نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية تقريراً تناولت فيه توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتعييناته التي تقود إلى "الدولة العميقة التي طالما انتقدها"، بحسب الصحيفة.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ "وكالات الاستخبارات الأميركية تتعرّض مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لضغوط متزايدة من إدارة ترامب لتقديم المعلومات التي يريدها فقط، فبعد تنصيب جون راتكليف حليف ترامب في قمّة مجتمع الاستخبارات، تسعى الإدارة للحد من إشراف "الكونغرس"، بعد عزل مسؤول مخضرم من دوره الحساس في مجال الأمن القومي في وزارة العدل".
وأشار أحد كبار ضباط المخابرات السابقين إلى أن دونالد ترامب يسعى لخلق الشيء ذاته الذي اشتكى منه مراراً وتكراراً ألا وهو "الدولة العميقة".
وقالت الصحيفة إنّ "التركيز المكثف للصراع الحالي هو دور الروسيين السري في الحملة الانتخابية. الاستخبارات الأميركية قيّمت أن موسكو تقوم بدور نشط كما فعلت في عام 2016، لإلحاق الضرر بجو بايدن وتعزيز ترامب من خلال نشر معلومات مضللة. لكن مسؤولي الإدارة الحالية سعوا إلى وقف النقاش العام لمثل هذا التدخل".
وذكرت قناة "آي بي سي نيوز" هذا الأسبوع أن مساعد وزير الأمن الداخلي، تشاد وولف، منع نشرة في شهر تموز تحذر من الجهود الروسية لإثارة الشكوك حول الصحة العقلية لجو بايدن.
وأبلغ راتكليف المدير الجديد للاستخبارات الوطنية، "الكونغرس" نهاية الأسبوع الماضي، أن مكتبه لم يعد يقدم إحاطات شخصية حول أمن الانتخابات، وبدلاً من ذلك سيقدم تقارير مكتوبة لا يمكن إخضاعها للاستجواب من قبل المشرعين المشككين.
وبرّر راتكليف تصرفه باتهام الكونغرس بتسريب مواد سرية، ولم يوضح سبب عدم مطابقة الخطر على التقارير المكتوبة. وقال جون ماكلولين النائب السابق لمدير وكالة المخابرات المركزية إن "المخاوف من التسريبات لا ينبغي أن تفوق الحاجة إلى الشفافية".
وأضاف ماكلولين لصحيفة "ذا غارديان": "بصراحة بعد اطلاع الكونغرس عدة مرات، من الممكن التحدث عن الأمور الحساسة دون الكشف عن المصادر والأساليب. من وجهة نظري، يحتاج الناخب الأمريكي لمعرفة الكثير عن هذا الأمر، إنهم بحاجة لمعرفة ما إذا كان شخص ما يحاول التأثير على تصويتهم أو التلاعب بهم".
ريتشارد جرينيل الذي كان مدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة كان قد سعى إلى تعزيز المسؤولية عن أمن الانتخابات في ظل منصبه، وإخراج القضية المشحونة من أيدي متخصصي الاستخبارات المهنية.
وظهر يوم الاثنين أن المدعي العام، وليام بار أقال فجأة مسؤولاً مخضرماً يدير مكتب القانون والسياسة في قسم الأمن القومي بوزارة العدل.
وكان المسؤول براد ويجمان رجلا محترفا ويحظى باحترام واسع النطاق، وكان تقديم المشورة بشأن الكشف العلني عن دليل على التدخل في الانتخابات جزءاً من وظيفته. تم استبداله بمدعي عام أصغر بكثير وهو كيلين دواير وهو متخصص في الأمن السيبراني ومحافظ ولديه خبرة محدودة للغاية في مجال الأمن القومي.
