يتصدر استحقاق أيار الانتخابي أولويات الساسة المحليين والدوليين، إذ يستعر الصراع بين مُصرّ على إجرائه في موعده وراغب في تطييره كلما اقترب. ومن آخر التسريبات طرح تأجيل الانتخابات النيابية حتى شهر أيلول المقبل بحجج تقنية واهية. وعلى الرغم من صخب الحديد والنار في أوكرانيا، لم تغب هذه التسريبات عن مسامع المجتمع الدولي عموماً والفرنسيين خصوصاً.
ووجد لبنان لنفسه مكاناً على طاولة رئيس الدبلوماسية الفرنسية جان إيف لو دريان المتخمة بالملفات الدسمة في لحظة حرجة تعيشها القارة الأوروبية والعالم. وعقب لقائه نظيره الكويتي أحمد الناصر الصباح، ثمّن وزير الخارجية الفرنسي “الوساطة الكويتية للسماح للبنان بالخروج من الأزمة التي ألمت به”، فيما أكد الصباح أن الرد على الخطوات الإيجابية للبنان سيكون قريباً.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أننا “تناولنا الوضع في لبنان ومتفقون على أن استتباب الأمن هناك يمر عبر تنفيذ البلاد للإصلاحات”.
الخبير في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين يلفت إلى وجوب توقف اللبنانيين أمام هذا التصريح الذي يربط، وبشكل مباشر وصريح، الاستقرار الأمني بالإصلاحات، في سابقة هي الأولى من نوعها، إذ كانت تربط باريس، سابقاً، الإصلاحات بالمساعدات الإنسانية مع بعض التلميحات حول الوضع الأمني.
ويشدد نور الدين، في حديث لموقع القوات اللبنانية الالكتروني، على أن هناك إصراراً غربياً على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. ويشير إلى أنه، وبغض النظر عن رغبة بعض القوى السياسية اللبنانية الضمنية في تطيير الانتخابات، يدفع هذا الإصرار الغربي القوى المذكورة الى إعلان تأييدهم لإجراء الاستحقاق ظاهرياً.
ويوضح الخبير في الشأن الأوروبي أن الاتحاد الأوروبي سبق أن وضع إطاراً للعقوبات في حال تطيير الانتخابات، مؤكداً أن ما قبل الحرب في أوكرانيا، لم يكن هناك اجماع أوروبي في فرضها على أطراف معينة في لبنان لكن الأمر تبدل إبان الحرب الأوكرانية وبرز توحد أوروبي حول الموقف. ويعتبر نور الدين أنه هناك إمكانية للسير بملف العقوبات في حال تم طرحه.
ويضيف الخبير المقيم في فرنسا أن هناك زيارات لكبار المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية الى المنطقة، مؤكداً إعادة تفعيل الآلية التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إثر زيارة الأول للسعودية، وهو ما ثبتته زيارة الوفد السعودي الأخيرة إلى باريس منتصف الشهر الحالي. ويوضح نور الدين أن الغاية النهائية من هذه الآلية هي المساعدات الإنسانية وهي أساس أي دعم، إذ تشكل الإصلاحات عمودها الفقري.
ويُعيد الخبير التذكير بمقولة لو دريان بأنه “على اللبنانيين مساعدة أنفسهم أولاً”، إذ ما من أحد يمكنه السير في سكة الإصلاحات إلا اللبنانيين”.
وفي ما يخص العودة السعودية الى لبنان، يوضح أن فرنسا سبقت أن وعدت المملكة بـ”حفظ حقوقها” في المفاوضات النووية القائمة مع إيران، وعندما لم تستطع باريس تلبية طموحات الرياض، ومع كبح لجام محادثات فيينا، اتُخذ قرار عودة الأخيرة الى لبنان بتوافق فرنسي ـ سعودي.
فرض الغزو الروسي لجارتها، إذاً، وحدة موقف أوروبية طاولت الملف اللبناني وفي طليعته الإلحاح على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وتحمل رياح التصريحات الباريسية عصا العقوبات في يد، وجزرة المساعدات في الأخرى. ويبقى على المواطن اللبناني نفسه، تصويب بوصلة الشأن العام بحسن الاختيار في صندوقة أيار، لفرز سلطة تضع لبنان على سكة الإصلاحات لا سكة الغليان الأمني.