كتب عماد الشدياق:
تحطّ الطائرة الرئاسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط لثلاثة أيام بين 13 و16 تموز/ يوليو 2022، وذلك في زيارة للرئيس جو بايدن، تشمل إسرائيل، وفلسطين المحتلة، والمملكة العربية السعودية، حيث سيشارك في قمة تضمّ قادة دول مجلس التعاون الخليجي + 3 (مصر والأردن والعراق).
هذه الزيارة بحسبما يُظهر توالي الأحداث، تأتي في إطار مساعي بايدن للتعامل مع تداعيات العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بلاده مع الدول الغرب على روسيا، وجاءت نتائجها عكسية ومضرة للجميع وخصوصاً الغرب، فيحاول بايدن اليوم أن يتلافى تبعاتها من خلال الطلب من السعودية زيادة إنتاجها من النفط، لكنّه يحاول أن يخفي ذلك بشعارات تتعلّق بتعزيز العلاقات الاستراتيجية و"إعادة توجيه العلاقات مع المملكة" بحسبما يقول بايدن نفسه بمقال له في "واشنطن بوست"!
العقوبات الغربية على روسيا شملت قطاع الطاقة، فتسببت نتيجة التسرّع والتهوّر وكذلك قصر نظر الإدارة الأميركية والدول الأوروبية، بارتفاع أسعار النفط والغاز. كما شكّلت أزمة على مستوى العالم، فأدّت إلى تسجيل نسبة تضخّم في الولايات المتحدة نفسها، لم تشهدها البلاد منذ 40 عاماً بوصولها إلى نحو 8.6%، وقد يدفع ثمنه باهظاً الحزب الديمقراطي (حزب بايدن) في الانتخابات النصفية المقرّرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
وهذا كلّه أدى أيضاً، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية حول العالم، وتسبّب بما يُعرف اقتصادياً بـ"الركود التضخّمي".
ما يريده بايدن من هذه الزيارة بسيط جداً، لكنّه يرفض أن يقوله صراحة: يريد بايدن رفع السعودية لإنتاجها النفطي، من أجل ضرب قطاع الطاقة الروسي، وحرمان موسكو من عائدات هذا القطاع. زيادة الإنتاج ستمكّنه من تعويض النقص المفترض بالنفط الروسي، الذي يضغط على الدول الغربية والأوروبية لمنعها من شرائه. مهمة بايدن تبدو معقدة بعض الشيء، وسبب ذلك هو تنامي العلاقات بين دول الخليج وبين روسيا بهدوء وصمت، خصوصاً مع تزايد شكوك دول الخليج وعلى رأسها السعودية، في التزام الولايات المتحدة بأمن حلفائها العرب.
تخشى واشنطن من أن تؤدّي القطيعة مع ولي العهد محمد بن سلمان إلى اقتراب المملكة أكثر فأكثر من روسيا والصين، خصوصاً مع التوتر الشديد الذي شهدته العلاقة بين واشنطن والرياض في ظلّ إدارة بايدن.
فلنتذكّر ماذا فعل بايدن منذ ترشحه إلى الرئاسة الأميركية، وثم بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
1. تعهد خلال حملته الانتخابية ثم بعد دخوله البيت الأبيض بجعل السعودية "دولة مارقة"، من خلال ممارسة المزيد من التشدّد حيالها بسبب حربها على اليمن، متجاهلاً هجمات جماعة الحوثي المدعومة من إيران ضد المملكة منشآتها النفطية.
2. حاول بداية عهده الضغط على السعودية من زاوية حقوق الإنسان، فاتحاً باب محاسبتها أمام المجتمع الدولي، بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بتركيا عام 2018.
3. رفض بايدن التعامل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وحصر التواصل مع السعودية مع والده الملك سلمان، وما زال إلى اليوم يتهرّب من أسئلة الصحافة ويطلق الإجابات الرمادية حول عزمه لقاء بن سلمان من عدمه. تارة يقول لن يلتقيه وتارة أخرى يؤكّد أنه سيلتقي بالملك وربّما بحضور ولي العهد.
4. أعلن بايدن عن وقف الدعم العسكري المقدم من واشنطن إلى السعودية في الحرب على اليمن، وحظر حصولها على بعض الأسلحة الدقيقة.
5. رفع بايدن جماعة الحوثي عن قوائم الإرهاب الأميركية في شباط/ فبراير 2021، والتي كانت إدارة ترامب أدرجت الجماعة عليها.
6. سحبت بايدن بطاريات صواريخ "باتريوت" من السعودية، في وقت كانت تتعرّض فيه لهجمات حوثية متكرّرة بصواريخ باليستية وطائرات من دون طيار، وذلك في أيلول/ سبتمبر من العام 2021.
7. رفع السرّية عن تقرير لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) من أجل اتهام محمد بن سلمان شخصياً بالضلوع باغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وفرض عقوبات على المسؤولين عن الجريمة.
