وقال مسؤول كبير في الشرطة الفرنسية للصحيفة إن الشاب قد أطلق سراحه وبرئت ساحته من التهم الموجهة إليه بعد التأكد من روايته وصدق أقواله، كما نفى المسؤول أن يكون يوسف مسجلا بأي صورة من الصور في ملفات الشرطة الفرنسية وهو ما يعني أن ماضيه العدلي خال من أي نشاط إجرامي.
من جهته، روى يوسف قصته للصحيفة التي كانت بانتظاره عند خروجه من الحجز بعد إطلاق سراحه. وبدأ روايته قائلا: "أردت أكون بطلا فوجدت نفسي وراء القضبان". ثم يكمل قائلا: "أنهيت عملي وخرجت. فتحت باب سيارتي وكنت أهم بالركوب عندما سمعت صرخات صادرة من امرأة. نظرت في مرآة السيارة لمعرفة ماذا يحدث. عندما بحثت عن مصدر الصوت سمعت مجددا صرخات أخرى لكنها كانت صادرة من رجل يقول "لا لا لا" وفي هذه اللحظة رأيت شابا يجري باتجاه محطة مترو ريشار لونوار. فجريت في أثره".
كان يوسف يعتقد في البداية أن الأمر عبارة عن حادثة تحرش أو اعتداء لذا صمم على ملاحقة المعتدي لإيقافه. فرآه وهو يتخلص من سلاحه، كان ساطورا، الذي استخدمه في الهجوم على اثنين من موظفي شركة "بروميير ليني" للإنتاج التي تحتل الموقع القديم لصحيفة "شارلي إيبدو" وأصابهما إصابات خطيرة. تابعه يوسف إلى محطة المترو وتخطى ماكينات الدخول ثم توقف لحظات ليحدد في أي اتجاه ذهب الشاب، استخدم السلم الكهربائي للنزول إلى الرصيف.
يقول يوسف: "وجدت نفسي في مواجهته ولكن على الرصيف المقابل، فأشرت إليه موجها له الكلام ’أنت توقف لا تتحرك من هنا !‘ بلهجة حادة متقمصا دور الشرطي". وتابع يوسف: "انتقلت إلى الرصيف الآخر وقابلته وجها لوجه، بادرته قائلا ’ماذا فعلت؟‘؛ فأخرج سكينا صغيرة حادة، ابتعدت عنه قليلا. قال لي شيئا لم أفهمه أعتقد أنه لم يكن يتكلم الفرنسية. كانت دهشتي عارمة من الهدوء الذي كان يتحلى به. كما لو كان شخصا عاديا يقف بانتظار المترو كما يفعل كل يوم. وعندما أتى القطار الذي كان متجها إلى محطة الباستيل صعد فيه دون جلبة ودون التعدي على أحد. كنت قريبا منه بما يكفي لأرى بوضوح آثار الدماء على يديه ووجهه".
وعندما خرج يوسف من المحطة وجد رجلا آخر يحمل قضيبا معدنيا وكان هو الآخر في أثر المعتدي. تحدث معه يوسف وأثناه عن ملاحقة الرجل موضحا أنه كان قد غادر في القطار المتوجه إلى الباستيل. عاد يوسف مرة أخرى لموقع الجريمة للاطمئنان على الضحايا فوجد الشرطة حاضرة. شرح يوسف الموقف لأحد الضباط الذي طلب منه ترك رقم هاتفه لاستدعائه للشهادة لاحقا وطلب منه مغادرة المكان. لكن ضابطا آخر حضر وطلب من يوسف الوقوف بمواجهة الحائط وقام بتفتيشه غير أن أحد زملائه أتى وطلب منه أن يترك يوسف لأنه لم يفعل شيئا. غادر يوسف سريعا بالسيارة بنية إحضار بطاقة هويته وطلب الشهادة.
يوسف "مشتبه به"
في الوقت نفسه كان ضباط الشرطة يشاهدون شرائط الفيديو المسجلة بمحطة المترو ورأوا يوسف وهو يتبادل الحديث مع المهاجم فعمموا صورته في الحي. وقعت صورته في يد حارس العقار الذي يعمل به أخو يوسف في المنطقة نفسها. أخرج الحارس الصورة لأخي يوسف الذي قام بدوره بالاتصال بيوسف طالبا منه العودة سريعا.
