كواليس الزيارة
تعود الأزمة إلى زيارة رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي للعاصمة الأميركية منذ شهر، وقال مرافقون له من أميركيين وعراقيين، إنه من النادر أن يلقى ضيف الترحيب والليونة الأميركية التي رافقت هذه الزيارة.
لدى الإعداد لها، كانت كل اللجان التي عملت في الشؤون الاقتصادية والاستثمار والأمن تعمل بإيجابية، وشعر العراقيون أن الأمور تسير بما يتمنونه وربما أكثر مما يتوقعونه.
لقاء الكاظمي ـ ترامب اتسّم أيضاً بإيجابية عالية، وكان الأميركيون مصرّين على إشعار رئيس وزراء العراق أنه سيحصل على ما يريد، خصوصاً أنه مع الوفد المرافق له، عبّر أن حكومته تتمسك بعلاقات جيدة مع الأميركيين، وأن العراقيين يرحبون بالأميركيين في العراق.
غادر مصطفى الكاظمي واشنطن وكان واضحاً من كلام المسؤولين الأميركيين أنهم ينتظرون من الحكومة العراقية أن تسيطر على الأوضاع الميدانية.
اعتبر الأميركيون أن الكاظمي قادر على ذلك، وعليه أن يقوم بهذه الخطوة، فالكاظمي يحظى بتأييد شعبي وسياسي وأمني واسع، فالأكراد والسنّة وأكثر من نصف الشيعة العراقيين يعتبرون أن حكومة الكاظمي والولايات المتحدة هما عامل استقرار، ويعتبرون أن الولايات المتحدة ساعدت العراقيين أولاً في إسقاط نظام صدام حسين، ثم ساعدت العراقيين على دحر داعش، وهي عامل يساعد في صد النفوذ الإيراني الذي يرفضه العراقيون بنسبة عالية جداً.
خيبة
لكن الأسابيع الثلاثة التي مرّت بعد زيارة الكاظمي لواشنطن كانت حاسمة في انقلاب التقدير الأميركي للموقف في بغداد، وأكدت مصادر دبلوماسية في العاصمة الأميركية لـ"العربية.نت" أن الأميركيين باتوا يعتبرون أن الكاظمي فشل في استعمال قوته الحكومية لمواجهة جماعة إيران، فرئيس الحكومة العراقي يسيطر على جهاز الاستخبارات وقوات مكافحة الإرهاب والجيش العراقي، وهي أجهزة ضخمة ومجرّبة وقادرة، لكنه لم يستعملها لضرب الميليشيات التي تابعت تهديدها للدولة وللبعثات الدبلوماسية خصوصاً الأميركية.
الانقلاب الأميركي
قرّر الأميركيون في نهاية الأسبوع الثالث، اتخاذ إجراءات تحميهم من جهة وتعبّر عن "نفض أيديهم" من التعامل مع العراقيين في بغداد، فاتصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو برئيس الجمهورية العراقية برهم صالح، وأبلغه بالقرار الأميركي، وبعد ذلك اتصل برئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي.
تؤكد مصادر "العربية.نت" أن الاتصال الأول مع الرئيس العراقي حصل يوم الأحد 20 أيلول، لكن لا أثر له في بيانات وزارة الخارجية الأميركية، كما أن لا إشارة رسمية إلى اتصال الوزير بومبيو مع رئيس وزراء العراق.
مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية قال لـ"العربية.نت": "إننا لا نعلّق على المحادثات الدبلوماسية التي تجري مع زعماء دول أجنبية"، مشيراً إلى أن الأميركيين يتطلعون "إلى متابعة العمل مع الشركاء العراقيين لضمان أمن موظفينا ومنشآتنا".
سيناريو الفشل
يبدو أن هذا التصريح يشير إلى أن الأميركيين يتريثون قليلاً قبل القيام بالخطوة التالية، ويربطون خطوتهم المقبلة بنجاح أو فشل مصطفى الكاظمي بحماية الأميركيين.
لكن سيناريو "الفشل" له مضاعفات ضخمة، ويشمل بحسب مصادر "العربية.نت" في العاصمة واشنطن إغلاق السفارة الأميركية في بغداد ونقلها إلى كردستان العراق، وإدارة السياسة الأميركية من أربيل بدلاً من بغداد، وقد أبلغ الوزير بومبيو الرئيس العراقي ورئيس وزراء العراق بذلك.
هذا يعني أيضاً إغلاق أو خفض باقي البعثات الدبلوماسية في بغداد مثل البريطانية والفرنسية وغيرها، وتوجّه المدنيين إلى كردستان العراق حيث لا يتعرّضون لأي تهديد.
استراتيجية جديدة
بحسب الدبلوماسيين في العاصمة الأميركية، فإن هذا الإجراء سيحمي الدبلوماسيين والموظفين الأميركيين من اعتداءات الحشد الشعبي، وسيفتح الطريق أمام الأميركيين لضرب الميليشيات الموالية لإيران من دون قلق على سلامة الأشخاص أو المنشآت الأميركية.
مخاوف مؤيّدي واشنطن ومعارضي إيران في العاصمة الأميركية تصل إلى التحذير من أن أي خروج أميركي من بغداد يعني أن الولايات المتحدة تأخذ خطوات لا رجعة فيها، وستكون جزءاً من الواقع العراقي لسنوات طويلة، وستفرض طبيعة جديدة للعلاقات الأميركية العراقية يحكمها الحضور الأميركي في كردستان وليس في بغداد.
لا ثقة
يحذّر أيضاً مؤيدو واشنطن من تحطّم الثقة بين الأميركيين والعراقيين، كما حدث بين أكراد سوريا والأميركيين الخريف الماضي، كما أن ذلك سيعني أن إيران وميليشياتها ستعلن النصر على الأميركيين، وسيصوّرون هذا الخروج على أنه انصياع للضغط الإيراني، خصوصاً أن طهران تطالب "بخروج الأميركيين من العراق والمنطقة".
أما أولويات الرئيس الأميركي ففي مكان آخر وتنصبّ على حماية الأميركيين، فالمسؤول في وزارة الخارجية الأميركية قال لـ"العربية.نت" في تصريحات مكتوبة إن "الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي تهديد لرجالنا ونسائنا الذين يعملون في الخارج، ولن تتردّد في اتخاذ خطوات ضرورية لحماية الموظفين".