8. سمح برفع السرية عن وثائق تعود لمكتب التحقيقات الفدرالي (إف. بي. آي) حول أدلة لمزاعم ضلوع السعودية بأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2011، عازياً ذلك إلى ضغط أقارب الضحايا.
منذ تنصيب بايدن رئيساً، اشتكت الرياض من السياسة الخارجية الأميركية، على الرغم من محاولة استرضائها وتلبية مطالبها الكثيرة، إن كان بتكثيف الجهود لإنهاء الحرب في اليمن، أو في محاولة دفع البلاد نحو الحداثة من خلال إضعاف نفوذ رجال الدين ومنح المرأة المزيد من الحقوق، أو كذلك بفتح حوار مع إيران بالتوازي مع المفاوضات الجارية في فيينا حول برنامجها النووي... لكن إدارة بايدن لم ترَ كل هذا وتطالب الرياض اليوم بالسير عكس مصالحها الاقتصادية والمالية وربّما السياسية.
بعد الحرب في أوكرانيا وما تبعها من عقوبات غربية على روسيا، ونتيجة ما رتبت هذه العقوبات على الاقتصاد العالمي من تداعيات، تعيد إدارة بايدن النظر في مقاربتها للعلاقة مع السعودية، ولو كان ذلك على حساب المصالح السعودية.
دوائر القرار في البيت الأبيض لا تخفي هذه الاستدارة وتعزوها بشكل طريف، ويقترب من الوقاحة، إلى صلاحية بايدن بحكم أنه رئيس منتخب من المواطنين الأميركيين، في إعادة النظرة بالعلاقة مع أي دولة، ومن بينها السعودية، على نحوٍ مختلف ومن دون تقديم أيّ مسوّغات أو مبررات منطقية بخلاف ما يُعرف بالـRaison d’état أو "المصالح العليا" للولايات المتحدة.
من هذا المنطلق، وبناء على ما تقدّم كلّه، يبقى السؤال: ماذا لو وافقت المملكة العربية السعودية على طلبات بايدن؟ ماذا لو قررت المملكة رفع الانتاج من أجل خفض سعر النفط عالمياً؟ الجواب السريع يخبرنا بأنّ هذا سيرتب جملة من النتائج المضرّة لدول الخليج، وخصوصاً للمملكة. وستكون تداعيات ذلك وفي الأحرف الأولى، على الشكل التالي:
1. تنازل ولي بن سلمان والموافقة على زيادة إنتاج النفط، سيعود بالنفع على الولايات المتحدة الأميركية حصراً، وستقضي على المنافسة العادلة في سوق الطاقة العالمي كلّه.
2. ستتضرر عائدات الشركات النفطية الحكومية في السعودية، كما ستنخفض قيمة الإيرادات السعودية التي لن تستفيد أبداً من رفع الإنتاج الذي سيتسبب حكماً بخفض سعر برميل النفط عالمياً... وهذا مبرر منطقي جداً لرفض لتنفيذ طلبات الإدارة الأميركية.
3. الموافقة على مطالب بايدن سيضع المملكة العربية السعودية في مواجهة حلفائها في "أوبك +" مثل روسيا والإمارات وقطر وغيرها من الدول النفطية، التي من المرجّح أن ترفض السير بأيّ طرح لا يراعي مصالحها، بحسب ما تكشف التوجهات، وهذا لن يكون مفيداً لعلاقات المملكة العربية السعودية مع أصدقائها وحلفائها.
4. موافقة السعودية على طلب بايدن سيظهره في مظهر المنتصر في الداخل الأميركي من خلال تحسين حظوظ حزبه بالفوز في الانتخابات النصفية المقبل بعد أشهر. كما سيظهره منتصراً في الخارج برغم كل سياسات "إدارة الظهر" بحق حلفائه في دول الشرق الأوسط، وخصوصاً السعودية التي أدار لها ظهره منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
5. بالموافقة على طلباته، يكون بايدن قد حقّق مراده من دون أن يهتم بالفعل لبناء علاقة ثنائية ندية بين بلاده وبين المملكة العربية السعودية، فاهتمامات بايدن لم تعد خفية عن أحد في العالم (تقويض روسيا ومحاصر الصين).
6. رفع الانتاج النفطي سيحسّن من موقع وقدرة الولايات المتحدة في إدارة الصراع الدائر في أوكرانيا، وسيسمح لإدارة بايدن في مواصلة محاولاتها عزل موسكو أكثر وأكثر، وهي الحليف المستجد والصادق للمملكة العربية السعودية.
7. الموافقة على مطالب بايدن سوف يطيل من عمر الهيمنة الاميركية على القرار في منطقة الشرق الأوسط، وسيحقق لإدارة بايدن إنتصاراً كبيراً لسياستها الخارجية في المنطقة، بل في العالم كلّه.
هذا كلّه يقول صراحة إنّ لا مبرّر منطقيّ بأن توافق المملكة على مطالب رئيس شعبيته تتآكل يوم بعد يوم ومستقبله السياسي أيل إلى الأفول.