عماد الشدياق نقلاً عن "إيلاف"
بينما كان الاهتمام العالمي منصّب على مجازر إسرائيل في غزة، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقوم بداية الحرب، بزيارة شديدة الأهمية إلى بكين، ليحيي خلالها الذكرى السنوية العاشرة لإطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، التي شارك بها أيضاً أكثر من رئيس وممثل لـ 130 دولة.
أهمية الزيارة أنّها جاءت في إطار تفعيل "منصة" تهتم بتبادل وجهات النظر حول القضايا العالمية بين الدولتين الجارتين، الطامحتين إلى خق "نظام عالمي جديد".
القضية الفلسطينية: الطبق الدسم
الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط في ظل ما يحصل بقطاع غزة عشية عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة "حماس"، كانت طبقاً دسماً على مائدة الرئيس الصيني شي جين بينغ وضيفه الروسي فلاديمير بوتين. بل كانت مناسبة جيدة من أجل تعزيز التنسيق الدبلوماسي، من أجل توفير الظروف المناسبة لـ "التعددية القطبية"، والتي تمنح بدورها روسيا والصين المزيد من النفوذ وفرص التأثير في مسار الأوضاع هناك.
وعليه، فإنّ خلاصة التنسيق المشترك بين الطرفين، برزت بشكل سريع وواضح في عدد من الملفات:
- تطابق الموقفين الروسي والصيني داخل مجلس الأمن لناحية دعم حقوق الفلسطينيين وكذلك مواجهة "التوحّش" الغربي ضد حركة "حماس".
- رفض الطرفان وصف ما قامت به "حماس" بأنه "عمل إرهابيّ"، كما رفضا مساواة الحركة بالتنظيمات الإرهابية.
- مواجهة مسعى إسرائيل لحرف البوصلة، وتشتيت الأنظار العالمية عن مطلب بناء الدولة الفلسطينية وفق مبدأ "حل الدولتين".
تكامل "الحزام والطريق" مع "الاتحاد الأوراسي"
بموازاة ذلك، احتلت مسألة التكامل بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وكذلك مبادرة "الحزام والطريق" أهمية لروسيا في سياق نظرية: "إعادة التموضع نحو الشرق".
في حديثه بعد اجتماع مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في موسكو، قال بوتين إنّ روسيا والصين "تدمجان أفكارنا لإنشاء مساحة أوراسية كبيرة"، مشيراً إلى أنّ مبادرة "الحزام والطريق" الصينية هي جزء من هذا الطرح.
وعليه، فإنّ موسكو تعتبر أنّ الصين واعية تماماً لأهمية التجارة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، باعتباره فرصة واعدة وأكثر موثوقية من التفاعل مع الدول الغربية. ولهذا شكّل حضور بوتين الذكرى العاشرة للمنتدى الذي حمل عنوان "حزام واحد، طريق واحد"، دفعة إضافية لمبادرة "الحزام والطريق" نفسها.
فأتت تلك الزيارة، للردّ على المزاعم الغربية التي تقول بين الحين والآخر إنّ المشروع الصيني قد وصل إلى طريق مسدود، وبأن المبادرة التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013 لربط البضائع الصينية بالأسواق الأوروبية من خلال الطرق البرية والبحرية الشمالية، عبر أوراسيا، تواجه معضلة بالفعل.
وفي هذا الصدد، يرى مراقبون غربيون أنّ أوروبا حينما سارت خلف الولايات المتحدة بموضوع العقوبات ضد روسيا نتيجة الحرب في أوكرانيا، أقامت "ستاراً حديدياً" جديداً على الحدود الغربية لروسيا وكذلك بيلاروسيا، وبذلك تكون قد سقطت أوروبا بفخّ نصبته بيدها، لأنّها قد خسرت موارد الطاقة الروسية الرخيصة التي شكلت منذ سبعينيات القرن الماضي "المحرك الرئيسي" لاقتصاديات الدول الأوروبي.
أضف إلى ذلك أن الدول الأوروبية، أغلقت من خلال تلك العقوبات، إمكانية استيراد البضائع الصينية الرخيصة عن طريق البر، كون روسيا كانت ممراً برياً إلزامياً بين أوروبا والصين، بل حلقة أساسية في مشروع "الحزام الواحد".
سقوط نظرية العزلة
هذه الزيارة أيضاً، كانت الاولى لبوتين منذ اندلاع الحرب مع أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022. ومن خلالها، فقد دحض بوتين خرافة "عزلة روسيا"، بل أثبتت تلك الزيارة أنّ العديد من الدول تطمح إلى التعاون الاقتصادي مع موسكو، بل أنّ بعض الدول الأوروبية عادت وتراجعت عن مبدأ العقوبات لصالح التعاون وتخفيف القيود بالتدريج، وكل ذلك من مبدأ تشكل سياسة متعددة الأقطاب ترفض الهيمنة الأميركية.
الممر الشمالي ينفخ الروح بالمشروع
خلال الزيارة أيضاً، أشار بوتين إلى أنّ ملاحة السفن عبر الممر الشمالي ستكون ممكنة على مدار السنة منذ مطلع العام المقبل. فدعا الدول المهتمة، إلى المشاركة في تطوير هذا الممر، الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وقال: "فيما يتعلق بممر الملاحة الشمالي، فإن روسيا لا تقترح فقط الاستخدام الفعال لإمكانيات العبور هناك، بل تدعو الدول المهتمة للمشاركة المباشرة في تطويره".
وذلك لأنّ فتح طرق التجارة واللوجستية الدولية والإقليمية يعكس التغيرات العميقة التي تحدث في الاقتصاد العالمي، والدور الجديد الذي تلعبه دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على حدّ قوله.
روسيا تعمل بخطى حثيثة من أجل تطوير هذا الممر حيث تواصل تصنيع عدد إضافي من كاسحات الجليد لمرافقة السفن التجارية، وكذلك رفد الكاسحات إلى أسطولها الأكبر عالمياً، لعله يتحوّل مع الوقت إلى أحد أهم الممرات المخصصة لتصدير النفط والغاز، إذ من المتوقع أن يصبح طريقاً تجارياً رئيسياً بين أوروبا وآسيا… وبذلك يكون هذا الممر الروسي متنفّس مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.