سامر زريق نقلاً عن "أساس ميديا"
وضعت حركة حماس بنداً اشترطت فيه أن تكون روسيا إحدى الدول الضامنة لتنفيذ الاتفاق. وذلك في ردّها المكتوب على الإطار العامّ لاتّفاق وقف الحرب مع إسرائيل وتبادل الأسرى. طبعاً روسيا إلى جانب قطر ومصر وتركيا. في ردّها المكتوب على الإطار العامّ لاتّفاق وقف الحرب. فلماذا؟
لم تضع حماس شرط أن تكون روسيا إحدى الدول الضامنة للاتفاق مع إسرائيل من باب الصراع مع الولايات المتحدة والغرب. ولا من باب خلاف الغرب مع روسيا على خلفيّة الحرب في أوكرانيا. بل لأسباب أعمق من ذلك بكثير. ترتبط بشكل مباشر بالإرث الروسي في الشرق، وبالموقف من القضية الفلسطينية ما بين الماضي والحاضر. وأيضاً بترتيبات اليوم التالي، ولا سيّما في الداخل الفلسطيني.
الإرث الروسيّ
في الجلسة العامّة للمنتدى الدولي “أسبوع الطاقة الروسي” في 11 تشرين الأول الماضي، أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ بلاده دافعت دائماً عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن. مع الأخذ في الاعتبار أوّلاً وقبل كلّ شيء إنشاء دولة فلسطينية مستقلّة ذات سيادة. وأنّ “هذا الموقف لم يتطوّر اليوم إزاء الأحداث الدموية بل تطوّر على مدى عقود”.
بالفعل، ليس الدعم الروسي للقضية الفلسطينية حديث العهد. ولا يرتبط بالتطوّرات الجيو – استراتيجية. فمنذ مطلع ستّينيات القرن الماضي، بدأ الدعم الروسي للمقاومة الفلسطينية يتصاعد بشكل تدريجي. انطلاقاً من الاستراتيجية السوفيتية بدعم كلّ حركات التحرّر من ربقة الاستعمار في ما يعرف بدول العالم الثالث. كجزء من المواجهة مع الإمبريالية الأميركية. تطوّرت نظرة الشيوعيين إلى الصراع، وبالتحديد الحركة الصهيونية. وجرى تصنيفها كـ”أداة” يستخدمها الأميركيون والغرب من أجل “الإمبريالية العنصرية”.
كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات “أبو عمّار” قد زار العاصمة الروسية عام 1968. قبل عام من انتخابه رئيساً لمنظمة التحرير. وأسهمت تلك الزيارة في بناء وترسيخ علاقات روسيّة ثابتة مع الفلسطينيين. عام 1974، افتتح في موسكو ممثّلية لمنظمة التحرير. واعتُبرت تلك المحطّة منعطفاً في العلاقات الروسية – الفلسطينية. ثمّ عادت السلطات السوفيتية واعترفت عام 1978 بمنظمة التحرير باعتبارها “الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”. خلال واحدة من زيارات أبي عمار.
مذّاك بقي موقف موسكو ثابتاً في دعم القضية الفلسطينية، حتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991. وعلى الرغم من العلاقات التي نسجتها روسيا “المتجدّدة” مع إسرائيل بعد القطيعة السوفيتية، إلا أنّها حرصت على الموازنة بين هذه العلاقة وبين دعمها للقضية الفلسطينية.
منع التفرّد الأميركيّ
تسير موسكو بنهج سياسي ثابت يرمي إلى منع تفرّد أميركا بالقضية الفلسطينية. منذ ما قبل عمليّة “طوفان الأقصى”، ومن قبلها الصراع في أوكرانيا.
عام 2002، دعمت موسكو المقترح الذي قدّمه رئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريا أزنار بتأليف لجنة وساطة دولية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وذلك إبّان الانتفاضة الثانية. فوُلدت اللجنة التي يطلق عليها “رباعي الوساطة لعملية السلام في الشرق الأوسط”. كانت تتألّف من أميركا وروسيا، بالإضافة إلى ممثّل عن الاتحاد الأوروبي، وآخر عن الأمم المتحدة.
ضغطت موسكو من خلال هذه اللجنة لحلّ المشاكل العالقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ثمّ مع حماس في المرحلة التالية. إلا أنّ التعنّت الأميركي والأوروبي دائماً ما كان عائقاً يقوّض أيّ جهد حقيقي لوقف الصراع الدموي.
خلال مؤتمر عن الشرق الأوسط عُقد في موسكو في 13 شباط الجاري، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنّ “أميركا لا تزال تراهن على سيطرتها على المنطقة، وعزل الجهود الروسية عن التسوية”.
روسيا تدعم حماس والجهاد…. وتستضيفهما
علاوة على ذلك، دعمت روسيا حركة حماس منذ بدء ظهورها في ميدان المقاومة. إلى جانب علاقاتها الراسخة مع منظمة التحرير التي صارت السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو. وهي إلى اليوم لا تزال تمتنع عن تصنيف حماس على لوائح الإرهاب. على الرغم من العروضات الأميركية السخيّة. لأنّها تعتبرها حركة تحرّر وطني.
