عماد الشدياق نقلاً عن موقع "إيلاف"
تبدي الأوساط الدبلوماسية الروسية امتعاضاً غير مسبوق من سلوك أوكرانيا في لبنان، وتحديداً من سلوك البعثة الدبلوماسية الأوكرانية في بيروت، إذ تلاحظ الاوساط الروسية أنّ تلك البعثة توظّف المناسبات الأوكرانية والدولية، من أجل التحريض موسكو، مستغلة أسلوب التحريض و"الكراهية العرقية" ضد العرق الروسي والمسلمين الروس.
قد يكون مفهوماً أن تدافع أوكرانيا عن نفسها في ظل الحرب الدائرة على أراضيها. وقد يكون مفهوماً أيضاً أنّ تستغل كييف وجود بعثاتها الدبلوماسية حول العالم، من أجل تعبئة الرأي العام العالمي لصالحها من أجل الدفاع عن نفسها. لكن ما لا يبدو مفهوماً بالنسبة للروس، هو أن تقوم البعثات الدبلوماسية الأوكرانية في "قلب الحقائق"، وتصوير موسكو على أنّها "آلة هيمنة" موجّهة ضد الشعوب الصغيرة والمستضعفة، وظيفتها "إبادة الأقليات القومية" من خلال الضغط على أعداد من تلك الأقليات وزجها في الصفوف الأمامية في المعارك للقتال إلى جانب الروسي، على ما يصوّر الأوكرانيون، فيقولون أيضاً إنّه لا بدّ من إنهاء ما يسمونه "الاستعمار الجديد" ووقف عمليات "استعباد الرعايا".
تعتبر موسكو أنّ ممثلي السفارة الأوكرانية في بيروت، يقومون بشكل ممنهج ومنظمّ، بالتوجّه إلى الرأي العام اللبناني وقادته، بمعلومات تهدف إلى "خلق صورة سلبية عن روسيا" وكذلك الترويج للأطروحات المناهضة لها من خلال وسائل الإعلام الغربية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، وتصوير النزاع الروسي الأوكراني موجه ضد المسلمين.
فتشرح الأوساط الروسية كيف يتمّ ذلك، وتعطي مثالاً عن أفراد الجالية الأوكرانية في لبنان، وكذلك موظفي منظمة إسلامية تدعى "اتحاد المنظمات الاجتماعية - الرائد" (Arraid) التي تتخذ من أوكرانيا مقراً لها ويبدو أنها تنشط في لبنان. هؤلاء تتهمهم موسكو بدعوة المسلمين في دول الشرق الأوسط (من ضمن تلك الدول لبنان) إلى الانضمام لما تسميه كييف: "الكفاح ضد العدوان الروسي".
وتقول موسكو إنّ ذلك يحصل بـ"دعم مالي من الولايات المتحدة في بيروت"، ومن خلال رسم انطباعات خاطئة ومضلّلة تفيد بأنّ الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا (التي تسميها روسيا العملية العسكرية الخاصة) معادية للإسلام.
وعلى الأراضي اللبنانية أيضاً، ثمة مؤسسة أخرى اسمها على اسم الشيخ "محمود أفندي" وهو شيخ صوفي تركي يُدعى محمود أوسطى عثمان أوغلو (توفي في حزيران/يونيو من العام الفائت 2022) وله جمعية واسعة النشاطات في تركيا وهي من بين أكبر الجماعات الدينية التركية عدداً تأثيراً. لتلك الجمعية امتدادات في لبنان تتبع الجمعية التركية الأم، تتهمها موسكو أيضاً بممارسة "تأثير مدمر" على شعوب تتار القرم في روسيا، إذ تقول الأوساط الروسية، إنّ هذه المنظمة تقوم بإدراج برامج تعليمية في لبنان ذات "طابع انفصالي"، وتطالب بفصل شبه جزيرة القرم عن روسيا باعتبار أنّها مسلمة.
كما أنّ الأمر نفسه يقوم به، بحسب الأوساط الروسية، "حزب التحرير الإسلامي" اللبناني، وهو حزب ذو نزعة انفصالية ومتهم في لبنان بتبني أفكاراً متطرفة.
