وبحسب مقال نشره موقع "المونيتور" لم تصمد هذه الاتفاقية لفترة طويلة، وشهدت المنطقة تصعيدا عسكريا أواخر نيسان 2019، بعد قيام قوات النظام السوري، مدعومة بغطاء جوي روسي، بشن هجوم على شمال غرب سوريا.
وتمكن النظام من التقدم إلى معرة النعمان جنوب محافظة إدلب، وهو انتهاك واضح للمادة الثانية من اتفاق سوتشي، التي تنص على أن "روسيا ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب العمليات العسكرية والهجمات على إدلب. وأن الوضع الراهن سيتم الحفاظ عليه".
وتسبب التصعيد العسكري والاقتتال في نزوح أكثر من 400 ألف شخص بين نيسان وتشرين الأول 2019. وبحلول آذار 2020، زادت أعداد النازحين لتصل إلى أكثر من 1.3 مليون.
عاودت أنقرة وموسكو الاتفاق في 3 آذار الماضي على وقف إطلاق النار في شمال غرب سوريا، وبدأ الطرفان في تسيير دوريات مشتركة في 15 آذار. تسير الدوريات الروسية التركية على الطريق السريع M4 الذي يربط مدينة حلب شمال سوريا باللاذقية على الساحل السوري في الغرب.
هذا الطريق السريع يحظى بأولوية عالية للنظام السوري وحلفائه، كونه طريقا حيويا يربط بين مدينتين رئيسيتين يسيطر عليهما النظام.
وقال فراس فحام، الباحث في مركز جسور للدراسات والتنمية، وهو مؤسسة مستقلة مقرها إسطنبول تركز على الشؤون السياسية والاجتماعية السورية، لموقع المونيتور إن "الدوريات المشتركة أوقفت التصعيد العسكري الذي استهدف بشكل أساسي المناطق السكنية بضربات جوية، مما تسبب بمفاقمة حدة الوضع الإنساني من خلال التسبب في موجات كبيرة من العنف والنزوح باتجاه الحدود التركية. وأدت الدوريات إلى انخفاض تدريجي في العنف".
وقال الناطق باسم جبهة التحرير الوطني الموالية للمعارضة ناجي مصطفى للمونيتور: "لقد شهدنا انتهاكات ارتكبتها قوات النظام السوري منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار. فشلت مليشيات الأسد والقوات الروسية في احترام الاتفاق، وترافق ذلك مع خروقات ومحاولات للتقدم على عدة محاور، مثل محور حدادة بجبل الأكراد، وقرى دير سنبل وبينين وحرش بينين وفطيرة وفليفل".
وأشار مصطفى إلى أن "اتفاق وقف إطلاق النار وخفض التصعيد قلل من وتيرة القصف، وساهم بتوقف استهداف المدنيين، باستثناء الانتهاكات التي ترتكبها العصابات والميليشيات الطائفية. والمنفعة الوحيدة كانت تقليل معاناة أهلنا لأن الأسد قلل من استهدافه للمستشفيات والأسواق والقرى".
لكن مع استمرار الهجمات والقصف، وجهت انتقادات للدوريات المشتركة الروسية التركية من مختلف السكان والجماعات في المنطقة.
احتجاجات
عدنان الإمام، ناشط إعلامي يعمل في مدينة إدلب وريفها، ويتابع عن كثب الأحداث في هذه المنطقة، قال للمونيتور: "أرى رفضاً واسعاً للدوريات المشتركة في المناطق المحررة، لا سيما في مناطق جبل الزاوية وجبل الأربعين وجبل شحشبو وغيرها، كما شهد طريق M4 عدة احتجاجات ضد هذه الدوريات أيضا".
واحتج بعض الأهالي على الدوريات الروسية التركية التي يعتقدون أنها لم توقف هجمات النظام، كما تعرضت هذه الدوريات لعدة تفجيرات وهجمات من قبل مجموعات مجهولة بشكل متكرر.
ونتيجة لذلك توقفت الدوريات المشتركة في نهاية آذار الماضي، لتستأنف عملها في 22 تموز الماضي. وخلال هذه الفترة، شهدت المنطقة اعتصاما شبابيا على الطريق السريع M4 في مناطق شرق إدلب، لإجبار الوحدات الروسية على الانسحاب باتجاه منطقة الترنبة جنوب شرق إدلب.
وواجهت الدوريات المشتركة العديد من التحديات، كان آخرها في 25 آذار الماضي، عندما تعرضت قافلة روسية لانفجار أدى إلى إصابة جنديين روسيين. كما تعرضت دورية مشتركة في 18 أغسطس لهجوم من قبل مجموعة مجهولة.
وعلى الأرض، يبدو أن ميزان القوى يميل نحو النظام. ووفقا لخريطة توزع القوى في سوريا، التي نشرها مركز جسور مع بداية العام الماضي، تبين أن النظام السوري يسيطر على 60.3٪ من سوريا.
وفي آخر تحديث لهذه الخريطة نشر في أيار الماضي، يسيطر النظام السوري على 63.38٪ من الأراضي، بعد سيطرته الكاملة على ريف حماة الشمالي وعدة مناطق بريف إدلب الجنوبي، بما في ذلك معرة النعمان.
الهدف الرئيسي
وهذا دليل على أن الاتفاقات والدوريات لم تمنع النظام السوري من التقدم شمال غرب سوريا، مما قد يعني أن وقف تصعيد النظام لم يكن الهدف الرئيسي للدوريات، بل كان الهدف منها منع أي اشتباكات بين القوات التركية والروسية، وفق المونيتور.
وقال فحام: "يمكننا القول إن الدوريات المشتركة هي خطوة أولية للتهدئة، وتجنب الاشتباكات المباشرة بين الجيش التركي الذي انتشر بكثافة في شمال غرب سوريا، وبين القوات المدعومة من روسيا. ومع ذلك، فإن الدوريات المشتركة حتى الآن تتعرض لعقبات، بما في ذلك استهدافها من قبل الجماعات المسلحة".
وبعد هجوم 18 آب على الدورية المشتركة، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن روسيا علقت الدوريات المشتركة مع القوات التركية على الطريق السريع "أم 4" بسبب "الاستفزازات المسلحة". لكن الدوريات استؤنفت في 25 آب، ليتم استهدافها مرة أخرى.
وقال مصطفى: "نلاحظ دائما أن روسيا تستحضر الحجج والأكاذيب، مستخدمة الدعاية والمعلومات المضللة، بعد قيام الفصائل باستفزاز الدوريات. وغالبا ما يشن النظام السوري غارات جوية على مناطق قريبة من الطريق السريع M4، ولهذا يحاول الجانب الروسي الالتفاف على الاتفاق، نحن نرد فقط على الانتهاكات، ويحق لنا القيام بذلك".
ويعيش مئات آلاف النازحين في شمال غرب سوريا، بعد أن أجبروا على ترك بيوتهم في المناطق التي سيطر عليها النظام في السنوات الماضية، مثل حمص والغوطة الشرقية وبعض مناطق ريف دمشق.