على وقع التوتر الأوكراني، يزداد التصعيد بين موسكو والعواصم الأوروبية، ومن بين هذه العواصم لندن، التي تتبنى خطاباً تراه موسكو "استفزازياً" تجاهها، وتتهمها بأنها "لا تنفك تهدّدها بالعقوبات".
هذا الأمر تضعه موسكو في خانة "العمل العدوانيّ"، وقد حذّرت في أكثر من مناسبة، وبلسان أكثر من دبلوماسي روسي من أنّ "أي إجراء غير ودّي من الطرف البريطاني تجاه روسيا لن تتركه موسكو من دون ردّ متوازٍ مناسب"، مذكرة لندن بإرسالها أسلحة قاتلة للقوات الأوكرانية، ومعتبرة أنّ هذه الأسلحة ذات "تأثير مدمر" على تطبيق اتفاقات مينسك للسلام الموقعة في 2015، داعية البريطانيين في الوقت نفسه إلى "وقف التدخلات في الشؤون الروسية ودول الجوار".
موسكو ذكّرت السلطات البريطانية، بما نشرته منتصف عام 2021 في مراجعة الدفاع والسياسة الخارجية التي تمتدّ حتى عام 2030، والتي خلصت إلى تصنيف روسيا على أنّها "تهديد رئيسي لأمن المملكة المتحدة". وكذلك، كما أنها لم تنسَ ما قام به وزير الأمن البريطاني داميان هيندز يوم صنّف الدولة الروسية من بين كل من الصين وإيران وكوريا الشمالية، على أنها أكثر الدول "عدائية وتحدٍ" للمملكة المتحدة.
خبراء غربيون وروس في مجال العلاقات الدولية، خلصوا إلى أنّ المملكة المتحدة على غرار الولايات المتحدة، تضع روسيا في خانة "المعتدي". وكل ذلك في نظرهم "من أجل تبرير وجود بريطانيا العسكري على أراضي دول أخرى"، ويستدلون على ذلك من برنامج "جندي المستقبل".
هذا البرنامج، يرمي إلى زيادة الوجود العسكري البريطاني حول العالم في السنوات المقبلة، وذلك للاستجابة بشكل أفضل لما تعتبره وزارة الدفاع البريطانية "تهديدات المحتملة في أجزاء مختلفة من العالم"، إذ تشير وثيقة "جندي المستقبل" إلى أنّ "المحاور الإقليمية الأرضية" الرئيسية سيكون مقرها في ألمانيا وكينيا وعمان، وبالإضافة إلى ذلك ستُنشىء قوة "استجابة عالمية" يمكن استخدامها في إدارة الأعمال العدائية وتقديم المساعدة الإنسانية.
ولهذا الغرض، ذكرت وسائل إعلام بريطانية أنه سيتم إنشاء لواء عسكري للأغراض الخاصة، وظيفتها المشاركة في صراعات مختلطة وإجراء عمليات مكافحة حرب العصابات، عدد قواتها سيكون بحلول عام 2025 سيكون نحو 73 ألف جنديّ، بزيادة على الإنفاق العسكري من 33 مليار إلى 41.3 مليار جنيه استرليني.
لكن بعيداً عن هذا البرنامج، وفي ظل عدم وجود أيّ تُهم موثّقة تجاهها، ترى موسكو أنّ مزاعم البريطانيين وتصريحاتهم حول "التهديد الروسي لا أساس له من الصحة"، بل على العكس من ذلك، فإنّ التقارير الصحافية المحايدة والتسريبات التي انتشرت واسعاً قبل أشهر، تشير إلى "الكثير من المواقف العدوانية حاولت لندن مارستها خارج حدودها"، إذ تذكّر موسكو بالسلسلة التي نشرتها مجموعة قراصنة تطلق على نفسها اسم "أنونيموس"، وتحوي وثائق جدّية توضح تفاصيل عمليات الاستخبارات البريطانية في منطقة البلقان، بالإضافة إلى وثائق سرية تعود إلى مراسلات دبلوماسية إنكليزية، تؤكّد تورط الحكومات البريطانية المتعاقبة في تسليح مجموعات سورية، وكذلك تورطها في الصراع السياسي الدائر بالداخل اللبناني، إضافة إلى عمليات ترمي إلى تحفيز "النشاط الاحتجاجي داخل روسيا نفسها.