أخبار عاجلة
أعراض فقر الدم -

هل تؤسس "مجموعة السبع" لتغيير وجه العالم؟

هل تؤسس "مجموعة السبع" لتغيير وجه العالم؟
هل تؤسس "مجموعة السبع" لتغيير وجه العالم؟

عماد الشدياق نقلا عن "Syria TV":

حينما تُقرّر "مجموعة السبع" المعروفة بـG7، تحديد سقفٍ لأسعار النفط الروسي، فهذا اعتراف غربي ضمنيّ بفشل العقوبات، خصوصاً إذا اقتُرنت نتائج تلك العقوبات النفطية ضد روسيا، بتقديرات وكالة الطاقة الدولية التي تشير إلى أنّ صادرات النفط الروسية تراجعت من 8 ملايين برميل يومياً في يناير/كانون الثاني، إلى 7.4 ملايين برميل يومياً في تموز.. وهو رقم هزيل.

هذا يقود إلى الاستنتاج أيضاً، أنّ خيار رسم سقف محدّد لأسعار النفط الروسي قد لا ينجح بالضرورة هو الآخر. بل على العكس، ربّما سيزيد من تعقيدات سوق الطاقة، وصولاً إلى ما يشبه الإمعان في ممارسة الفعل نفسه ثمّ توقّع الوصول إلى نتائج مختلفة.

هذا القرار اتخذه وزراء مالية المجموعة (الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، بريطانيا، فرنسا، كندا) خلال اجتماع عبر الإنترنت، قبل أيام، وحددوا خلاله موعداً لبدء التطبيق، الذي يستهدف النفط الخام أولاً بحلول الخامس من كانون الأول المقبل، ثم ثانياً المشتقات النفطية الأخرى في الخامس من شباط 2023.

أمّا الدوافع المعلّلة لهذا القرار، فاختصرها وزراء المجموعة بضبط أسعار النفط عالمياً، ومحاولة خفض إيرادات روسيا من مبيعات النفط من أجل تعطيل آلة الحرب، وهو ما قد ينذر بعواقب وخيمة تحلّ على العالم كلّه، إذ من غير المستبعد أن تتأثر الدول الغربية نفسها بالقرار، الذي سينعكس على القضايا التالية:

أولاً، الفكرة تقوم على السماح لروسيا بالاستمرار في تصدير نفطها إلى الأسواق العالمية وليس منعها، لكن نتيجة لحجم السوق النفطي الروسي الكبير، بخلاف بعض الدول المعاقبة غربياً مثل إيران أو فنزويلا، فإنّ القرار ربّما يدفع روسيا إلى عدم الاعتراف بمفاعيله. في هذه الحالة، فإنّ الطاقات الإنتاجية الإضافية للدول المصدرة للنفط حول العالم، مثل قطر والولايات المتحدة ونيجيريا والجزائر ومصر وغيرها مجتمعة، قد تعجز في تعويض الإمدادات النفطية والغازية الروسية، وذلك نتيجة ارتباط هذه الدول باتفاقات طويلة الأجل مع دول أخرى... وهذا سيساهم حكماً في ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً، وكذلك في زيادة المُهل الزمنية وتكاليف النقل والتأمين.

ثانياً، إذا أصرّت موسكو على تصدير غازها الطبيعي ونفطها ومشتقاته لغير الدول الغربية، مثلما أعلنت بعيد الإعلان عن القرار، فإنّها قد تلجأ إلى شبكات من التجار والسفن والممولين وشركات تأمين غير غربية، من تلك التي تتكيف مع العقوبات أو ترفض السير بها، وهذا سيخلق ما يشبه "سوق سوداء" نفطية، بخلاف تلك الرسمية السائدة، ويؤسس إلى ظهور تسعيرتين نفطيتين، قد تؤديان إلى تقلّبات في سوق النفط العالمي.

ثانياً، نتيجة الاضطرابات في سوق الطاقة، فإنّ الأسعار سترتفع حكماً. لكنّ عائدات الصادرات النفطية الروسية الهائلة ستبقى عند أعلى مستوياتها، وبالتالي فإنّ الهدف المرسوم لهذه الخطة من أجل إضعاف آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، لن يُكتب له النجاح كما هو متوخى، خصوصاً أنّ التوقعات تشير إلى أنّ فائض الحساب الجاري في روسيا سيصل إلى 265 مليار دولار مع نهاية العام الحالي، وهو بالمناسبة ثاني أعلى مستوى في العالم بعد الصين، بحسب ما تشير مجلة "ذا إكونوميست".

