ثوسيديديس نشأ هذا الوباء بجنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا عند مناطق بجنوب إثيوبيا وانتقل منها نحو مصر قبل أن يحل بأثينا عن طريق ميناء بيرايوس الذي اعتمد عليه الأثينيون خلال الحرب مع إسبرطة.
فمع اندلاع المعارك، امتلك الإسبرطيون وحلفاؤهم أعدادا كبيرة من الجنود فركّزوا جهودهم على الحملة البرّية. وفي المقابل امتلكت أثينا عددا هاما من السفن والبحّارة ففضّلت الانسحاب خلف أسوار المدينة وشن حملة بحرية ومهاجمة قوات إسبرطة انطلاقا من البحر. وبسبب الانسحاب، تزاحم عدد كبير من السكان داخل أسوار أثينا وسط ظروف صحية سيئة مسهّلين بذلك عملية انتشار الوباء.
وعلى حسب ما رواه ثوسيديديس، عجز الأطباء عن تشخيص وعلاج هذا المرض، وكانوا أول ضحاياه بسبب احتكاكهم مع المصابين. كما تحدّث المؤرخ الإغريقي عن معاناة المرضى من حمى شديدة أجبرت كثيرا منهم على خلع ثيابهم أو الاستحمام بالماء البارد، مؤكدا على عدم قدرتهم على النوم وظهور حالات إسهال بينهم وانتشار التقرحات على أجسامهم.
أيضا، أخبر ثوسيديديس عن رفض الحيوانات المفترسة والطيور الجارحة أكل لحوم ضحايا المرض بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منها وتحدّث عن معاناة الناجين منه من تشوهات خلقية عقب شفائهم.
عاود الوباء ظهوره مرتين خلال عامي 429 و426 قبل الميلاد وأسفر عن وفاة حوالي 100 ألف شخص وهو ما يعادل ثلث سكان أثينا التي تراوح تعدادها السكاني حينها بين 250 و300 ألف نسمة. وقد كان من ضمن ضحايا هذا المرض القائد التاريخي بريكليس الذي قاد أثينا والتي تزعّمت بدورها الحلف الديلي أثناء الحرب البيلوبونيسية. ومع انتشار الوباء بأثينا، تخوّف الإسبرطيون من انتقال العدوى إليهم فعمدوا لسحب قواتهم والتراجع لتجنب الاحتكاك مع جنود أثينا المرضى.
بناء على ذكره ما ثوسيديديس، انتشرت الجثث بالشوارع وترك العديد منها ليتعفن في الطرقات بسبب خوف الأثينيين من انتقال العدوى إليهم في حال اقترابهم منها.
من جهة ثانية، لم يتردد عدد المتطوعين في نقل بعض هذه الجثث لدفنها بقبور جماعية عميقة. أيضا، رفض الأثينيون احترام القوانين التي كانت سائدة بمدينتهم كما عمدوا للفتنة الدينية واتهموا آلهتهم وعلى رأسها الإله أبولو (Apollo) بالوقوف لجانب إسبرطة بالحرب ونشر الوباء بأثينا لتدميرها.
من جهة ثانية، تحوّلت معابد أثينا لمراكز إيواء للمتشردين والفارين من الوباء حيث حلّ الجميع بها مع بلوغ المرض لمناطقهم.
وأسهم هذا الوباء الذي عصف بأثينا في تراجع مكانة هذه المدينة وانهيار مجتمعها كما أثّر بشكل كبير على مستقبل الحرب البيلوبونيسية التي شهدت لاحقا انتصار إسبرطة وحلفائها.
و خلال الفترة المعاصرة، يشكك الكثير من العلماء المعاصرين في طبيعة هذا الوباء الذي ظهر عام 430 قبل الميلاد. فعلى حسب الأعراض التي ذكرها ثوسيديديس تحدّث البعض عن الطاعون الدبلي بينما اختلف آخرون بين الجدري والحصبة والتيفوس والحمى التيفوئيدية والإيبولا.