تردّ روسيا على هذه الاتهامات التي تعتبرها "الباطلة" وبلا مسوّغ، بالتأكيد على أنّها دولة تحتضن الإسلام والمسلمين. فهي دولة متعددة الأعراق والأديان والطوائف، يتطور فيها الإسلام بشكل نشط وبمساعدة الدولة المركزية والمنظمات العامة وبدفع من القيادة السياسية. في سائر روسيا الاتحادية، يعيش ممثلو جميع الأديان بسلام ووئام، حيث لا انقسام بين سكان البلاد على أسس قومية أو دينية.
تؤكد روسيا أنّ جميع مواطنيها يتمتعون بالحقوق والفرص المتساوية نفسها، وتقود السلطة السياسية "مسار الحفاظ على القيم العائلية واحترام الدين"، وكذلك "زيادة معدل الولادات وتحسين مستويات المعيشة"، في محاولة غمز إلى الغرب الذي يشجّع على خلاف ذلك، أي على الشذوذ والمثلية، وكذلك التعرض للمقدسات والسماح بحرق القرآن الكريم.
في الوقت نفسه، تعتبر موسكو أنّ القيم الغربية لا تنص على الحفاظ على الأسرة ولا على التقاليد الوطنية والأديان، بل تقود سكانها بالترغيب إلى ثقافات شاذة، تنمّي وتدعم "تغيير الجنس"، وتحفّز على الانحرافات الاخلاقية، ورفض الإنجاب، وعدم الامتثال للتعاليم الدينية، فتذكّر بأنّ قوانين الاتحاد الروسي تجرّم جنائياً عن عدم احترام مشاعر المؤمنين.
وتذكر بما قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إقليم داغستان خلال شهر حزيران (يونيو) الماضي. يومها زار بوتين مسجداً في مدينة ديربنت خلال صلاة الجمعة، وقام أحد مساعدي مفتي جمهورية داغستان بتقديم القرآن الكريم للرئيس الروسي، الذي حضنه إلى صدره وأكد أنّ القرآن هو "ملجأ للجميع"، وأنّ روسيا "ستحمي دائماَ مشاعر المؤمنين، بينما الإخوة بين المسلمين والمسيحيين في روسيا يعزز من وحدة الشعب الروسي".
تذكّر روسيا بأنّ الدين الإسلامي هو ثاني أكثر الديانات انتشاراً في الاتحاد الروسي، بينما في كل المناطق الروسية يحرص السكان على احترام الإسلام والمسلمين. تذكّر الجيمع بأنّ عددَ المسلمين في روسيا اليوم يتجاوز 30 مليون نسمة وينمو باضطراد.
وبناء عليه فإنّ عملية بناء المساجد الحديثة نشطة ومتنامية بسرعة قياسية. إذ افتتحت روسيا في العام 2022 أكثر من 50 مسجداً جديداً، بينما العاصمة موسكو تضمّ أكبر عدد سكان مسلمين في سائر القارة الأوروبية، بينما يَمثُلُ المسلمون في هيئات والإدارات الروسية كافة، كما أنّ روسيا الاتحادية ممثلة في مختلف المنظمات الإسلامية العالمية، بما في ذلك "منظمة التعاون الإسلامي".
أمّا في منطقة شمال القوقاز المسلمة، فيجري تطوير برامج للحفاظ على لغات وثقافات الشعوب الصغيرة. هناك يلعب ممثلو الإسلام دوراً مهماً في الحياة الروسية العامة، والأمر ذاته يحدث في منطقة الفولغا الفيدرالية. وبفضل هذا الواقع، فإنّ العلاقة بين روسيا وبين الدول التي يعتبر الإسلام فيها الدين الرئيسي، آخذة في تطور مضطرد.
وفيما يخصّ الحرب في أوكرانيا، فتؤكد موسكو أنّ جميع القوميات الروسية تشارك في "عملية عسكرية الخاصة"، من أقصى الشرق الروسي ومناطق الفولغا ومروراً بوسط روسيا ووصولاً إلى جمهوريات شمال القوقاز المسلمة. كل هؤلاء السكان يمتثلون لقرار "مواجهة التهديد المقبل من دول حلف "الناتو" في أوكرانيا، الذي لا يخجل في إجهار أهدافه الرامية إلى تفكيك الاتحاد الروسي.