عاد يوسف إلى موقع الاعتداء وذهب للحديث مع أحد الضباط الذي استدعى رئيسه في العمل. يحكي يوسف قائلا: "فجأة وجدت نفسي محاصرا بما يقرب من عشرة رجال شرطة وكانت صورتي بأيديهم. أخذوني إلى محطة المترو وطلبوا مني مواجهة كاميرات المراقبة والتقطوا صورا لي بهواتفهم المحمولة أيضا. ثم وضعوا القيد في يدي وسمعت أحدهم يقول هامسا للآخرين ’لقد تمكنا منه وأوقفناه‘. فرددت عليه بأن أحدا لم يوقفني وإنما أتيت بمحض إرادتي". أتى إليه بعدها رجلا شرطة ليعلموه أنه قيد الاحتجاز وأن من حقه استدعاء محام، لم يفهم يوسف شيئا مما يحدث، ولكنه رد بكل بساطة أنه ليس بحاجة لمحام لأنه لم يفعل شيئا. حضر بعدها أفراد قوة البحث والتوقيف ليأخذوا يوسف، وكانوا أكثر عدوانية تجاهه كما يصفهم ولم يرد أي فرد منهم أن يتحدث إليه أو يستمع لما يقوله. كانت القيود تزعج يوسف كثيرا فقال لهم: "سآتي معكم حيث تريدون لأني أريد أن أروي ما حدث، ولكن من فضلكم لا داعي للقيود"، بالطبع لم يستمع إليه أحد بل وضعوا له كمامة مضادة لفيروس كورونا على وجهه وغمامة على عينيه تمنعه من الرؤية ثم اقتادوه إلى مقر الشرطة القضائية.
رعب في العائلة
كان خبر القبض على المهاجم في الباستيل قد انتشر بالفعل، بعد ذلك انتشر خبر القبض على مشتبه به ثان بسرعة البرق، وكشفت الشرطة عن الحروف الأولى من اسمه وعن جنسيته، وهو ما كان له وقع سيء على عائلة يوسف. يقول أخوه: "لقد أزعجني كثيرا ما نشر، هل هذا جزاؤه؟ لقد قام بعمل بطولي وفي النهاية يجد نفسه موقوفا. ثم لماذا يكتبون "جزائري" بالخط الأسود العريض. كانت العائلة بأكملها تعيش لحظات لا توصف من الرعب. يمكن أن تتفهموا الوضع، فعندما توقف الشرطة إرهابيين فهم في الغالب يكونون قد قضوا نحبهم، فهل تتخيلون ماذا كان يمكن أن يحدث إن قام يوسف بأي حركة غريبة أثناء توقيفه، من حسن الحظ أنه حافظ على هدوئه".
أما عن يوسف نفسه، الذي بدأ يستشعر خطورة الموقف، فقد كان يعايش حالة من الرعب الكامل. فهو لا يدري هل أوقفوا الفاعل أم لا، هل سيأخذونه هو بجريرته إن لم يتمكنوا من إيقافه؟… كل تلك الأفكار كانت تمر برأسه إضافة إلى وضع إقامته في فرنسا. فهو حاصل على بطاقة إقامة لمدة عشر سنوات ويخشى أن يؤثر ذلك الحادث على حظوظه في الحصول على الجنسية الفرنسية.
أصدرت الشرطة بعدها قرارا بتفتيش منزله والتحفظ على متعلقاته، لكن القرار لم ينفذ مما يظهر أن فرضية مشاركته في الحادث كانت قد استبعدت سريعا من ملف التحقيق. وبالنهاية صدر القرار بإطلاق سراحه لكن خبر "المشتبه به الثاني" ظل حاضرا في جميع وسائل الإعلام طوال اليوم.
فيما علقت محاميته، السيدة لوسي سيمون، على ما حدث بالقول: "يمكننا أن نتفهم أنه في حوادث إرهابية بذلك الحجم تتخذ كل الإجراءات الميدانية الضرورية بما فيها إيقاف الأشخاص والتحفظ عليهم للاشتباه بهم. لكن ما لا نستطيع أن نتفهمه أنه في حالة يوسف لا تنطبق عليه هذا الإجراءات وكان يمكن ببساطة استدعائه كشاهد دون أن يتم التحفظ عليه. فكيف نعامل شابا قام بعمل بطولي بهذه الطريقة المهينة ونضع القيود في يديه ونغطي وجهه وكأنه مجرم فار من العدالة".
وبسؤال يوسف إذا ما وجد نفسه مرة أخرى في نفس تلك الظروف فماذا سيفعل؟ رد باسما بالقول: "إنني أعرف نفسي جيدا، سأقوم بعمل ما فعلته مرة أخرى".