نتيجة الاضطرابات في سوق الطاقة، فإنّ الأسعار سترتفع حكماً. لكنّ عائدات الصادرات النفطية الروسية الهائلة ستبقى عند أعلى مستوياتها، وبالتالي فإنّ الهدف المرسوم لهذه الخطة من أجل إضعاف آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، لن يُكتب له النجاح

ثالثاً، ونتيجة النقطتين أعلاه، فإنّ هذا المنحى سيعود بالنفع على الدول الرافضة للعقوبات الغربية ضد روسيا مثل العمالقة الآسيويين إندونيسيا والهند والصين وتركيا، أو حتى الأميركيين مثل البرازيل وغيرها. هذه الدول ستستفيد من تدفقات النفط الروسي، الذي سيكون بطبيعة الحال أرخص من سعر السوق الرسمي، وبالتالي فإنّ هذه الدول ستراكم أكبر قدر ممكن من "فائض القيمة" في الصناعة والتجارة والخدمات، وهو ما لا تتمناه الولايات المتحدة أن يحصل، خصوصاً مع الصين التي تحاول احتواءها.

رابعاً، سيرفع القرار من منسوب التفاهمات بين دول "أوبك +" وخصوصاً المملكة العربية السعودية وروسيا، اللتين تبديان برغم الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا، أعلى مستويات التنسيق في المجال النفطي. هذا الإجراء سيجعل الاتفاق بينهما على تحديد سعر مريح لأسعار النفط، أمراً غير صعب، لكونهما يتحكمان إلى جانب بقية الدول المصدرة للنفط بالسعر العالمي.. فما الذي يمنع وصول "أوبك +" إلى اتفاق حول الكمية المطلوب إنتاجها عالمياً من أجل تثبيت سعر برميل النفط عند حدّ يحمي العائدات السعودية وضمناً تلك الروسية؟ خصوصاً أنّ الناتج المحلي الإجمالي العالمي لمجموعة G7 انخفض في العقود الثلاث الماضية من 70% إلى ما لا يزيد على 45% لصالح بقية دول العالم، أي أن الثقل الاقتصادي العالمي يتحوّل إلى مكان آخر (خفّضت "أوبك +" انتاجها 100 ألف برميل يومياً بشكل مفاجىء للحفاظ على الأسعار مرتفعة قبل أيام).

خامساً، هذا القرار سيؤثر على المدى الطويل، على قيمة الدولار ومكانته كعملة عالمية. فبعد الحرب العالمية الثانية، استطاعت الولايات المتحدة من خلال اتفاقية "بريتون وودز"، فرض عملتها نداً، ثم بديلاً من الذهب لتقييم العملات العالمية الأخرى. لكن بعد حرب فيتنام وتكاليفها الباهظة، تخلّى الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون عام 1971 عن ربط الدولار بالذهب وذلك لصالح النفط، وقد سُميّ القرار في حينه "صدمة نيكسون". هذا القرار أسس لـ"تزاوج" الدولار مع النفط، الذي بات يُعرف اصطلاحاً بـ"البترودولار" بالتوافق مع دول المنتجة للنفط وخصوصاً دول الخليج العربي. وبالتالي فإنّ ظهور سعرين للنفط نتيجة تحديد سقف لسعر النفط الروسي اليوم، لن يكون لصالح الولايات المتحدة وإنما لصالح عملات دول أخرى مثل "اليوان" الصيني أو "الروبل" الروسي وغيرها من العملات غير التقليدية، وهو ما بدأ يحصل بالفعل وكشفه تقرير لـ"صندوق النقد الدولي" في شهر مارس/آذار الماضي حمل عنوان: "التآكل الخفيّ لهيمنة الدولار"، كما بدأت ملامحه بالظهور مع فرض موسكو بيع النفط بعملة الروبل، وليس بالدولار أو اليورو.

سادساً، سيزيد القرار من احتمالات دخول العالم في "الركود التضخمي" الذي تجهد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في إبعاد كأسه عن فمها، وهذا قد يعيد الاقتصاد العالمي إلى مرحلة بدايات تفشي فيروس كورونا في العام 2020، وقد يهدّد مجدداً بتراجع سلاسل التوريد، وربّما يخيّم شبح المجاعات والنقص في الغذاء فوق رؤوس الشعوب في الدول النامية، ناهيك عن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي بدأت تلوح مظاهرها في الدول الأوروبية نفسها (الشرقية والغربية) حيث تتحضّر السلطات في أوروبا بشكل جديّ لمثل هذه السيناريوهات مع اقتراب فصل الشتاء.

كل هذا ربّما يؤسس لظهور نظام عالمي جديد وهجين، مدخله الحرب الروسية – الأوكرانية، لكن نتائجه  ستحلّ كارثيّة على العالم بأسره، الذي سينقسم مجدداً بين معسكرين، يصعب على أحد، حتى اللحظة، تحديد وجههما ومستقبلهما، وبالتالي مستقبل العالم!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بريكس: “العائلة” الصّينيّة… و”الجسر” الرّوسيّ