وقالت كاترينا موليغان، مسؤولة الأمن القومي السابقة التي ساعدت في صياغة السياسة التي يمكن من خلالها لمكتب القانون والسياسة دقّ ناقوس الخطر بشأن التدخل: "لا يزال هذا هو السبيل الوحيد الذي يجب على (وزارة العدل) فيه الكشف عن التدخل الأجنبي في ظل غياب التهم الجنائية".
وأضافت: "عندما يتعلق الأمر بالتدخل الأجنبي، فقد يكون لدينا أشياء يجب أن يعرفها الجمهور، ولا نريد الانتظار حتى يتم إصدار لائحة اتهام قبل كشفها على العامة".
ومع إسكات المزيد من الأصوات حول هذه القضية، كان كبار مسؤولي ترامب يوجهون رسالة مختلفة بشأن التدخل في الانتخابات، وهي أن الصين هي المتدخل الأكبر وليست روسيا.
وقال راتكليف لشبكة "فوكس نيوز": "ببساطة ليس صحيحاً أن روسيا تشكل تهديداً للأمن القومي أكبر من الصين، الصين هي أكبر تهديد نواجهه". ومساء الأربعاء ردد بار الادعاء نفسه على شبكة "سي أن أن": "أعتقد أنها الصين، لأنني رأيت المعلومات الاستخباراتية، وهذا ما توصلت إليه".
وقال إيفانينا: "تستخدم روسيا مجموعة من الإجراءات لتشويه سمعة بايدن بشكل أساسي" مضيفاً: "نحن نعلم أن الصين تفضل أن لا يتم إعادة انتخاب الرئيس ترامب".
وقدّم تفاصيل عن الإجراءات الملموسة التي كانت موسكو تتخذها لإلحاق الضرر ببايدن، لكنه كان أكثر غموضاً فيما يتعلق بالشأن الصيني قائلاً: "إنها توسع نفوذها لتشكيل بيئة سياسية من أجل تشتيت الانتباه والانتقاد المضاد للصين". وعلق ماكلولين "الأدلة على روسيا موثقة وهائلة وعلى الملأ، أما عن الصين فهي ضئيلة".
وجادل جون سيفر في تعليق لصحيفة "نيويورك تايمز" بأن نمط تصرفات إدارة ترامب "ينم عن الشيء ذاته الذي استخدمه السيد ترامب لإثارة الغضب في أتباعه، وهو تشكيل جهاز أمن وطني مسيّس يكون بمثابة سلاح شخصي للرئيس بمعنى آخر "دولة عميقة".
وكان ديفيد رودي وهو صحافي ومؤلف يتفق مع تقييم سيفر، ويقول "إذا كان مفهوم الدولة العميقة هو عبارة عن مجموعة من المسؤولين الذين يمارسون سلطة الحكومة بشكل سري مع القليل من المسائلة والشفافية، فإن ترامب وأنصاره يطبقون هذا المفهوم بحذافيره بكل أكثر من ذلك".
وخلف الستار، يقوم ترامب بتسييس مجتمع الاستخبارات ووزارة العدل ويستخدمها لتعزيز جهود إعادة انتخابه.
وقالت سوزان هينيسي، وهي محامية سابقة بوكالة الأمن القومي "يقدم تحقيق دورهام الفرصة للممثلين السيئين لإحداث الكثير من الأذى، لكن الافتقار إلى الوضوح يجعل من الصعب على المراقبين الانتقاد".
وأضافت أن تكتيكات ترامب في التلاعب بالمخابرات الأميركية يمثل تهديداً تاريخياً، وربما يلقي بظلاله على الفشل الذريع الذي أدى إلى غزو العراق عام 2003.
وأضافت: "ما نراه الآن هو، من بعض النواحي، أسوأ من الإخفاقات الاستخباراتية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل.. في موضوع العراق، كان من الواضح أنه له أهمية كبيرة، لذا يجب الحذر من التأثير السياسي الدقيق في التقارير الاستخباراتية، لكن التسييس هنا وقح ومنحاز بشكل واضح".