وجود استراتيجي في الشرق الأوسط
بالاستناد إلى الاتفاق، توظف الصين 280 مليار دولار في البنية التحتية للنفط، و120 ملياراً في بنى تحتية أُخرى. وفي المقابل، تحصل الصين على تزويد منتظم بالنفط بأسعار زهيدة جداً وبكمية مليوني برميل في اليوم طوال مدة الاتفاق. تستورد الصين نحو 75% من استهلاكها للطاقة من الخارج، وهي أكبر مستورد للطاقة في العالم. لكن النفط هو أحد الأثمان الذي سيحصل عليه الصينيون في إطار الاتفاق إذا تحقق، ويشكل مساهمة هائلة للاقتصاد الصيني، لكن المقابل الاستراتيجي الذي ستحصل عليه بيجين مساوٍ أو بما هو أكبر بكثير، وفق ما ورد في المقال.
تعاون استخباراتي ودفاعي سيبراني
بين بنود التعاون التكنولوجي يختبىء بند مهم بصفة خاصة يتطرق بوضوح إلى أن الصين ستتعاون مع إيران في مجال الدفاع السيبراني، مثل نموذج مشروع "جدار النار" (fire wall) الصيني الكبير الذي تستخدمه بيجين لشلّ منظومات إلكترونية على الإنترنت أو السايبر في دول وهيئات تعتبر معادية لها.
هذه التكنولوجيا ستوضع بتصرف إيران، وتداعياتها بالنسبة إلى إسرائيل واضحة. الصين لن تحصل فقط على اقتصاد إيراني وصناعة طاقة إيرانية خاضعة لها إلى حد كبير، بل أيضاً على القدرة على نشر نفوذها في كل أنحاء الشرق الأوسط بواسطة علاقات إيران في المنطقة.
هذه خطوة كلاسيكية تخدم استراتيجيا "الحزام والطريق" التي تطبقها الصين في السنوات الأخيرة للحصول على نفوذ اقتصادي واستراتيجي في آسيا كلها، وفي المنطقة الواقعة بين بيجين وغرب أوروبا. ضمن إطار هذه الاستراتيجيا، تستثمر الصين مبالغ هائلة في مشاريع بنى تحتية في دول آسيا وأفريقيا، يقوم بها عمال ومهندسون صينيون. في إطارها تتعهد الدول التي توجد فيها مرافىء ومطارات وسكك حديدية يبنيها الصينيون بوجود صيني دائم فيها.
بهذه الطريقة نجحت الصين في الحصول على مواقع في مرافىء على طول شواطئ المحيط الهندي، وفي جزء كبير من دول أفريقيا التي تملك المواد الخام المهمة للصناعة الصينية، بما فيها الصناعة النووية. الوجود في موانىء المحيط الهندي يتيح للصين توسيع نفوذها ووجود أسطولها البحري الذي كبر بسرعة، ليس فقط في بحر الصين الجنوبي، حيث تشتبك مع الولايات المتحدة، بل أيضاً في طرق الملاحة في المحيط الهندي والسفن وصولاً إلى قناة السويس.
الاتفاق مع إيران يسمح للصينيين بإقامة وجود استراتيجي على المدخل الجنوبي للخليج الفارسي، وبذلك يشكل بالتالي تهديداً محتملاً للأساطيل الأميركية والبريطانية والفرنسية التي تعبر الخليج الفارسي. الوجود على طول شواطىء الخليج الفارسي يمنح الصين أيضاً إمكان التدخل في حركة ناقلات النفط من الدول العربية المنتجة للنفط، الحليفة للولايات المتحدة، وعلى رأسها السعودية والكويت.
مسار يلتف على العقوبات
بالنسبة إلى الصينيين، الربح سيأتي عندما تبدأ المشاريع في إيران بتحقيق الأرباح، وتبدأ البنى التحتية التي أقاموها في الجمهورية الإسلامية بالعمل بكامل طاقتها. في هذه الأثناء الربح الأساسي للصين هو استراتيجي، والدفع الذي يقدمه إلى مشروع "الطوق والطريق"، والذي يهدف إلى تحويل الصين إلى قوة عالمية عظمى تستخدم "قوة ناعمة" إلى جانب القوة العسكرية لنشر نفوذها وإظهار قوتها.
سيكون هناك سبب لقلق إسرائيل من وجهة نظر استراتيجية وعسكرية واستخباراتية، بحسب بن يشاي. أولاً، لأن اتفاقاً اقتصادياً استراتيجياً بهذا الحجم بين الصين وإيران سيقضم بقوة مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى وكعنصر مؤثر ومهيمن في الشرق الأوسط. كما أن تنفيذ البنود التي لها علاقة بالتكنولوجيا وبالتعاون العسكري والاستخباراتي بين بيجين وطهران سيُلحق ضرراً بقدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على إحباط المشروع النووي الإيراني، في الأساس إذا قررت إيران "القفز" إلى القنبلة النووية، وإذا نشأت حاجة إلى إحباط ذلك بوسائل عسكرية.
استخدام الـ GPS الصيني "بايدو" في أجهزة G5 الصينية، بالاضافة أيضاً إلى التعاون الاستخباراتي بين إيران والصين، سيجعل من الصعب على إسرائيل متابعة ما يجري في إيران، ويتيح تطوير منظومة الصواريخ الدقيقة من كل الأنواع لها ولحلفائها في لبنان وسورية واليمن، وفي مواجهة وسائل الدفاع التي تستخدمها وستستخدمها إسرائيل.