شركات تركية تزود أوكرانيا بقذائف وأنظمة تكنولوجية نوعية

شركات تركية تزود أوكرانيا بقذائف وأنظمة تكنولوجية نوعية
شركات تركية تزود أوكرانيا بقذائف وأنظمة تكنولوجية نوعية

سامر زريق نقلاً عن "إيلاف"

عرف قطاع الصناعات الدفاعية خلال حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا نمواً هائلاً ضمن رؤية استراتيجية ترمي الى تحقيق الاكتفاء الذاتي، والحد من الاعتماد على الخارج، مع السعي للوصول الى مصاف الدول المتقدمة في مجال تصنيع الأسلحة وتصديرها. وهذا ما أدى الى حصول فورة على صعيد نشوء شركات التصنيع العسكري.

بيد أنَّ العديد من هذه الشركات لا تزال أسيرة الغرب وفرصه الاستثمارية. وبذلك فهي تسهم في تحقيق أهدافه الجيوسياسية، والتي تتناقض في غالبيتها مع سياسة أنقرة الخارجية، مما يجعل التعامل بين هذه غرب وهذه الشركات موضع تساؤل إن كان بموافقة أنقرة بالنظر الى الأضرار التي يمكن أن يسببها.

وفي هذا الإطار يبرز دور بعض الشركات، والتي تعد من شركات الصف الثاني في تركيا، في تزويد أوكرانيا بالأسلحة والقذائف، وأنظمة تكنولوجية عسكرية شديدة الأهمية، بعدما كونت شبكة من المقاولين العسكريين من الباطن، غداة حصولها على مناقصات وعطاءات عسكرية أميركية وغربية.


أنظمة تكنولوجية هجومية
في هذا المجال تبرز شركة "ماستر ديفينس" (Master Savunma Ticaret AS)، التي تأسست عام 2017، ومركزها الرئيس في شارع غالب ارديم بمحلة دملوبينار، مقاطعة تشانكايا، في العاصمة أنقرة. ومقاطعة تشانكايا تتمتع برمزية هائلة عند الشعب التركي، لأنها تحتضن مقر الحكم الذي شيده مؤسس الجمهورية التركية الغازي مصطفى كمال أتاتورك، وبقي المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية الى أن قام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بتشييد قصر رئاسي جديد في موقع آخر من أنقرة.


و"ماستر ديفينس" شركة متخصصة ورائدة في الأنظمة التكنولوجية لأغراض عسكرية. أهمها أنظمة الحماية من الحرائق التي قد تحدث في المنصات العسكرية الجوية. ونظام المنصة المتكاملة "بيرمانس" لتطهير الأراضي من الألغام الصاروخية، يمكن دمجه على منصات عسكرية متحركة مجنزرة أو ذات عجلات، ويدار عبر صندوق التحكم تلقائياً دون الحاجة الى الخروج من المركبة. وكذلك نظام الكشف عن بعد لعناصر الحرب الكيميائية من دون أي اتصال مادي.

كل هذه الأنظمة النوعية تحتاجها كييف بشدة في ظل المأزق العسكري الذي تواجهه عقب التراجع المضطرد لقواتها العسكرية في الميدان. وعدا عن إخلال الشركة الموردة بمبدأ الحياد الإيجابي الذي التزمته أنقرة، فإن بعض هذه الأنظمة هو ذو طابع هجومي كما يظهر. الأمر الذي يتسق مع دعم واشنطن وعواصم الغرب قيام كييف باستهداف عمق الأراضي الروسية، ولا سيما بعض الأهداف الحساسة مثل مصافي النفط وغيرها. الأمر الذي قد يسبب ضرراً بالغاً في العلاقات الثنائية الوثيقة بين موسكو وأنقرة، يصعب رتقه فيما بعد بالنظر الى أبعاده العسكرية والجيوسياسية.

شركة مثيرة للشبهات
الى ذلك، فإن شركة "أوزيورت" (Özyürt Silah Sanayi Ticaret AS) تحوم حولها الكثير من الشبهات. مقرها الرئيسي بمقاطعة سنجان بأنقرة، في الجادة رقم 14 بالمنطقة الصناعية. رئيس مجلس إدارة الشركة هو إحسان أوزيورت، فيما شقيقه وشريكه في الوقت عينه هو سردار أوزريوت، الذي ارتبط اسمه سابقاً بتنظيم فتح الله غولن "جماعة الخدمة"، المتهمة من القضاء التركي بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشلة صيف عام 2016. وقد عمل سردار كمدرس في إحدى المدارس بجمهورية قيرغيزستان تنضوي ضمن شبكة مدارس جماعة الخدمة. كما أشارت تقارير إعلامية تركية الى أن سردار كان له اتصالات أيضاً بوكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، حينما كان يرأسها وزير الخارجية الحالي ورئيس الاستخبارات الأسبق هاكان فيدان. وينظر إلى "تيكا" على نطاق واسع أنها تشكل إحدى الأذرع الاستخباراتية التركية الناعمة.