الحال نفسه ينسحب على “حركة الجهاد الإسلامي”. أثناء الحرب الإسرائيلية المستمرّة على غزة، استضافت موسكو وفداً من حركة حماس برئاسة القيادي موسى أبو مرزوق. ثمّ استقبلت رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.
تعتبر موسكو أنّ واشنطن حرفت النقاش بعيداً عن التسوية السياسية. من خلال التركيز في النقاشات التي تجريها على التخفيف من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. فيما تسعى روسيا إلى الاستفادة من الوضع الراهن. بهدف إظهار أنّ الغرب الاستعماري هو صانع الحروب في غزة كما في أوكرانيا والبلقان والقوقاز.
يقول بوتين في المنتدى الآنف الذكر: “حاول الأميركيون استبدال حلّ المشاكل السياسية الأساسية بنوع من الهبات الماليّة. لكنّنا قلنا دائماً إنّ هذا ليس كافياً دون حلّ القضايا السياسية الأساسية. وأهمّها إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، وعاصمتها القدس”.
روسيا ضامن للتسوية
ربّما موسكو هي العاصمة العالمية الوحيدة التي لديها علاقات مميّزة مع السلطة الفلسطينية وحماس وإسرائيل في الوقت عينه. لكنّ العلاقة مع الأخيرة يشوبها العديد من التوتّرات. بسبب الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا استخبارياً وعسكرياً. على الرغم من رفض تل أبيب المشاركة في العقوبات الغربية على روسيا.
إحدى صور هذا التوتّر تتمثّل في القضية التي رفعتها وزارة العدل الروسية في تموز الماضي، وتصرّ على المضيّ فيها. وهي طلب إقفال ممثّلية الوكالة اليهودية في روسيا “سخنوت”، الراعي الأول للهجرة اليهودية إلى “أرض الميعاد”.
من جانب آخر، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين آخر القادة العالميين الذين اتّصلوا برئيس الحكومة الإسرائيلية عقب عملية طوفان الأقصى. وذلك بعد مرور 10 أيام. فضلاً عن قيامه في المنتدى المشار إليه بتوجيه لطمة قويّة للسردية الإسرائيلية. إذ قال إنّ “سياسة الاستيطان الإسرائيلية أحد أسباب اندلاع العنف. الصراع في فلسطين مستمرّ منذ فترة طويلة، وأصبح مظهراً من مظاهر الظلم الذي وصل إلى درجة لا تصدّق. القضية الفلسطينية في قلب كلّ إنسان في المنطقة”.
مع ذلك، لا تزال جيّدةً العلاقات الروسية – الإسرائيلية. وإن فقدت حميميّتها نسبياً. تعتبر اللغة الروسيّة الرابعة في إسرائيل بعد العبرية والإنكليزية والعربية، بسبب هجرة نحو مليون يهودي من روسيا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. وهذا ما يخوّلها أن تلعب دوراً بارزاً في عملية السلام.
تعدّ هذه العلاقة عاملاً من العوامل التي شجّعت حماس على اشتراط وجودها كضامن دولي جدّي وغير متحيّز في عملية التفاوض الجارية حالياً. ذلك أنّ إسرائيل لا تتحمّل خسارة روسيا. لما لذلك من تداعيات كثيرة. أوّلها إقفال المجال الجوّي السوري أمام الطائرات الإسرائيلية التي تطارد قيادات فيلق القدس الإيراني. وتفعيل أنظمة الصواريخ الروسية المضادّة للطائرات لدى دمشق.
روسيا ضامنة للحلّ الفلسطينيّ
بيد أنّ لحماس أهدافاً أكثر عمقاً في اشتراط الضمانة الروسيّة في ترتيبات “اليوم التالي” تتّصل بالداخل الفلسطيني. حيث تعوّل على دور روسيّ من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني المزمن. ولضمان عدم إخراجها من المشهد السياسي في المستقبل أو تهميشها. بالاستناد إلى العلاقات المميّزة بين موسكو والسلطة الفلسطينية.
أحدث التأكيدات على عمق هذه العلاقة تمثّلت في زيارة وزير الأشغال الفلسطيني محمد زيادة لموسكو في 7 شباط الجاري. من هناك أشاد بالدعم الروسي لفلسطين الذي يمتدّ إلى الاقتصاد، حيث هناك العديد من المشاريع الروسية في كلّ الأراضي والمدن الفلسطينية. بما يعكس متانة العلاقات الروسية – الفلسطينية. وهذا ما لا تعرفه غالبية الشعوب العربية والإسلامية بسبب هيمنة الإعلام الغربي.
يقول وزير الأشغال الفلسطيني محمد زيادة لوكالة “سبوتنيك“، خلال زيارة موسكو في 7 شباط الجاري، إنّ “روسيا تقف دائماً مع الحقّ. وتستطيع أن تقول “لا” في وجه أكبر قوّة بالعالم، أي أميركا. لأنّها تؤمن بالحقّ، وتقف معه دون مواربة”.
وهذا بالضبط ما تحتاج إليه القضية الفلسطينية في الوقت الحالي.