لا تعدّ حادثة إرسال طرد إلى البيت الأبيض بداخله مادة "الريسين" السامة، وذلك بهدف استهداف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هي أولى محاولات استخدام هذه المادّة في الاغتيالات والإرهاب.
وفعلياً، فإنّ مادة الريسين التي توجد بشكل طبيعي في بذور الخروع، ارتبطت بالعديد من حوادث الاغتيالات ومحاولات استهداف الزعماء، أو حتى استخدامها كسلاح بيولوجي من قبل الإرهابيين لقتل الآلاف.
ولا يعدّ الريسين عنصراً أو مركباً كيميائياً بسيطاً، بل هو "بروتين" نباتي مركب شديد التعقيد. وبحسب الخبراء، فإنّ "تصنيع هذا البروتين مخبرياً يعتبرُ أمراً شبه مستحيل، ومصدره الأساسي هو بذور نبات الخروع التي يتم طحنها ومعاملتها كيميائياً على عدة مراحل لاستخراج هذا السم الفتاك".
وكما يقول الخبراء، فإنّه "يمكن لغاز الريسين أن يسبب الوفاة خلال 36 إلى 72 ساعة من التعرض لكمية صغيرة منه مثل رأس دبوس، كما أنّه لا يوجد أي ترياق معروف لهذه المادة السامة".
وتعتبر هذه المادة من المواد الثابتة أو المستقرة في الظروف العادية، ولكن يمكن تعطيل تأثير هذه المادة عن طريق تسخينها على درجة حرارة تصل إلى فوق 80 درجة مئوية، أو 176 درجة فهرنهايت.
ويُحتمل استخدام الريسين كأحد الأسلحة البيولوجية، حيث يمكن أن يتحول إلى رذاذ في الجو ويُستنشَق، كما يمكن ابتلاعه سواء من خلال طعام مسموم أو مصادر مياه ملوثة به أو محقونة به.
والتسمم بمادة الريسين لا يعتبر معدياً، فلا يمكن أن ينتقل المرض أو التسمم من شخص إلى آخر، ولكن يمكن أن يتعرض الشخص لهذه المادة عن طريق لمس شخص يحمل هذه المادة على جسمه أو ملابسه.
أعراض التسمم
وهناك العديد من الأعراض التي تظهر على الشخص عند تعرضه لمادة الريسين، ويعتمد ذلك بشكل كبير على الطريقة التي دخلت بها مادة الريسين إلى جسم الشخص، سواء عن طريق الاستنشاق أو البلع أو اللمس، وهذه الأعراض المختلفة هي كالآتي:
1- إذا دخلت مادة الريسين إلى الجسم عن طريق الاستنشاق، فتكون الأعراض عبارة عن صعوبة التنفس، الحمى أو ارتفاع درجة الحرارة، السعال والشعور بالغثيان، ويمكن أن يحدث تعرق شديد وتراكم للسوائل داخل الرئتين وحصول الوذمة الرئوية، الأمر الذي يسبب فشلاً في التنفس وظهور الإرهاق وفشل الجهاز التنفسي والموت.
2- إذا تم ابتلاع هذه المادة، فيمكن أن يصاب الشخص بالإسهال والتقيؤ والذي قد يصاحبه الدم، وقد يصيب الشخص جفاف شديد والذي يتبعه هبوط حاد في الضغط، ظهور دم في البول. كذلك، قد تسبب مادة الريسين بعض الهلوسات. وبعد أيام عديدة يتوقف كبد الشخص المصاب والكليتين عن العمل، وفي نهاية المطاف تحدث الوفاة.
3- إذا تعرض الشخص للحقن بهذه المادة، فقد يسبب ذلك فشلاً كاملاً في حركة عضلات الجسم، والعقد اللمفاوية القريبة من مكان الحقن، وبعد ذلك يتوقف الكبد والكلى والطحال عن العمل ويمكن أن يسبب ذلك نزيفاً شديداً من الأمعاء والمعدة والذي يؤدي إلى الوفاة بشكل سريع، بسبب فشل عمل الكثير من أعضاء الجسم المهمة.
4- إذا تعرض وجه الشخص أو المريض لهذه المادة، فإن ذلك سيسب على الفور الشعور بالحرقة والهيجان في العينين والفم والأنف. ويمكن أن تسبب هذه المادة أيضاً الاحمرار والتحسس الشديد للجلد في منطقة الوجه والرقبة والمجاري التنفسية.
محاولات اغتيال
وسبق أن وقعت حوادث عديدة مرتبطة برسائل تحتوي على غاز الريسين، قد تمّ إرسالها بالبريد إلى مسؤولين أمريكيين. وفي العام 2018، جرى اتهام رجل من ولاية يوتا يدعى ويليام كلايد ألين بإرسال طرود تحتوي على مادة سامّة إلى البيت الأبيض والبنتاغون. ومع هذا، فإن الرجل نفسه، اعترف أيضاً بأنه أرسل طروداً مشابهة لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كذلك، أدين شخصان في حادثين منفصلين بإرسال رسائل تحتوي على الريسين إلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وفي أيار 2014، حُكم على رجل من ولاية مسيسيبي يدعى جيمس إيفريت دوتشكي بالسجن لمدة 25 عاماً، وذلك بعد اعترافه بإرسال رسائل تحتوي على المادة القاتلة إلى أوباما، وإلى سناتور أمريكي، وأحد القضاة في الولاية.
وفي تموز 2014، حُكم على ممثل من تكساس بالسجن 18 عاماً بتهمة إرسال رسائل بريدية تحتوي على الريسين إلى أوباما ورئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبرغ.
وفي العام 2018، عثرت السلطات الألمانية على كمية من الريسين بحوزة إرهابي من أصول تونسية في مدينة كولونيا، تكفي لقتل وإصابة 27 ألف شخص. ويواجه المتهم وزوجته عقوبة السجن تصل إلى 15 عاماً بتهمة الإعداد لهجوم باستخدام سلاح بيولوجي.
أكد خبير لدى معهد "روبرت كوخ" الألماني للأبحاث والتحاليل أن "كمية مادة شديدة السمية التي تم العثور عليها بحوزة الإرهابي كانت تكفي من الناحية الحسابية لقتل 13500 شخص، وإصابة عدد مماثل".