عماد الشدياق نقلاً عن موقع "إيلاف"
أقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قبل أسابيع، وزير دفاعه أليكسي ريزنيكوف ودعا في الوقت نفسه، إلى اعتماد "نهج جديد" في الوزارة، وذلك بعد عام ونصف عام من "العملية العسكرية" الروسية في أوكرانيا.
زيلينسكي عيّن في المقابل رئيس صندوق أملاك الدولة رستم أميروف بديلاً من ريزنيكوف، وقد وصفت الصحف الغربية أمر الإقالة، أنّه جاء نتيجة فشل الهجوم الأوكراني المضاد المدعوم من الدول الغربية.
بذلك حاول زيلينسكي الإيحاء بأنّ الإقالة كانت نتيجة تعثر عسكري وليس بدافع كشف عملية فساد داخل أهم وزارة في زمن الحرب، لكن الوقائع على الأرض تُظهر ما هو بخلاف ذلك.
فقبل تلك الحادثة بأيام، تحدث تقرير في صحيفة "تلغراف" البريطانية عن فساد يشوب إدارة العمل العسكري في أوكرانيا، على الرغم من وقوع البلاد تحت وطأة الحرب والتهجير والدمار!
التحقيق أشار إلى أنّ مسؤولاً عسكرياً أوكرانياً سابقاً، اشترى لنفسه منزلاً فخماً في إسبانيا وسيارات تصل قيمتها إلى ما يزيد عن 3.4 ملايين جنيه إسترليني، وذلك بعد تلقيه رشى من رجال حاولوا الهروب من الخدمة العسكرية.
وكذلك الشهر الفائت، أقال زيلينسكي جميع الرؤساء الإقليميين لمكاتب التسجيل والتجنيد العسكري، وأعلن أنّ الذين يريدون الاحتفاظ برتبتهم سيتمّ إرسالهم إلى جبهات القتال، في حين سيجري تعيين من شارك في المعارك مكانهم.
أمّا وزير الدفاع المقال، فكان يرفض على الدوام مزاعم تورطه بالفساد، وينفي اتهامه بتلقي الأموال وسمسرات من إمدادات عسكرية لقوّات بلاده، وذلك بعد ظهور تقارير إعلامية عن شراء ملابس عسكرية بأسعار مضخّمة في ظل الحرب مع روسيا.
تلك التقارير أفادت بأنّ وزارة الدفاع الأوكرانية وقّعت عقداً أواخر العام الماضي مع شركة تركية لشراء ملابس عسكرية شتوية، لكنّ السعر تضاعف 3 مرّات بعد توقيع الصفقة.
هذا وتوصّل صحافيون أوكرانيون أيضاً، إلى أنّ هذه الملابس الشتوية يمكن شراؤها في تركيا، بأسعار أقلّ بكثير من تلك التي رست عليها الصفقة. كما كشفوا أنّ أحد مالكي الشركة التركية هو ابن شقيق أحد أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه زيلينسكي نفسه، مما يعني أن شبهات الفساد باتت أقرب من الرئيس الأوكراني، أكثر مما يتصوره البعض.
في حينه اعتبر وزير الدفاع الأوكراني تلك الاتّهامات كاذبة وأشار إلى أنّ الأسعار الواردة في الصفقة تتوافق مع تلك المعلن عنها.
فضيحة فساد أخرى في وقت سابق، وتتعلّق بإمدادات الجيش العسكرية، أدت إلى إقالة مسؤولين أوكرانيين كبار من مناصبهم منذ بداية العام. في حينه، كشفت وسائل إعلام غربية عن توقيع وزارة الدفاع عقداً لشراء مواد غذائية للجنود بأسعار مبالغ فيها. وحينذاك اعترف ريزنيكوف بأنّ أجهزة مكافحة الفساد التابعة لوزارته "فشلت في مهمّتها".
ومنذ بداية العام، سجّلت حالات كسب غير مشروع عدّة في بلد يتفشّى فيه الفساد، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى الإصرار على اتّخاذ كييف إجراءات صارمة قبل التفكير بالانضمام إلى تكتله، كما أنّ أصوات الجمهوريين في الولايات المتحدة بدأت تتعالى وتطالب بالتدقيق في كل مساعدة تقدمها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لكييف، حرصاً على "أموال دافعي الضرائب" الأميركيين.
تلك الدعوات بات محط كلام عند كل مساعدة تُقدم لكييف، حتى أنّ أجهزة الأمن الروسية باتت تولي تلك الصفقات إهتماماً بالغاً، وتفضح تفاصيلها في وسائل الإعلام، من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على الدول الغربية، وكشف الحقائق أمام الرأي العام الغربي، من أجل حضّ الحكومات الغربية على وقف تلك المساعدات التي تذهب في معظمها إلى جيوب المسؤولين الأوكرانيين.
آخر تلك الفضائح كانت قبل أيام، إذ كشفت وسائل إعلام روسية عن صفقة أسلحة مشبوهة تُحضر في أوروبا ويجري العداد لإرسالها عبر الحدود لصالح أوكرانيا. تلك الصفقة يديرها مواطنان من دولة جورجيا المتاخمة للحدود الروسية والمنقسمة على نفسها بين أحزاب وسياسيين مؤيدين لموسكو وآخرين داعمي للمعسكر الغربي.
تقول وسائل الإعلام الروسية إنّ تلك الأسلحة موجودة ضمن مستودع في جمهورية التشيك، وتعود ملكيته إلى شركة دفاع إسمها "Talsum Defense Solution"، تقوم بتحضيرها من أجل شحنها في وقت لاحق إلى الأراضي الاوكرانية، وذلك "من أجل استخدامها ضد الجيش الروسي".
وتكشف التقارير الروسية الكثير من التفاصيل حول تلك الصفقة، إذ تؤكد أنّ البائعان هما ديفيد تشوتكيراشفيلي وشريكه هو تشادونيلي تاماز الذي "يمثّل فرع جورجيا لدى الشركة التشيكية "DMDT Holding LLC" وهي بدورها تعمل في مجال بيع وتوزيع الأسلحة والمعدات العسكرية والألبسة العسكرية ومقرها جورجيا.
أمّا المستودعات الموجود في جمهورية التشيك، فتحتوي على ذخائر بنادق وقاذفات، إضافة إلى قنابل يدوية وصواريخ مضادة للطائرات وألغام للدبابات والأفراد، وكذلك مدافع هاون، ومركبات مدرعة للمشاة.
وسبق أن كشفت موسكو أكثر من صفقة من هذا النوع، كان خلفها أفراد وشركات خاصة من دول عدة مثل تركيا والأردن وكازاخستان وبولندا وغيرها... وكان في كل مرة يتبين خلف تلك الصفقات ودوافعها هناك أمران أو واحد منهما:
1. إثبات الولاء للولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً والتأكيد على الوقوف خلفهما بملف أوكرانيا.
2. السمسرات بدافع التربّح بأساليب ملتوية.
وغالباً ما تتبرأ تلك الدول من هذه الشركات أو هؤلاء الأفراد، وتعتبر إن سلوكهم فردياً ولا يعكس سياسة الدولة تجاه الحرب في أوكرانيا. هذا في الظاهر، لكن الباطن لا أحد يعلمه، مع العلم أنّ هذا الأسلوب المعتمد منذ بداية الحرب في أوكرانيا في شباط (فبراير) من العام 2022، يبدو أنه لن لا يستمر طويلاً.
إذ من المرجح أن يبدأ منسوب تلك المساعدات بالتراجع مع الوقت، وذلك نتيجة إخفاق الجانب الأوكراني في إثبات قدرته على تحقيق أي نتائج على الأرض حتى الآن، وكذلك مع قرب دخول الولايات المتحدة فترة التحضير للانتخابات الرئاسية التي ستبدأ مع مطلع العام المقبل، حيث ستكون بداية تلك الحملات بداية "انتكاسة" للجانب الأوكراني نتيجة احتمال تراجع المساعدات المالية واختفاء كل تلك المظاهر من صفقات وسمسرات. عندها قد يبدأ الحديث جدياً عن ضرورة وقف الحرب والتحقيق بكيفية صرف أموال المساعدات من باب تسجيل النقاط الانتخابية... وهذا على ما يبدو ما تنتظره موسكو وتتحيّن حدوثه بهدوء.