أما النقطة الشديدة الأهمية، فهي ارتباط سردار بنشاط تهريب الأسلحة ما بين أوكرانيا والمنظمات الإرهابية التي انتشرت في سوريا، حيث ورد اسمه ضمن تحقيقات الإرهاب وتم حظر أمواله المودعة في البنوك لفترة من الزمن.

وشريكه في هذا النشاط الممتد من كييف الى أدلب هو الضابط العسكري التركي المتقاعد نوري بوزكير، والذي كان يقيم في أوكرانيا حينها. لكنه اليوم مسجون في تركيا حيث استردته أنقرة بموجب الاتفاقيات مع كييف، بعدما أصدر القضاء التركي في حزيران (يونيو) 2022 أمر اعتقال بحقه، بتهمة الاشتراك في تنفيذ جريمة اغتيال الدكتور الأكاديمي التركي نجيب هابليميت أوغلو بهجوم مسلح أمام منزله عام 2002، الى جانب 9 جنود متقاعدين.

وهابليميت أوغلو لديه العديد من الدراسات والكتب حول المنظمات الإرهابية الانفصالية، وكان يعد كتاباً عن تنظيم جماعة الخدمة، إلا أنه اغتيل قبل إنهائه، وعاد هذا الكتاب ونشر كما هو بعد الاغتيال بمدة، وتضمن إشارات ودلائل على أن أعضاء هذه الجماعة تجسسوا طوعاً لصالح قوى دولية مؤثرة، وأنها تحولت الى منظمة مسلحة تشكل خطراً على الدولة التركية.

حرب ذخيرة
تأسست شركة "أركا" (Arca Savunma Sanayi Ticaret AS) عام 2020، وهي متخصصة في إنتاج ذخائر الهاون والمدفعية الشديدة الانفجار، وبمختلف العيارات، بالإضافة الى إنتاج الـ"C4". مركزها الرئيسي في مقاطعة "تشانكايا" بأنقرة، شارع رقم 3 في "باب العمل" بمحلة "كيزيل ايرماك". مؤسس الشركة ورئيس مجلس إدارتها إسماعيل تيريلميز، مقرب من حزب العدالة والتنمية، وسبق أن قام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بافتتاح مركز التصنيع الرئيسي لها في مدينة "تشوروم" بوسط الأناضول في أيار (مايو) 2023.

في كانون الثاني (يناير) الماضي، قال أمين عام حلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ إنَّ الحرب الأوكرانية "أضحت حرب ذخيرة". وأعلن عن مناقصة جديدة لإنتاج قذائف مدفعية عيار 155 ملم، وهي الأكثر استخداماً في الحرب. في 31 آذار (مارس) أعلنت وزارة الدفاع التركية عن التوصل لاتفاق بين البنتاغون وأنقرة لإنتاج 116 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملم. وبذا ستحتل تركيا المرتبة الأولى في صادرات هذه النوعية من الذخيرة الى السوق الأميركية.

أشارت تقارير صحفية تركية، وجهة هذه القذائف الفعلية هي أوكرانيا. بينها تقرير نشرته صحيفة "غازيتيه دوار" المعارضة، أشار الى قيام أميركا بالالتفاف على حق النقض الذي أشهرته فرنسا وقبرص واليونان في وجه تركيا، لمنعها من الاستفادة من صندوق الأموال الغربي المفتوح لدعم أوكرانيا، من خلال التعاقد من الباطن مع شركة "أركا" عبر وزارة الدفاع التركية. وعد التقرير هذه الصفقة المهمة وذات المردود العالي هي السبب في عدول أنقرة عن قرارها رفض الموافقة على انضمام السويد الى حلف "الناتو".

بيد أن دخول هذه القذائف حيز العمل الفعلي على أرض الميدان، لا بد وأن يشكل عامل تهديد جدي للعلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة، ولا سيما مع قيام كييف باستخدام هذه القذائف لقصف أهداف حيوية ومدنية في العمق الروسي. علاوة على أن كل ذلك يشير الى أن الغرب ليس لديه أي نية لإنهاء الصراع، بل مصر على استمراره وتوسعه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى